هل تستوعب تركيا منهج الحركة الكوردية ؟
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 4665 - #18-12-2014# - 10:42
المحور: القضية الكردية
يمكننا ان نقول ان تركيا لم تقيٌم المرحلة الجديدة للمنطقة بشكل دقيق و علمي، و هي تنظر الى ما موجود و ما يجري في هذه الدائرة الخطرة و الفوضوية من منظورها الايديولوجي الجديد، عبر توجهات حزب اسلامي سياسي في دولة كانت حتى الامس تتشدق بالعلمانية و المدنية، و لها تاريخ في هذا المنحى تبنت عليه اجيالها، الا اننا يمكننا القول بانها تسير وفق ما يؤمن به حزب العدالة و التنمية الاسلامية التركية بقيادة اردوغان و طموحاته الشخصية و هو يغفل ما هي مصلحة تركيا دولة و ليس حزبا في سلطة او فردا طموحا .
ان الحزب برز في ظروف معلومة و استغل الفراغ و النقلة التي كانت تنتظر تركيا بعد مراحل متناقضة و غير مستقرة من حكم و سلطة اسلامية لاحزاب اسلامية سبقته و اثر عليهم الجيش و الدولة وهي تعيش في مرحلة انتقالية قلقة مهزوزة، الى ان انبثق منهم من استفاد من اخطائهم و تمكن من السيطرة على زمام السلطة و التقدم تدريجيا و ازاح امامه كل من اعتقد بانه سيكون عائقا له مستقبلا، و وصلت به الحال الى استغلال السلطة التنفيذية لطرد المنافسين و التغيير و الالتفاف و استغلال الظروف الاجتماعية الاقتصادية و الدخول في معمعة محاربة رؤس الجيش الذي كان مسيطرا لمراحل زمنية طويلة من عمر الجمهورية التركية، و دخل بالذي يمكن ان يوصف ببداية الدكتاتورية الاسلامية و اعادة امجاد السلطنات العثمانية بعد ياس من الانتظار الطويل لدخول الاتحاد الاوربي .
تغيرت الكثير من المعادلات، و اصبحت تركيا الى حدما بعيدة عن امريكا و فقدت مكانتها و دلالها التي سارت عليه طوال عقود، نتيجة التغيير في توجه تركيا من جهة، و اخطائها الاستراتيجية المتكررة من جهة اخرى، ناهيك عن بروز دور اطراف اخرى في المنطقة كالتنظيمات والاحزاب الكوردية بشكل جلي و هو فرض نفسه في خضم التغييرات التي شهدته المنطقة و مسار السياسة فيها . و هذا ما ادى الى انكسار الجمود للحركة الكوردية في تركيا . كما تغير دور تركيا بعد انحيازها الكامل لحركة الاخوان و ما ارادت ان تقودها بعد ثورات الربيع العربي و فشلت فيها ايضا مما ابعد عنها العديد من اصدقائها كالسعودية و مصر و بعض دول الخليج الاخرى، اضافة على صراعها الدائم مع ايران و استغلال ايران لهذا الموقف لمصلحتها الاستراتيجية في المنطقة، مما حدا بها الى تمديد نفوذها غربا في المناطق الحساسة، و ابعدت به نفوذ تركيا او تاثيراتها على المعادلات السياسية المتفاعلة في المنطقة .
رغم جنوح تركيا النظري الى السلام مع الحركة الكوردية الا انها لا تزال تراوغ و تتحفظ عن خطوات كان لابد ان تخطوها في هذا الاتجاه، و هي تفكر عسى و لعل ان تتملص اكثر و تطيل من الزمن المفترض للحلول النهائية، و هي لم تجر اي اصلاح في هذا الشان بل لم تنفذ ما اخذت تتعهد به لن تطبقه بعدما دخلت عملية السلام مع الكورد . فبسلوكها هذا وضعت نفسها في مواجهة العديد من الاطراف الخارجية من امريكا و حلفائها في المنطقة، اضافة الى ما لديها من المواجهات الداخلية من الثورة الكوردية و الاحزاب اليسارية و القوميين . و بتصرفاتها هذه ابعد عن نفسها اصدقاء الامس، و في المقابل قرب هؤلاء من الحركة الكوردية و مناصرين لها .
فان كانت تركيا تفكر بانها تهدف الى احتواء الحركة الكوردية فقط من خلال كسب الوقت دون ان تكون لديها نية صادقة للحلول الجذرية، فانها تعود بالضرر الى نفسها و ستبقي حالها معلقة و غير مستقرة و هي تبتعد يوميا عن حلفائها و تخسر من المقربين قبل البعيدين . فان الوضع التركي يحتاج الى حلول جذرية وليس صورية كما تفعل تركيا لحد اليوم و ما تهدف الى قضاء وقت اطول دون الاهتمام باصل الموضوع .
فبابتعاد تركيا عن مجموعة من الدول التي كانت حليفة لها حتى الامس و اصطفاف تك الدول مع الحركة الكوردية في المقابل سيجعل الانقسامات بين اصدقاء تركيا و الحركة الكوردية بقيادة الحزب العمال الكوردستاني على طرفي نقيض، و هذا ما يجعل موقف الكوردستاني اقوى و هو يكسب ما لصالحه طالما تحركت تركيا بهذا الشكل و التوجه . و ستكون الاطالة و التماطل لمصلحة الكوردستاني و من اصطف معه على النقيض مع تركيا و اصدقاءها القليلين . و الجميع على يقين بان الدول لن تعيد ما اقدمت عليه طوال القرن من تخاذل للكورد، و سوف يتمكن الكورد من تحقيق ما لم يحققه في العقود الماضية رغم تقديمهم للتضحيات الكبرى، و عليه لا تتمكن تركيا من احتواء الكورد كما فعلت منذ عقود، و هي تعلم بذلك و لكنها تعاند كي تلقى فرصة لعل تتوفر لها من حدوث تخلخل ما من خلال مجرى الاحداث في المنطقة، و لكن المضاربة و تفاعل المعادلات السياسية في المنطقة لا تحمل اي شكل من هذا، لذا لم يبق امام تركيا الا الرضوخ للامر الواقع و الاتفاق مع الكورد على المدى البعيد.[1]