المثقفون و الصراع بدلا من الحوار؟
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 4912 -#01-09-2015# - 19:15
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
كنت في حوار تلفزيوني مع شخصين من فكرين وعقيدتين و توجهين و فلسفتين و حزبين مختلفين لحد التعارض مع البعض فيما بينهما على ارض الواقع، لو قيمنا ما يؤمنان به من خلال منهج حزبهما و اهدافه و شعاراته و ايمانه بالحياة و الموت( اي الفلسفة )و حتى سلوكهما الحياتي الشخصي و نظرتهما الى كل ما يمن بالانسان و الحياة الا السياسة و الكلام، الا انهما اتفقا في تلك الليلة من اجل مصلحة حزبية ضيقة بعيدا عن كل ما تقدم من المفاهيم الانسانية، و هذا هو صلب العمل من اجل تضليل الناس .
كان النقاش حول ما يمر به اقليم كوردستان و الازمة الحالية و موقف الاحزاب الصغيرة و مسيرة حزبي هذين الشخصين الذي اقدرهما شخصيا رغم كل خلاف فكري او عقيدي معهما وعلى حد مختلف مع كل منهما، لانني يساري الهوى و كان احدهما يساري والاخر يميني متطرف.
انهما من خلال حزبهما خطا ممثلهما في البرلمان الكوردستاني الخطوة السياسية المصلحية ذاتها البعيدة عن اي عمق فكري فيما بين حزبهما، و انهما دافعا عن توجهاتهما وما اقدم عليه حزبهما بحرارة وهذا من حقهما، الا ان ما يحزنني كثيرا و المثقفين معي هو ما لمسته من عدم امكانهما اجادة الحوار وما افقد اليساري اعصابه ما حدى به التوجه نحو التشهير و الكلام البعيد عن موضوع الحوار من اجل التضليل بعيدا عن كل ما يمت بالثقافة و المعرفة، و هذا حال المثقفين الشرقيين و ايمانهم بالصراع بدلا من الحوار على الرغم من انهم يوافقون على الحوارات لاهداف شخصية كانت اومصلحية بشكل عام .
و من هذا الموقف و المنظور اود ان اعرج على الصراع و الحوار و ايهما الاصح قولا و تطبيقا في شرقنا و ايهما لا نزال لم نعلم عن بداياتها و شروطها و ضوابطها شيء يُذكر .
المعلوم ان الصراع يمكن ان يبدا و يطول من خلال طرف واحد ايضا و ليس طرفان دائما، و ليس بشرط ان يكون بنية و فعل طرفين دائما، اي بامكان اي طرف ان يختار المقابل و يصارعه بطرق شتى، و ان لم يرغب الاخر في ذلك فبامكان الطرف المستفيد من الصراع ان يرغمه على ذلك و يضايق عليه و يجبره على الرد و هذا ما يبدا به الصراع، و هذا لا ينطبق بين شخصين فقط و انما على الحضارتين من حيث الثقافتين و القوميتين و الانتمائين و الجهتين و الدينين و المذهبين و الحزبين ايضا . اما الحوار فهو عملية اكثر اهمية و تقدمية وانسانية و له شروطه المغايرة للصراع واكثر تطورا، و يجب ان يكون برضا و موافقة الطرفين، و الا ان رفض احد الطرفين لا يمكن اجباره على الحوار، كما يحدث العكس في الصراع .
لم اتكلم هنا عن صراع الحضارات و ما بحثه علماء الامريكان صاموئيل هنتغتون و غيره، ولا عن حوار الحضارات كما قدمه رئيس الايراني الاسبق محمد الخاتمي منافيا بتوجهاته فرض الصراع و ايهما الاصح تسميته، و انما اتكلم عن ما يجري في هذه الزاوية الضيقة التي كانت مهملة و منسية منذ ازل، و لم تعد رقما على الساحة السياسية العالمية و في المنطقة الا في الامس القريب و هي كوردستان . و ما يجري من ما نسميه جدلا حوارا، والا انه الصراع بكل محتواه، و نحيل الامر في النهاية الى التشدد و الحرب و الخراب و نفي الاخر .
اننا متخلفون الى حد نعمل شيئا مختلفا و نخلط بين المفهومين، اي اننا تولدنا و تربينا و تعايشنا و ترعرعنا و شيٌبنا على ارضية لا تقدم الا بداية و دافع و تحريض و حث الناس على الصراع و حتى مع اقرب المقربين، اما الحوار الاكثر انسانيا و له شروطه و مستوجباته و ارضيته، لا يمكن ايجادها الان في الشرق بما فيه كوردستان بشكل عام من ما يمت حيث الشعوب و ما ينبثق منهم من الاحزاب و المنظمات و الشخصيات المثقفة و الاخرين.
انني على اعتقاد كان من المفروض على الهنتغتون ان يخرج من تفكيره و عقليته و توجهاته و فلسفته مفهوم الحوار و ليس الصراع، لان بيئته قريبة من الحالة التي تتوفر فيها شروط الحوار، الا انه اتى بما فكر به سياسيا و عسكريا و اقتصاديا ومن ماهو في مصلحة بلده امريكا، و كان على الخاتمي ان يؤكد العكسما جاء به من حوار الحضارات و ان يتكلم و يبحث عم ما يؤمن به من الصراع، لما هو موجود فيه من ارضية و الوسط الذي لا يمكن مسايرة اي امر الا بالصراع و هو ما يفرض نفسه .
اننا لازلنا نعرٌف الحوار بشكل و نطبق الصراع باسم الحوار، على ان الحوار هو المفيد و المجدي لحل اية مشكلة، الا اننا لم نطبق ما نعلمه نظريا و نفعل ما كسبناه في حياتنا اليومية و معيشتنا و تربيتنا من حيث العائلة والشارع و المدرسة و البيئة بشكل عام . لذا، و من منطلق منطق كلام الشخصين ان كنت قد تمكنت بان اسميه منطقا في الكلام على الرغم من عكس ذلك، و اللذين حاورتهما في تلك الليلة الليلاء، فانني اعتقد اننا لسنا حتى في بداية الطريق لنقول للناس باننا يجب ان نتحاور، هذا ان لم يكن موقفهما من اجل مكسب حزبي و مصلحي ضيق، وانا اؤمن بانهما يمكن ان يكون لهما الحق في الحفاض على مصلحتهما و ما يهدفان، و لكن ليس على حساب الحوار و المصلحة العامة الذي يقع على حساب الشعب، لنعتقد بان ما نطقا به نابع من ما يؤمنان من الفكر و العقيدة في قرارة انفسهما .
في النهاية توصلت الى قناعة باننا لسنا مؤهلين للحوار في اية قضية و ان كانت غير ذي اهمية مصيرية كما كنا نتحاور حوله في تلك الليلة . و ارجوا لهما المطالعة والقراءة و معرفة فن الحوار و احترام الاخر شخصا و فكرا و عقيدة و ايمانا و حتى ايديولوجيا، ارجوا لهما السلام و السعادة في حياتهما.[1]