الراعي الكذاب أم سيد الخراف هو الذي يكذب؟
ياسر خلف
جميعنا سمع قصة الراعي الكذاب عندما كان يكذب ويريد من الآخرين أن يصدقوا كذبته ويهبوا لنجدته، ولكن ما لم نسمع به أن سيد الخراف يصدقه ويسرع لتأكيد صدق كذبة الراعي. حقيقةً إن ما دار من أحداثٍ في روج آفا يضع المرء أمام حقيقةٍ واضحةٍ للعيان في أن ما جرى ويجري هي إشكاليات مختلقة يُراد بها النيل من مكتسبات روج آفا، والطعن في مصداقية مؤسساتها، وتشويه سمعة القوى المدافعة والمحققة لهذه المكتسبات والمنجز على الأرض، فمنذ انطلاقة الثورة في روج آفا واختيارها الخط الثالث الذي رفض الانخراط في الأحداث الدموية الجارية على الساحة السورية، سواءً من قبل النظام أو ما تسمى بقوى المعارضة واللذان انتهجا المنحى الطائفي، والاعتماد على قوى إرهابية دخيلة وبعيدة عن الروح المجتمعية للشعوب السورية.
الأمر الذي أدى إلى دمارٍ وخرابٍ لا مثيل لهما، وأدخلت سوريا إلى دوامةٍ دمويةٍ من العنف القاتل لم تسلم منها البشر والحجر، والذي كان إثباتا على ما نادت بها القوى والفعاليات في الإدارة الذاتية التي أدركت خطورة المنحى الذي انتهجه كل من النظام القاتل والمعارضة المرتهنة إلى أجندات بعيدة عن الروح الوطنية، والتي وصلت إلى ذروتها في الشمال السوري وتحديداً في مدينة حلب ومناطق الشهباء، والتي بات يلوح في ثناياه انهيار العملية السياسية برمتها التي لم تكن جادة وصحية منذ بداية انطلاقتها، نتيجةً لهيمنة القوى الإقليمية وسعيها لفرض مخططاتها ومشاريعها على الساحة السورية بما يقتضيها مصالحها ومنافعها، وبسط نفوذها بما يتناسب مع القوى التي تدعمها وتساندها لتصبح الجغرافية السورية برمتها ساحةٍ للدمار والخراب وتهجير الشعب السوري، الأمر الذي حدا بالقوى الدولية إلى البحث عن قوى بديلة لكل هذه المعمعة الإرهابية الذي يعصف بالبلاد، فلم يكون البديل ببعيدة عن هذه القوى التي أطرت مجبرة لتبنيها وفتح أبوابها لتمثيلياتها ورؤيتها للحل الذي طرحته للمعضلة السورية، المتمثل بالفيدرالية الديمقراطية لروج آفا ولشمال السوري كمشروعِ خلاصٍ لكاملِ سوريا، والتي بدأ يلقى رواجاً وقبولاً في الأوساط الدولية، وإلى حدٍ ما العربية منها التي رأت على لسان رئيس الجامعة العربية أحمد أبو الغيظ بأن الفدرالية هي الحل الأمثل للإشكالية السورية، إضافةً إلى ذلك فقيام القوى العالمية المتمثلة بالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي وإلى حدٍ ما روسيا، بتأيد هكذا رؤية بطريقة مباشرة وغير مباشرة، وسعيها إلى إشراك القوى الفاعلة على الأرض في المفاوضات والمتمثلة بمجلس سوريا الديمقراطي وقوى الإدارة الذاتية الديمقراطية، إنما ينم عن إدراكِ هذه القوى إلى استحالة الحل بدون رؤية واضحة لمستقبل سوريا.
