من آمن بالاستقلال و عمل بالفدرالية
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 4590 - #01-10-2014# - 08:33
المحور: القضية الكردية
و نحن نعيش في مرحلة صعبة جدا بعد عقود من الحكم المفروض على الشعب العراقي بجميع مكوناته بالحديد و النار، و عند عدم ادراك الواقع و المراد من الخطوات الصحيحة وبعيدا عن السير على المزاجات قبل التحرروبعده، و كما حصل في زمن اعتى دكتاتورية و زمن السلطة السابقة ايضا، فسار الحكم في اجواء معقدة، وان لم تقرا خصائص المكونات و المستجدات و المتغيرات بعقول متفتحة و ما تتطلبه المرحلة الجديدة، فيدخل ذلك العراق في معمعات الاحتراب الداخلي و النعرات المتعددة الاوجه، و تبان الخلافات و يظهر لنا ما هو عليه الشعب العراقي من العقلية و المستوى الثقافي و الاجتماعي العام الذي يفرز من السلبيات التي تعقد الامور اكثر وحينئذ لا يمكن حل العقد بشكل مرضي للجميع، اضافة الى ما هو عليه العراق وهو يعاني من التعقيدات الاقليمية مع ما اثقلت كاهله من تراكمات التاريخ المرير من عدم الاستقرار و السذاجة في الفكر و الحكم و ما افرز من اخطاء الحكومات المتعاقبة عبر الحقبات الماضية، الم يحتاج بلد كهذا لعقل نير و قدرة فائقة .
وصلنا الى مرحلة لم يعد العراق كما كان و تغير بشكل نسبي واضح، و اليوم يحتاج لعقل معتدل منفتح و خبرة و قدرة و امكانية عقلية و فكرية و ادارية عالية لاعادة النصاب و تصحيح المسار من كافة النواحي و في مقدمتها من الناحية السياسية، بعد دخول قوى ارهابية وحشية و قلبت الموازين و نقلت العراق الى مرحلة لا تشبه سابقتها الا بقليل . تغيرت الاولويات و حصلت انشقاقات كبيرة و ابتعدت المكونات عن بعضها، و اصبحت منقسمة على بعضها واقعيا، و لا يمكن انكار ما ينشد اليه كل مكون و ما له من اهداف تختلف ان لم نقل كليا نسبيا عن المكون الاخر .
لقد وضح السيد جلال الطالباني في كتابه القيم ( أغد و ديقراطي و حرمان شعب حتى من حق الحلم) ماهو الحق في طلب الكورد لحق تقرير المصير و استناده على الحجج و الادلة على ما كانت عليه المنطقة و كيف غبن هذا المكون و كيف تاسست الدولة العراقية و نُصب عليه الملك فيصل الاول عميلا للاستعمار البريطاني و كيف حورب الكورد و انكر الاستعمار البريطاني مطالباته و الحق كوردستان بقوة السلاح بالعراق لمصالح استعمارية، و بدات المآسي منذ حينه و سفكت الدماء التي راحت ضحايى جسام جراء تلك الاجحافات بحق الكورد الابرياء، والامر من ذلك اوتي بعميل مطرود من سوريا لنصبه على العراق المتعدد المكونات و ليس من صلب احد مكوناته .
فيسال السيد الطالباني حول العراق و تقرير مصيره ، يقول: هل كان العراق الحالي موجودا اصلا ام افتعله الاستعمار البريطاني؟ ام ، هل قمع الاستعمار البريطاني و بقوة السلاح، بالحديد و النار الحركة القومية الكوردية الساعية الى اقامة الدولة الكوردية ؟ و يتطرق الطالباني الى العراق العربي و العراق العجمي و ان العراق العربي لم يشمل قط كوردستان الجنوبية التي سكنها الشعب الكوردي منذ الالاف و الالاف من السنين و ان حدود العراق العربي لم تتجاوز قط خط ( تكريت- عانة ) ابدا . و يبين بالتفصيل ما كان عليه العراق و مكوناته و اين وصل الان و ياتى بالشرح المسهب بما يستحقه الشعب الكوردي نتيجة غدر الزمان به و ما قدمه من التضحيات التي لا تقدر بثمن و يستحق حق تقرير مصيره .
بعد كل تلك الحقيقة البائنة وكما قالها الكثيرون من المنصفين للحقوق الكوردية المهضومة ايضا، بعد تحرير العراق توافق مع المكونات الاخرى على الدستور الذي يتخذ الفدرالية مسندا و نظاما يعتمده العراق في هذا العصر نظرا للظروف المستجدة و ما يتطلبه الواقع في هذه المرحلة من التنازلات المتبادلة من اجل مصالح الشعب العراقي، و هذا لا يعني التنازل عن الحقوق المكفولة في الوثائق و القوانين العالمية المتبعة في العالم، و لكن لم تاخذ السلطة العراقية هذا بنظر الاعتبار و تصرفت من موقع القوة سواء كانت نتيجة سذاجتها و عدم معرفتها لتسيير امور السلطة ام استنادها على العقائد و الافكار الضيقة الافق التي لا يمكن انصاف الجميع بها .
