الواقعة الطفيلية في ظاهرة الثورات ما يحدث في سوريا؛ ما يحدث في روج آفا؛ مثالاً
عن الجذر المعرفي والسياسي للأزمة السورية؛ وعن الحلول (2 من 2)
سيهانوك ديبو – ملخص تنفيذي
حجم كبير مؤدى حين الانتقال من درج إلى درج أعلى. يشارك في هذا الانتقال الفيزيقي الأرجل والأذرع وكمية هائلة من الدماء تقوم الأجهزة المركزية في الأجسام وبأوامر من الجملة العصبية مع اشتراك الحواس الخمسة في عملية التنفيذ واستشاطة عظمى للحاسة السادسة بتوقع أي عمل أو فعل قد يعاكس ويرفض هذه العملية. الأمر هنا متعلق بجسم بشري يقوم بانتقال من عتبة درج دنيا إلى عتبة درجة أعلى. فكيف هو حال المجتمعات البشرية في الانتقال من وضع معيّن إلى آخر بات في نظرها بأنه غير مناسب للحالات التطورية التي يحتاجها مجتمع معين، بل بات معرقلاً ويظهر كمظهر كلي على أنه ضد الإرادة المجتمعية بما تحمله من تطلعات. انتقال هذه المجتمعات حينما تسمح لها ظروفها الذاتية وما فوق الذاتية؛ منها الموضوعية، ومنها الخارجية بنوعيها البعيد والقريب وما بينهما من ظواهر ووقائع وإشكاليات جمّة. كما حال الحراك الثوري الجمعي في سوريا والذي ظهر بمثابة ثورة (ينطبق عليها شروط الثورة) في جزء منه؛ أي في روج آفا- شمال سوريا وفق ما تمتلك الكتلة الثورية الموجودة في روج آفا من ميراث ثوري نظري وفعلي خاص بها، بينما تحول المشهد الثوري في جميع المناطق السورية الأخرى إلى مشهد احتراب وتدمير بين النظام ومجموعات مسلحة مرتبط أغلبها بتنظيمات إرهابية مثل داعش والنصرة (جبهة فتح الشام- جفش). وهذه المجموعات توجد لها حتى اللحظة مظلات سياسية مدعومة كما الائتلاف أو المتبقي منه والذي يحرص كلا من النظامين التركي والقطري وغيرهما على أن تكون أدوات منفذة للأجندة الخاصة بهما؛ كمثل الذي ظهر كاحتلال تركي لمدن في شمال سوريا: جرابلس والراعي وريف اعزاز والمتاخم لريف الباب الشمالي بمساحة تقدر حوالي 1000كم2. ويتعدى أن يكون هذا الاحتلال مجرد نصيب تركيا من الكعكة السورية فقط إنما استعداء صريح أيضاً لمسألتي التغيير الديمقراطي في سوريا وأن يكون حل الأزمة السورية متمثلاً بالتأسيس لجمهورية سوريا الفيدرالية؛ بالرغم من الاجماع العالمي لذلك وموافقته لمثل هذا الحل بالرغم من الحرص على عدم الإجهار بذلك أو الإعلان الرسمي لذلك، بما يتضمنه من مسألة حل القضية الكردية ضمن الإطار الديمقراطي السوري لها. إن كلا المسألتين تراهما تركيا بأنها مهددة للنظام الثيوقراطي أو الفيودالي المعمول به أو بهما سويّة في تركيا، وهذا ما يفسر جهدها الجهيد على أن تخلق أي تركيبة؛ مهما تكن؛ كي لا يصل بَلِّ التغيير إلى ذقنها.
