داعش في خدمة صراع الحضارات
الحوار المتمدن-العدد: 4607 - #18-10-2014# - 11:36
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
كلنا على علم بان الغرب يصر على ان الصراع هو اساس التعامل بين الشعوب، و باعتقاده لا وجود للحوار بين الحضارات و انما هناك صراعا حد القضاء على الاخر، و يستخدم الغرب كافة الوسائل لفرض افكاره و منها بيان اصحية نظرته من خلال الصراع بين المفهومين الصراع و الحوار ذاتهما في النظريات و الافكار التي يطرحها في سياق ادارته للعالم في المرحلة الحالية . و لاثبات ما يدعيه، يفعل ما يشاء على الارض و ان كان على حساب القيم و المباديء التي يدعيها و منها حقوق الانسان و التعايش السلمي و حرية التعبير و الفردية في العيش . اي يمكن تكتيكيا ان يناقض ذاته في سبيل بناء صرح كامل في النهاية لما يدعيه و يفرضه من المفاهيم التي يعمل بكل جهده و امكانياته لتطبيقه على العالم باسره، و ان تناقضت مع الواقع و التاريخ الموجود في بقاع العالم المختلفة .
بعد النظام العالمي الجديد و الشرق الاوسط الجديد و الهالة الكبرى التي فعلوها من كتاب صراع الحضارات لهانتغتون و ادعوه قران العصر، بدئوا في توصيل الفكرة كيفما كانت سواء بشكل غير مباشر من خلال عدة قنوات ثقافية وصحافية و اكاديمية او بتطبيق ما يمكن ان يوصل الى الفكر المطروح من خلال افتعال ما يفرض الصراع و يبعد الحوار بين الحضارات من اجل فرض الحضارة الغربية ذاتها بشكل مطلق و ازاحة ما يمكن ان تدعيه اية جهة من الحضارة الراسخة لديها و التي لا يمكن مسحها على الارض، و تعتقد انها اي هذه الحضارة قد تنسجم مع الحداثة و المستجدات على الارض و يمكن التنسيق و التمازج بين ايجابياتها و تتعامل مع الاخرى و يمكن ان تختلط بها من خلال حوار جدي بناء بينهم جميعا، و بالاخص بين الحضارة الاسلامية و الغربية التي اصبحتها هما البارزتان لانهما يتناقضان مع بعضهما اكثر من الاخريات في اكثر من مكان .
على الرغم من انه يمكن القول من الواجب ان يتقدم الفكر على السياسة في الصراع الذي يبذل الغرب جهده على فرضه كمفهوم حديث لابعاد الحوار الذي يدعيه الشرق الاسلامي، فان السياسة و الصراع السياسي هما المسيطران على مسيرة العالم في المرحلة الحالية، و نرى على الارض من الامور التي تدخل في خانة الصراع السياسي اكثر من الفكري، اي حسب اعتقاد الكثيرين ان الغرب اقتنع مع ذاته بانه يمكنه بالسياسة مصارعة الحضارة الاخرى و بالسياسة ايضا يمكن ان يفرض الصراع الحضاري ليبعد الحوار الحضاري و يصر على المنتصر و الخسران في صراعه لاستئصال ما يعرقله في تطبيق ما يريد على العالم اجمع . بكلام اخر يمكن ان نقول، ان السياسة هي التي احتلت مكان الفكر، و كان هذا نابع اصلا من مضمون فكر و هو (فكراحلال السياسة بديلا للفكر) في الصراع القائم الذي افتعله الغرب قبل غيره، لذلك نرى السياسة هي التي تقدمت على الفكر او لغته اصلا خدمة للصراع الذي يدعيه الغرب اكثر من غيره، و به تشتت الجهود المبذولة للتقارب و اعتلت لغة الحروب و فرضت الحروب ذاتها من اجل فرض الصراع الحضاري بديلا عن الحوار الحضاري استنادا على صراع المصالح اصلا .
كلنا على العلم ايضا، ان التطرف و التشتت و الاحتراب و الصراعات الدموية و الافتراق و اظهار التباينات و التناقضات و الاختلافات اكثر من التشابهات يزيح احتمال فرض الحوار نفسه و يمحي ارضية الحوار و يحوله نحو الصراع، و افتعال الازمات و الحروب وسيلة سهلة و طريق واضح و اسلوب لفر ض الصراع بديلا عن الحوار، و يمكن ان تكون مرحلتنا الحالية و ما نشهده من العنف المنتشر في كل بقاع العالم و المبالغ به و ما يديعه الغرب و يفرضه و يبالغ به و يفتعله هو بالذات من التشنجات و الاحترابات و هي مختلقة اصلا من اجل اهداف سياسية و ما ورائها من الاسس الفكرية لاحلال صراع الحضارات المعتمد من الغرب و ينفرد بفرضه على العالم كفكر فريد وحيد ليس له بديل، و يستخدمه و يتبعه الغرب كبديل مجهز لحوار الحضارات الذي يدعيه منافسوه، و عليه يمكن ان نعتقد بان الغرب يمكنه ان يختلق ابخث الطرق لفرض اعتقاداته و افكاره و مفاهيمه .
السؤال الذي يطرح نفسه الان، هل انفلاق او انبثاق داعش او فرضه بطريقة مخابراتية في هذه المنطقة بالذات هو الوسيلة او الالية العملية التي يمكنه تطبيق ما يريده الغرب و امريكا بالذات من الفكر الذي تدعيه و هو صراع الحضارات باكمل وجه . سيكشف لنا المستقبل خبايا ما يحدث اليوم، فاكثر الظن ان ما يجري و هي فرض فكر مدعاة باخبث طريقة هو مدروس جيدا من كافة النواحي، و هل سينجح الغرب في فرض غيه الذي يقع لصالحه و لمصلحته الضيقة قبل ما يهم الانسانية التي يدعيها .
و من الترقب لما يحدث نرى ان الغرب يدخل في ساحة خصمه حسبما يفكر بكل حرية وفق صراع الحضارات من الثغرة الموجودة في كيان خصمه مستغلا الوضع الهش في المنطقة، و لم يجد طريقة اسهل من التطرف و التشدد لتوجيه الناس نحو الصراع او لقطع الطريق على التقارب و التحاور، و ان كان تنظيم القاعدة وسيلته في صراعه مع الاتحاد السوفيتي لحد انهياره، ان داعش هو الوسيلة العصرية المناسبة للغرب لصراعه مع الاسلام ذاته بما وجد من الثغرة الكبيرة في كيانه .
اننا نعتقد بان التطرف و التشدد اليميني او بالاحرى الاسلامي الموجود يعيدنا قرون الى الوراء كما ان التطرف و التشدد اليساري الذي يتحلى به بعض التنظيمات اليسارية المتشددة يذهب بنا قرونا الى المستقبل، اي الطرفان اليمين و اليسار المتشدد يبعدانا عن الواقع الموجود، و هو ما يوفر الارضية الخصبة لايجاد فجوة و يستغلها الغرب في اي وقت لتنفيذ مرامه الفكري السياسي، فليس داعش ان علم بنفسه ام لا الا وسيلة رخيصة سهلة لتطبيق اهم مفهوم و فكر يدعيه الغرب وهو صراع الحضارات و يبعد به اي حوار او اي مجال للتقارب بين الحضارات، و كشف الغرب بداعش عورة الاسلام الذي سترها المعتدلون طوال القرون الماضية و عملوا على تجميل وجهه بكل الطرق و الوسائل التي لائمت عصرهم .[1]