فان كانت الخلافات بين المكونين الاخرين مستندة على المذهب و الدين فلهم الحق ايضا في اقرار مصيرهم حسبما يكفله القانون ان ارادت الاكثرية لكل مكون ذلك مهما كان عرقهم، و باي نظام يتخذونه ركيزة لحكمهم فلهم الحق في اقراره بالية ديموقراطية و اليوم مرر الشعب العراقي الفدرالية كنظام و للجميع الحق التمتع بايجابياتها. اليوم و نحن نعيش في حال يمكن ان نقول ان التعقيدات وصلت الى حال لها التاثير المباشرعلى الوضع الاجتماعي، و لا يمكن اخفائها او انكارها، و لا يمكن ان تعود المياه الى مجاريها كما فرضت من قبل بقوة السلاح و الخوف و الرعب و لم يكن الاستقرار و التعايش نابعا من قناعة المكونات كافة بعدالة الحكم ابدا .
فاهون الطرق و الاختيار كما اثبت في الفدرالية الحقيقية و لم تتحقق هذه الا بعقول متفهمة للحقوق و ما يستحق الاخر وبالتوافق على الوسطية في الحلول الممكنة، و لا يمكن حل المشاكل باتخاذ الاكثرية و الاقلية ابدا بعد هذا اي اعادة بناء العراق على اساس التوافق و امرار الدستور بعد سقوط الدكتاتورية .
فلابد للحاكم الذي يعتلي كرسي السلطة ان يرى العراق الجديد من هذا المنظور لكي لا يكرر اخطاء اسلافه ولا يعيد المآسي . لا يتمكن من الخروج من الوحل لو لم يفقه الحاكم ما هو العراق عليه و كيف انبثقت الدولة العراقية و الحق المغبون للمكونات و الخطوات السياسية التي اتخذت باجتهادات شخصية، و يجب ان يسير بعيدا عن التفرد الذي لا يمكن ان يدوم مهما بلغت قوته و من كان خلفه داخليا و اقليميا و عالميا و التاريخ شاهد على هذا الكلام .
و على السلطة الجديدة ان يعتبر من السيد جلال الطالباني و ما آمن به في قرارة نفسه، و لكنه تعامل مع العراق وفق ما تقتضيه ظروف العراق المرحلية الجديدة و ما يتطلبه مستقبله و هو العليم اساسا بمن تضرر تاريخيا المكون الذي ينتمي اليه، وكيف و على ايدي من و لمصلحة من تاسس الكيان العراقي الحالي، و كما هو المعلوم عنه له باع طويل في السياسة اكثر من غيره بكثير و له الخبرة و المعرفة التامة بتجارب العالم و كيف حققوا مصيرهم منذ انفصال نرويج عن السويد وتجارب ايرلندا و حتى انبثاق تيمور الشرقية و الكوسوفو و الجنوب سودان و بوسنا و ما يحصل من الاستفتاءات و ما هي ضرورات و مبررات حق تقرير المصير للشعوب المظلومة . و هو اعلم بكيفية الحاق كوردستان بالعراق غبنا و لمصلحة استعمارية ليس الا، و لكنه اعتقد و اقتنع بان الفدرالية هي الحل للمرحلة و دافع عنها .
اليوم و نحن نلمس ثلاث مكونات اساسية في العراق ان لم ننكر و نضع راسنا في الرمل كالنعامة، وهم يختلفون جوهريا عن البعض، فمن الواجب قراءة الواقع الموجود بحقيقته و ليس نظريا و لا بتمنيات و لا من مصدر قوة لمكون على حساب الاخر . فلابد من تحقيق الهدف وهو التعايش السلمي وفق ما ترتضي به هذه المكونات لان الديموقراطية و الحرية توفر للجميع اتخاذ اي موقف او قرار يكفل مصلحتهم مهما كانت النتائج .
و من هذا المنطلق يجب ان نقول للسيد العبادي الذي بدا مشواره بخطوات يمكن التفاؤل بها، عليه ان لا ينظر الى المشاكل من خلفية الاكثرية والاقلية و لا من موقع القوة و الضعف و لا من منطلق المكون الحاكم و المكون المحكوم كما حدث من قبل، فلابد ان يقر في قرارة نفسه ما هو الحق بما فيه حق تقرير المصير للشعب الكوردي او لغيره من المكونات و يجب ان يتصرف انطلاقا من التوافق الذي ارتضى به ساستهم و يعتبره الشعب الكوردي تنازلا عن حقوقهم التي ناضلوا و ضحوا من اجله كثيرا، و به يمكن ان يستفاد من التجارب و يعتبر من التاريخ و يبحث عن السبب الرئيسي في عدم تجسيد الامن و الاستقرار طوال العقود الماضية و ما حل بالعراق جراء تعنته و عدم ادراك حكامه باصل المسالة و المسببات لحد اليوم . الفدرالية الحقيقية التي اتفقت عليها جميع المكونات لما تلائم هذه المرحلة لا يمكن ان تترسخ دون تفاهم و توافق الجميع على تفصيلاتها ويجب اتخاذها دليلا و مسندا من منطلق فهم التاريخ و ما يفرضه، و ليس بشكلها المجرد الحسابي فقط، و من منظور ان الشعب الكوردي او اي مكون اخر في العراق يستحق الاستقلال و ارتضى بالفدرالية طريقا له في التعامل مع المركز لاي سبب او ظرف كان، سواء فرضته الظروف الموضوعية او الذاتية، فيقدم بالعراق خطوة الى الامام.[1]