من هم الطفيليون في سوريا؛ من هم في روج آفا؟
كم من البشر قضى نحبه جرّاء التشخيص السلبي والمعالجة التي تتبع تشخيص مرض ما؛ علماً؛ قد لا يكون بتأثير جديٍّ كي يكون سبباً في استعجال حتفه. التشخيص السلبي للكتل المعارضة للنظام الاستبدادي –إذا ما فرضنا بأنه ينتمي إلى التشخيص- أدى اليوم في العام السابع من الأزمة؛ بعد حين؛ إلى تدمير سوريا مرتين: الأولى بالمعنى العملياتي لها، وأخرى المساهمة القصوى في استحصال الفائدة الكبيرة للنظام الاستبدادي وإظهار حججه بأنها صحيحة. حجة التآمر والإرهاب وما شابه ذلك بغية إنشاء جَمْعٌ من السدود أمام التغيير الذي خرج من أجله السوريين. بخاصة في ظهور المعارضة (النواطق الرسمية للجماعات المسلحة المرتبطة بتنظيمات متطرفة) في معرض الورقة المعدة للبيع والشراء والتحرك وفق أجندة العثمانية وحقنها بشكل مستمر من قبل المال القطري بشكل خاص. والجماعات المسلحة التي يتكأ عليها الائتلاف أو (الهيئة العليا للمفاوضات) كانت محررة للمناطق من سكانها؛ فكانت محرضة لبراميل النظام ومحركة لأقصى حالات العنف فوق المعهود به لدى أي نظام استبدادي في الشرق الأوسط. واليوم يبدو الائتلاف بغالبية كتله وشخصياته بأنهم الطفيليون. يتميزون بخفة هائلة في التحرك بسبب الأكياس الفارغة التي يحملونها أو أنهم فاقدين بالأساس لأي تمثيل وشرعية لدى شعب سوريا بكل مكوناتها. ومن الطبيعي أن يستهدي هؤلاء على (أكرادهم) بالرغم من حالة العداء القصوى فيما بينهم؛ المواقف والتصريحات الشوفينية الرافضة للوجود الكردي في سوريا على أساس حقيقتهم التاريخية السياسية. الائتلاف لا يطيق أي وجود لهم، كما أن المتبقي في المجلس الكردي يفتشون على الدوام من تصديرين لأزماتهم سواء من وجودهم غير المبرر غير الشرعي في الائتلاف المؤكد من قبل قاعدة المجلس (عريضة كانت أو ضيقة)، وتصدير لأزمة المجلس الكردي نفسه والعائم في بحر من التناقضات. من المؤسف أن نقول بأن تصرفات معينة من قبل بعض مسؤولي الإدارة الذاتية تظهر بأنها حُقَنُ العيش رغم الموت السريري الواضح للمجلس الكردي.
إن اتخاذ المساومات الكليّة كمبدأ للعمل السياسي هو أمر خطر للغاية وغريب وغير صحيح؛ بل؛ جالبٌ أكيد للدمار. وهو بطبيعة الحال أمر مرفوض لا يمكن تمريره بالنسبة للكتلة الثورية المتمثلة بحركة المجتمع الديمقراطي من ضمنها حزب الاتحاد الديمقراطي في روج آفا والتي حققت انجازات وجعلت المكتسبات المتحصلة أقرب من أية لحظة إلى الاعتراف العالمي بها ومُعَدٌ بها في أنها الحل للمشكلة العامة في سوريا أو في الشرق الأوسط،. وأنها تسير اليوم في طريق اكتساب الشرعية القانونية لها من بعد التوسعة الضخمة في حاضنتها المجتمعية والقوى السياسية وممثلي المكونات التي أسست سويّة الإدارة الذاتية الديمقراطية، وتقدم نفسها اليوم كخط ثالث صريح بما فيه من مشروعها الديمقراطي المتمثل بالفيدرالية الديمقراطية كحل للأزمة السورية بعمومها. إن الهامشية التي يتحلى بها المجلس الكردي ينبع من الأساس في اتخاذه المساومة مبدأ له. هو اليوم ورقة مساومة بيد النظام التركي للتشويش على عالمية ثورة روج آفا وليس محليتها والوطنية السورية والقومية الكردية فقط. كما أن المجلس يساوم اليوم وهو مستعد اليوم أكثر من أي يوم مضى كي يعلنها حرب أهلية بينية؛ بالرغم من التدرج الذي حصل كي يصل إلى هذه المرحلة.
من استقبل جبهة النصرة في العام 2012 في سريي كانيي/ رأس العين حاملين علم إقليم كردستان العراق الذي تم الدوس عليه من قبل هذه (النصرة)/ جفش اليوم؟ الرافض حتى اللحظة من تحرير بلدات غير (كردية) تحتلها داعش؛ من تل حميس حتى الرقة –عاصمة الخلافة المزعومة- هذه اللحظات؟ الواقف إلى جانب الأعداء المعلنين في الميدان العسكري أو السياسي؟ هم المتبقي من المجلس الكردي الذي يؤدي اليوم (المهمة الخطرة) والتي يخسر من خلالها لوحده؛ ولن يفيده في ذلك من يدعمه اليوم، لأن الداعم ينظر إليه كمجرد ورقة؛ كأداة؛ كجهاز مساوم. أي أنه الطفيلي.
