#شنكال# الأنفال
مصطفى بالي
شنكال التي تخفي التاريخ في قماطها الأول، عسى ولعل، تنقذه من الغربان المهاجمة منذ ألف ونصفها من السنوات، ما زالت تئن تحت وطأة سنابك الخيل وجحافلها، وما زالت عذاراها تساق إلى الأسواق في محراب مقدسات غزواتهم، تجلجل الأصفاد في أرجلهن، إنها العار المزمن الذي يؤلم الذاكرة ما أشرقت شمس وأظلم ليل.
الغزو هو الغزو، والأنفال، هي التي تمول الغزو، (فهربهم قد جعل أموال غيرهم ونسائهم غنيمة لفرسان هيكله، وسدنة عرشه)، ذلك أن الأنفال (ويسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول)، وعلى ذلك فالمسلسل طويل، ما بدأه عياض بن غنم، يكمله أبو بكر البغدادي، وما فشل فيه الأخير يكمله أبو منصور البرزاني، لا ضير، فشنكال قادرة على أن تمنح كل المجرمين (حسنات في سجلات قيامتهم).
غزوة الثالث من آب التي ساقت آلاف الإيزيديات سبايا أمام الأعين العوراء لبعض الكرد، دون أن يرف لهم جفن، أو يخفضوا الرأس خجلاً وعاراً لما اقترفت أيديهم، في تسليم شنكال للمجرمين، لم تُؤتِ أُكُلَها، فخاب الظن، وطاش الحجر، وراح الغزاة وأخوتهم يضربون الأخماس بالأسداس، (هذه شنكال التي ظلت على الدوام شوكة في حلق الغزاة، أبيد كل شيء كما يذوب الجسد في الأسيد، لكن شنكال بقيت عصية على الذوبان أمام جحافل الغزو).
غزوة الثالث من آذار التي يقودها أبو منصور البرزاني، هي استكمال لما فشلت فيه الأولى، وهي نفسها عقلية الإبادة العرقية والأثنية والثقافية، التي نضجت في دهاليز آل طوران وتلقفتها دويلات الأتراك المتعاقبة من نسل الذئاب الرمادية وطوروها على شكل طرق صوفية، وكتائب وألوية، كان آخرها الألوية الحميدية التي أبادت الأرمن والسريان والكثير من القوميات داخل الدولة العثمانية، لكنها لم تستطع إكمال مهمة الإبادة لتفكك الدولة وقيام الحرب العالمية الأولى، لكن المخطط لم يلغَ، إنما وضع في الأدراج، واستكمل العمل عليه في الظلام ودون ضجيج، وتم الإبقاء على أدواته الدموية ريثما تحين الفرصة لاستكمال شلال الدم بحق الشعوب والأقليات القومية والدينية.
ببساطة واختصار، حملات الإبادة بدأت عرقية/دينية في البداية، فكان الضحايا كل ما هو غير تركي وغير مسلم، والآن ما زالت تستكمل لكنها تبيد معها المسلم غير التركي أيضاً، والكرد بكل طوائفهم ومعتقداتهم هم الهدف المحدد لهذه الإبادة والأنفلة، وفئة ضالة من الكرد هم الأدوات، ما فشلت فيه داعش الملتحية، المتسلحة بنصوص مقدسة، وبالسيف والساطور، سيكمله داعشي آخر غير ملتحٍ، وبكوفية وزي كردي مبين، وبلغة قومية مغشية للبصر والبصيرة لدرجة توهمك بأنه الخادم الأمين للكرد، (ربَّ ضارةٍ نافعة، فهذا الداعشيُّ الكرديّ، هي وثيقةٌ لأخوةِ العربِ ضد كل قومجي يريد أن يلصق الداعشية بهم، وهي صكُّ براءتهم من داعش مثلما الكرد بريئون مما تعرضت له شنكال من غدرٍ وخيانة).
في شنكال قالت لي إحداهن، بشعورٍ محايدٍ، جافٍ، خالِ التوتر، الانفعال: لقد كانت بعض نسائنا محظوظات، استطعن الوصول إلى الجروف الصخرية العالية، ورمين أنفسهن، ليرقدن بهدوء في حضن الموت، بينما كانت الأخريات منحوسات، ولتكن السهول قادرة على إيصالهن لكف الموت فسقطن سبايا بيد داعشي ملتحٍ في بازار داعشي بهيئة بيشمركة.
من يستطيع إقناع تلك السيدات الحزينات، بأن يثقن مرةً أخرى بالآخرين هو فقط من يستطيع أن يبقى في شنكال، ما عدا ذلك فإن شنكال ستلفظ كل من يريد بها سوءاً، كما يلفظ الجسد السليم فضلاته، وللعلم فقط، فإن الشنكاليين لا يثقون إلا بقواتهم التي يشعرون بأنها لهم لأول مرة في التاريخ، فلنكن جميعاً دعماً لقوات شنكال لأجل شنكال فقط.[1]