إن لم يكن هناك مشروعٌ ملموسٌ يضع حداً لكل هذه الفوضى والدمار، هذا الحل الذي تجسد وتبلور في الإدارة الذاتية ولاحقاً في الفدرالية الديمقراطية للشمال السوري وروج آفا، ومن هنا أدركت القوى الكلاسيكية التي أدعت التمثيل السوري سواءً ما تسمى بقوى المعارضة أو النظام جدية وحقيقة هذا المنحى الديمقراطي المدني العلماني، وباتت تعي جيداً خطورتها على مصالحها ومنافعها لتتحول هذه القوى بشقيه المعارضة والنظام إلى معاداةٍ وصِدامٍ مباشرٍ مع هذا المشروع الديمقراطي، ولتتقاطع مصالحها ومخططتها ولكن دون وصولها لحد التطابق، فما نشهده من تقاربٍ بين النظام الأسدي وتركيا وإيران هي نابعة من هذا الإدراك لخطورة المنحى الديمقراطي على سلطانهم واستبدادهم، والتي أجبرت تركيا إلى تغيير مواقفها من النظام البعثي في دمشق، وتخليها عن فكرة إسقاط النظام واكتفائها ببقعة جغرافية في الشمال السوري وروج آفا للحيلولة دون تطبيق مشروع الفدرالية الديمقراطية، ولتحمي وتساند ما تبقى من مرتزقته الدواعش ومثيلاتها من الانهزام والانهيار بشكلٍ تام، وذلك عبر سحبهم من شمال حلب وانخراطهم في صفوف مرتزقتها وفصائلها الإسلامية الراديكالية المتشددة، الأمر الذي أدى إلى انهيار وتقهقر فصائل ما تسمى بالمعارضة في كامل مدينة حلب، وسط تقدمٍ متسارعٍ للنظام وفصائله والذي بات يسيطر على معظم أحياء حلب، نتيجةً لتخلي اردوغان والفصائل المدعومة من قبله عن حلب مقابل مصالح ومنافع الأتراك على حساب دماء الشعب السوري، وذلك وسط موافقة وصمت مذل لما تسمى بالائتلاف الوطني لقوى الثورة لأنها وببساطة شريكة مع اردوغان في هذه النتيجة المأسوية لسقوط حلب في يد النظام، والتي لا تزال توهم الشعب السوري بأنها واردوغان هما المخلصان لهذا الشعب رغم تصريحات اردوغان وحكومته التي أكدت أن فصائلها ومرتزقتها لا تهدف إلى إسقاط الأسد ونظامه، وهي فقط لمحاربة الشعب الكردي والمكونات المتعايشة والمتفقة معه ومشروعهم الديمقراطي.
لذلك نجد هذه القوى المنهزمة والمرتهنة لإرادة سلطانهم اردوغان تناصب العداء للشعب الكردي والمكونات المتحالفة والمتعايشة معها، وتسعى جاهدةً لإفشال مشروعهم الديمقراطي والنيل من إرادتها ومكتسباتها، وذلك بما يمليها عليهم دائرة الحرب الخاصة التركية، وذلك عبر وسائل وأدوات رخيصة ومكشوفة لل#شعب الكردي# ، والذي شهدنا تحركاتهم المشبوهة في الآونة الأخيرة في كل من روج آفا وبعض الدول الأوربية وبإسنادٍ ودعمٍ مباشرٍ من ما تبقى من المجلس الوطني الكردي ومن يتعامل معه، وخروجهم هذه المرة بشكلٍ مباشرٍ ضد قوات حماية الشعب ypg و ypj ، وطلبها من أمريكا والدول الأوربية بالتوقف عن دعمهم ومدهم بالسلاح، وخلق فتنة في الداخل عبر بث الإشاعات والأكاذيب كقصة حرق العلم البعيدة عن الحقيقة، محاولة تأكيدها من قبل بعض الشخصيات لإنقاذ اردوغان الذي أصبح عارياً ومكشوفاً أمام المجتمع السوري برمته، و بات نفاقه واضحاً لمرتزقته قبل معارضيه، الأمر الذي يؤدي بالنتيجة إلى كشف وفضح الأكاذيب والشعارات القومية الرنانة التي تلاعبوا بها على مشاعر من تبقى من مؤيديهم وإتباعهم، واستكمالاً لما تبقى من خيوط المؤامرة على روج آفا وشعبها الذي بات ينتصر ويحقق المزيد من الانجازات عبر رؤيتها الحكيمة ومشروعها الديمقراطي لكامل سوريا، والمتيقظة لمنع استيراد الانقسام البنيوي لتجربة جنوب كردستان الدامية في الاقتتال الأخوي والتقسيمات الحزبية الذي يحاول بعض الشخصيات فرضه عبر أدواته على روج آفا، حيث يمكننا القول أن زيارة رئيس الائتلاف أنس العبدة لباشور كردستان وتصريحه بأنه يجب ضم ما يسمى بيشمركة روج آفا مع الجيش الحر لمحاربة الانفصاليين في إشارة إلى الإدارة الذاتية الديمقراطية في روج آفا، يكشف بوضوح أن حجم المنجز على الأرض في روج آفا بات يشكل تهديداً جوهرياً لراعيهم وسيد الخراف في عقر إسطبلاتهم.[1]