عنوان الكتاب: المناهج التعليمية في عفرين: بين “التتريك” والتضييق على اللغة الكردية
مؤسسة النشر: سوريون من أجل الحقيقة والعدالة
تأريخ الإصدار: 2023
لم تشهد سوريا المعاصرة منذ نشأتها أي اعتراف رسمي باللغة الكردية، وظلت ممنوعة من التداول الرسمي وحتى الشعبي أحياناً، ومُنع افتتاح معاهد أو مراكز لتدريسها. كما لوحق واعتقل من حاول تعليمها للأهالي أو أصدر منشورات بها. جاء الاستثناء الوحيد في فترة الانتداب الفرنسي (1920- 1946) إذ سمحت السلطات الفرنسية لمثقفين أكراد بإصدار دوريات باللغة الكردية.
ومنذ جلاء القوات الفرنسية، استمرت هيمنة أفكار القومية العربية ومضت قدماً في مشاريع صهر المختلفين قومياً عبر دساتير اعتمدت لاحقاً إبان فترة الانقلابات العسكرية وأيضاً في عهد الوحدة مع مصر.
برزت ممارسات “الإدماج القسري” في أشدّ أوجهها بعد عام 1963، في أعقاب الانقلاب العسكري، المعروف ب” ثورة الثامن من آذار”، والذي قادته مجموعة من ضباط حزب البعث العربي الاشتراكي. لاحقاً طبعت أيديولوجية الحزب الحاكم العديد من مواد دستور عام 1973، لاسيما المادة الأولى التي اشتملت على مصطلحات “عروبية” عديدة منها “دولة اتحاد الجمهوريات العربية”، “الجمهورية العربية السورية”، ” القطر العربي السوري”، “الوطن العربي”، “الأمة العربية”.
المرة الأولى التي شهدت فيها سوريا وجود مناهج باللغة الكردية كانت بعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية في آذار/مارس 2011. و”انسحاب” الحكومة السورية من مناطق ذات غالبية أو/و كثافة كردية مثل عفرين وعين العرب/كوباني والحسكة صيف عام 2012، حيث تولى حزب الاتحاد الديمقراطي PYD السيطرة على هذه المناطق.
وفي عام 2014، أنشأ الحزب هيئة إقليمية حاكمة فيدرالية باسم (الإدارة الذاتية)، بناء على العقد الاجتماعي الذي أعلنته هذه الإدارة؛ لتصبح اللغات الرسمية في هذه المناطق، وخصوصاً في عفرين، هي الكردية والعربية والسريانية، مع ضمان حق كل مجتمعات منطقة عفرين في التعلم بلغاتها الأصلية. ثم أصدرت “الإدارة” نسخة منهاج باللغة الكردية للطلاب الكرد، إلى جانب نسخة باللغة العربية للطلبة العرب. لكنها واجهت انتقادات لاذعة إزاء بعض الأفكار التي تضمنتها المناهج، واتُهمت الإدارة بأدلجة بعض المواد وفق أفكار “حزب العمال الكردستاني PKK”.
بعد سيطرة فصائل المعارضة والجيش التركي على منطقة عفرين في عملية “غصن الزيتون” في آذار/مارس 2018، فرضت “الحكومة السورية المؤقتة” التابعة ل”الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، مناهج صادرة عن وزارة التربية في “الحكومة السورية المؤقتة”، كما خصصت “الحكومة المؤقتة” أربع حصص للغة التركية ومثلها للغة الكردية. لاحقاً، تمّ تقليص نصاب اللغة الكردية إلى حصتين فقط وأحياناً إلى حصة واحدة، وألغيت تماماً في بعض المدارس بحجة عدّم وجود كوادر لتدريسها.
في الوقت نفسه، فُرضت اللغة التركية على الكرد السوريين/ات والنازحين/ات السوريين العرب الوافدين إلى المنطقة من مناطق سورية أخرى، وبدأ الحديث في كتب اللغة التركية عن رموز وشخصيات قومية تركية وأخرى دينية غريبة عن البيئة المجتمعية السوريّة.
وكان من اللافت أيضاً، افتتاح سلطات الاحتلال التركية “كلية التربية” في مركز مدينة عفرين، أُتبعت ب”جامعة غازي عنتاب” التركية بمرسوم رئاسي تركي وقّعه الرئيس رجب طيب أردوغان، وفقاً للمادة 30 الإضافية من قانون تنظيم مؤسسات التعليم العالي رقم 2809، والمادة 39 الإضافية من قانون التعليم العالي رقم 2547.[1] إلا أن كلية التربية لم تفتتح قسماً للأدب الكردي كي ترفد المدارس بأساتذة أكاديميين.
حالياً، تعدّ الكردية لغة ثانوية في المناهج التعليمية بعد العربية والتركية والإنجليزية من جهة عدد الحصص، ومعاملتها كمادة غير مؤثرة في المعدل العام للدرجات، بسبب عدّها لغة اختيارية في امتحانات الشهادتين الإعدادية والثانوية. والمفارقة المثيرة هي تفوق اللغة التركية (داخل أراضي الدولة السورية) وتقدمها من حيث الأهمية وعدد الحصص ونوعية المدرسين، فضلاً عن المكانة العلمية وأهميتها في التحصيل العلمي، على الكردية لغة السكان الأصليين.
إنّ سياسة تهميش اللغة الكردية في عفرين، ولّدت لدى المجتمع المحلّي الكردي الشعور بالظلم نتيجة حرمانهم من لغتهم الأم، وأعاد إلى أذهانهم عقوداً من التمييز، عدا عن مواجهة الطلبة الكرد حالياً تمييزاً بحقهم نتيجة استخدامهم اللغة الكردية في أحاديثهم الشخصية اليومية بين بعضهم، وقد مورس هذا التمييز عليهم من قبل كوادر المعلمين وأبناء المجتمع الضيف على السواء.[1]