داعش.. شركة متعددة الجنسيات وعابرة للحدود
محمد أرسلان
المشكلة في نظرة المسؤولين الأتراك من أعلى الهرم وحتى قاعدته وكذلك المحللين منهم والمثقفين الذين يظهرون على شاشات التلفزة ويفحموننا بتحليلاتهم وقراءتهم للموضع الداخلي والخارجي منه، وخاصة عندما يُنَظِرونَ للوضع السوري وأنه حان الوقت لوقف العنف والاقتتال والبدء بمرحلة الحل السياسي. إلى هنا وكل شيء جميل إذ ما لم نتذكر الأزمة السورية وكيف كان الموقف التركي الرسمي منها؟ وكيف أن الحكومة التركية وبإيعاز مباشر من أردوغان في أن يتم تسهيل عبور المتطرفين والارهابيين من كافة دول العالم عبر الأراضي التركية نحو سوريا بعد أن يتم تدريبهم وتسليحهم وتأمين كل شيء لهم وإدخالهم إلى سوريا كي يعيثوا بها فسادًا وقتلًا ودمارًا وخرابًا.
تقرب المسؤولون والمحللون الأتراك من الشعوب وكأنهم لا يمتلكون ذاكرة مجتمعية وسياسية وأنهم بهذه الديماغوجية سيجعلون من الشعوب السورية تصديقهم بأن الأتراك يريدون بالفعل أن يحل السلام في سوريا وكأن ذاكرة الشعوب تشبه ذاكرة السمك كما يقول المثل. الكل يعلم حيث أنه تم نشر الكثير من الوثائق عن تورط الحكومة التركية في دعم الارهابيين في سوريا وكيفية دخولهم مدججين بالسلاح ومكبّرين “الله أكبر” على الحدود كي ينشروا الاسلام والقضاء على الحكم المجوسي وأن لا حل في سوريا إلا برحيل رأس النظام.
الاستدارات التركية في الفترة الأخيرة كلنا نتذكرها كيف أنها تحمل رائحة الميكافيللية في جنباتها في الغاية تبرر الوسيلة، بدءًا من الاعتذار لروسيا والارتماء في احضان اسرائيل والتودد لإيران من أجل إخراج نفسها من المستنقع الذي أقحمت فيه نفسها من خلال سياساتها الحمقاء والتي لم تجلب لتركيا سوى المزيد من المشاكل والاعداء.
الازدواجية أو الانتهازية التي تنتهجها تركيا ربما تنجيها لفترة أو مرحلة ما ولكنها لن تزيدها إلا غرقًا في مستنقع سياساتها الفاشلة التي انتهجتها في الداخل من خلال زمرة من التقربات الاستعلائية وخاصة في تغيير نظام الحكم من البرلماني إلى الرئاسي بالرغم من المعارضة التي تلاقيها وكذلك اعتقالها للكثير من اعضاء النواب من حزب الشعوب الديمقراطية ورؤوساء البلديات الكردية وحملة الاعتقالات التي شملت الآلاف تحت حجج مشاركتهم في “الانقلاب” وفصل الآلاف من الموظفين لنفس الحجج، كل ذلك من أجل يصبح السلطان العثماتركي الأوحد من دون منازع بعد أن استبعد كل من يخالفه الرأي وخاصة المقربين منه وخاصة السيد داوود أوغلو وغيرهم. هذا على الصعيد الداخلي ولكنها على الصعيد الخارجي فحدث بلا حرج عن سياسات تركيا الفاشلة بدءًا من تدخلها الفج في الأزمة السورية وكذلك في ليبيا ومصر واحتضانها جماعة الاخوان المسلمين وعدم الاعتراف بالنظام المصري الحالي وحتى أنها تسعى لفرض ذاتها وصية على المنطقة كلها.
تركيا المتحولة والمتحولة بين ليلة وضحاها من صفر إلى كم هائل من المشاكل تريد في آخر مسرحياتها أن تقنعنا أنها أصبحت كالحمل الوديع وأنها تسعى فقط لنشر السلام في المنطقة وخاصة بعد مؤتمر الاستانة على أساس أنها وروسيا مع ايران من الراعيين والضامنين لوقف العنف في سوريا، وكلنا يعلم أنها السبب الأول لانتشار القتل والدمار والخراب والتهجير بشكل مباشر وكلنا نتذكر السيد أردوغان حينما كان يطل علينا عبر شاشات التلفزة كيف أنه كان يوزع الوعظ عن كيفية تعامل الحكام مع الشعوب وأنه سيصلي في المسجد الأموي بعد الانتهاء من النظام الموجود من خلال جيشه الانكشاري المتشكل من المتطرفين والإرهابيين من كافة الفصائل المتواجدة على الجغرافيا السورية.
تركيا تحولت بقدرة قادر من ذئب على الساحة السورية إلى أحد الأطراف من دعاة السلام ووقف الاقتتال من أجل ايجاد حل سلمي للأزمة السورية، لكن المشكلة لا تكمن هنا بقدر ما تكون في الأطراف التي تصدق هذا التحول وأنها ما زالت مرتمية في احضان تركيا علَّها تحصل على شيء من منافعها الشخصية، وكم هي كثيرة هذه الأطراف التي باعت الثورة السورية وجعلتها لعبة في أيدي الكبار وهم ما زالوا صغارًا وسيبقون كذلك حتى يتخلصوا من تبعيتهم للغير.[1]