طريقُنا ما زالَ طويلاً
كوباني ذاكرة متجددة دائماً
سيدار رمو
جملةٌ مرّرها المعلمُ لتلميذته أثناءَ مراسلةٍ الكترونية تكللّت من ناحيتها بشعور الشوق الممزوج بالامتنان لهذا المُعلّم الذي لطالما حثّها على العمل والنجاح وتحقيق الذات، وبادر كثيراً لإيصالها إلى مرحلة إدراك منطق الحياة، لكنه اتجه بعيداً بحكم الظروف.
عينا تلميذته التقطتا جملته بتمعّن وقتها، وردّدتها نفسُها القنوعة مراراً, بنهم إنسانٍ جائع يلتهم طعاماً لذيذاً وكأنه لم يذق طعمَ اللقمة منذُ أيام وأسابيعَ.
التلميذةُ التي كبرت فيما بعدُ وسارت في طريق بناءِ شخصيتها وتحقيق ذاتها, احتفت حينها بتلك المراسلة وتلذّذت بمعاني كلماتها فجمعتها كلّها في قاموس ذاكرتها، لكن جملةّ واحدة دون سواها شدّت انتباهها (انتباه التلميذة) فقررتْ إهمالها إلى إشعارٍ آخر حتى يتسنّى لها الوقت للتفكير والتعمّق في جملة معلمها الذي تكنُّ له كلّ الاحترام والتقدير.
(طريقنا مازال طويلاً) كانت هي تلك الجملة التي بقيت نائمةً طويلاً في ضمير التلميذة وذاكرتها، إلى أن آن حينها فأخرجتها من قوقعة مخيّلتها مع فكرةٍ تذهب في عقلها وأخرى تجيءُ، وشريطٌ من التساؤلات ينهمر عليها، ما هو هذا الطريق؟ هل انبلج بصورته الحقة أمامها هي والغير معها أم أنه ما زال مظلماً كسواد الليل الحالك، هل هو من الطين أم الحصى؟ وإمكانية السير فيه بطيئة أم ماذا؟ وفي النهاية ماذا يمكن أن يكون هذا الطريق الطويل؟
هذه الأسئلةُ التي طرحها ذهنُ التلميذة على نفسها الإنسانية كانت تمتلك أجوبةً كثيرة، لكنها وبحكم بيئتها والظرف التي يعيشها موطنها, أقبلت بينها وبين نفسها على اختيار الخيار العمومي والنبيل من بين الفكر المطروحة من عقلها ليكون جواباً، أرادت بجوابها أن تجمع الكلَّ معاً، فرأته عصياً على باعة الوطن، ووحدهم الوطنيون أو سكان روج آفا الذين لم يرضوا بهجرها كغيرهم ممن ركضوا خلف الأوهام أو ربما الوعود المزيفة، هم وحدهم كانوا قادرين على رسم الإجابة الحقيقية وإجهارها للعالم بأن الطريق الذي ما زال طويلاً هو طريق الثورة الذي ينطلق بشرارة صغيرة لكنه يستمر ويستمر طويلاً لا سيما أن الكامن وراءهُ هدفٌ سامٍ، فكيف لا وأنه يتمثل بإحياءِ شعبٍ أو مجموعةِ شعوب ويبعثهم من جديد وذلك بتغيير الذهنية.
حقيقةً الطريق الذي قصدهُ المعلم ويسير فيه راهناً هو طريقُ الثورة، والثورات لا تصل لمبتغاها وهدفها بين ليلة وضحاها, بل يتطلب الأمُر العملَ المكثّف والجهد الكبيرَ وخوض الصراعات وحتى العيش بمشقة ومعاناة، ومعه يبقى لهذا الشيء متعة ولذة كبيرتين في ظلِّ منهجّيةٍ صائبةٍ ودعمٍ جماهيري، ولابد للتاريخ أن يخّيم ببصمته على أيام الثورة.
ومنه فإنّ روج آفا تعيش ثورة شعبيةً هادفة إلى تغيير الفرد وإخراجه من قوقعة الفكر الضيق إلى سبيل بناء الشخصية الجوهرية التي تتقبل بكل سهولةٍ التطوّر، وتفتح الطريق أمام الندّ ليعبّرَ عن نفسه ورأيه وعن هويته بشفافية، لذا علينا جميعاً أن نتكاتف ونعمل معاً لاستكمال مسيرة آلاف الشهداء.[1]