هل هناك صراع في روج آفا؟
لا يمكن التكهن الدقيق بالنهاية الحتمية في سوريا. وفي أي مشهد يمكن أن يتوقف فيه الحرب، وما هي اللحظة المناسبة التي يجب أن تُكبح آلة العنف السورية في رأي الدوليّة. خاصة إذا ما أدركنا أن الفوضى أو الوصول إليها بشكل مستمر يلزمه توازنات وقتية، وتغيير مستمر في التحالفات بهدف المزيد من الفوضى. كما الحال في الفوضى السورية التي لن تهدأ إلَا حين تجد لها بداية أو مستقراً في بلداً آخر؛ وفق الاعتقاد العام؛ ووفق هذا الاعتقاد نفسه فإن تركيا هي المرجح كي تأخذ رأس خيط الفوضى السورية، ويبدأ حينها ظهور العلائم الأولية للاستقرار السوري. وربما نحتاج إلى شهور أخرى كي نرى هذه العلائم. بالرغم من ذلك؛ إلا أن المعطيات الميدانية المدعومة وفق المزاج الدولي بأن سورية (المفيدة) باتت في متناول النظام وحلفائه، وفي هذه الحالة ستجد الطفيلية السورية نفسها أكثر جاهزية أو في معهد الجبرية ضمن المزج الممزوج لأغلبيتها في الحكومة الموسعة السورية. الانتقالية والمؤقتة والدائمة. أو ينتهي دورها عند مستوى معين من المسألة برمتها.
في روج آفا توجد كتلة ثورية تجهد أن يكون حل القضية الكردية مفصل أساسي من مفاصل التغيير الديمقراطي السوري؛ من ضمن هذه الكتلة حزب الاتحاد الديمقراطي PYD، وتكتل أو أداة تجهد بكل الدعم الممنوح لها من قبل العثمانية الجديدة والقومية البدائية بأن تطلق صفة الإرهاب على وحدات حماية الشعب والمرأة وعلى حزب الاتحاد الديمقراطي. حالة اللا عودة التي تعود بدورها إلى حجم المساحة الكبيرة بين كتلة تبني على الدوام وقدمت في هذا المنحى آلاف الشهداء من جميع المكونات في شمال سوريا؛ وتكتل جُلَّ أهدافه أن يهدم ما تم بناؤه وقدم في هذا المنحى مئات المساومات الظاهرة منها والسرية؛ المعلومة منها وغير المعلومة كي يهدم. بين الكتلة السياسية في الإدارة الذاتية الديمقراطية ومن يكاملها من قوى وأحزاب خارج الإدارة من جهة ومن جهة نقيضة الباقي المتبقي من المجلس الكردي الذي يمارس العداء لدماء الشهداء ولجميع المكتسبات المتحققة.
كيف يجب التعامل مع من يرفض التعليم بلغته؟ كيف يجب التعامل من يرفع لافتة يرفض دعم التحالف الدولي لقوات سوريا الديمقراطية ولوحدات حماية الشعب كقوة أساس فيها؟ كيف يجب التعامل مع ثلة يرفعون شعار يحيا أردوغان؟ كيف يمكن أن يندرج في فئة المعارضة؛ ألا يمثل العدو ويمثل قمة العدائية للمكتسبات الوطنية القومية المتحققة؟
لا يوجد صراع في روج آفا. توجد ثورة في روج آفا تؤكد بأن العيش المشترك وأخوة الشعوب هي الضامنة لجميع الحقوق وفي مقدمتها حق القضية الكردية وحلها ديمقراطياً؛ كما يوجد إلى جانب ذلك تكتل طفيلي هام همومه الهدم والتدمير. وكما حال كل الثورات في التاريخ القديم والأوسط والمعاصر وظهور التيارات الطفيلية المشهودة بالمزاودة والمزايدة والتناقض والعدمية والسلبية فلن نستغرب أن يأخذ المجلس الكردي مثل هذا الدور مع من يدعمه، وخصوصاً في أنه على طول الخط معد فقط كي يساوم على حساب القضية الوطنية والقومية وعلى حساب التغيير الديمقراطي في سوريا والمنطقة برمتها.[1]