#بشار العيسى#
السيد الرئيس
هذه رسالة من مواطن سوري عارض سياسيا نظام حكم والدكم طيلة عهده، وهو على موقفه في عهدكم، ويعتبر الآلية التي بها أتيتم إلى السلطة غير شرعية، وهذا لا يمنعه عن التوجه إليكم برسالته لان مصلحة الوطن تتجاوز أنانية الأفراد وهي السياسة/ التحاور مع الخصم بالقناعات التي تختلف من زوايا النظر وهو أضعف الإيمان.
إن الاحتلال الانكلو-أمريكي للعراق في ظل مناخات 11-09-2001 أدخل العالم العربي في ضرورة مراجعة حسابات الحقل والبيدر خارج موازين الوهم والخيال والأمنيات الضالة، ولا يخفى على من كان في موقعكم دقة وحساسية المرحلة التي يمر بها الشرق الأوسط ووطننا سورية منه خاصة.
فالإدارة الأمريكية الحالية متسلحة بعقيدة التعصب الديني المغالية في التطرف الأقرب إلى صليبية القرون الوسطى، ماضية في خدمة مصالح إسرائيل الكبرى بذريعة الحرب الوقائية ضد الإرهاب العربي الإسلامي تارة، وإشاعة الديمقراطية – التي غابت طويلا عن الشرق العربي الإسلامي – تارة أخرى، خاصة وانتم تعلمون جيدا ما آلت إليه أوضاع العرب وحكوماتهم من ترد وارتهان للمصالح الإسرائيلية بالرعاية الأمريكية، زاد من تفاقمهما التقادم واتساع الهوة التي تفصل الحكام العرب عن شعوبهم وانغماسهم غير المستور مع بطانتهم في الفساد ونهب موارد بلادهم وأرزاق شعوبها وإيداعها البنوك الغربية والأمريكية جعل منهم ومن محيطهم الحاكم رهائن لدى مالكي البنوك ومديري صندوق النقد الدولي وسادة القوة الأعظم هذا فضلا عن مرض بل أمراض الاستبداد.
السيد الرئيس لا يحتاج المرء إلى الكثير من النباهة ليكتشف أن ما يحضر لسورية الوطن والشعب والتاريخ – بمعزل عن نظامه السياسي _ ليس بأقل مما أنجز في العراق وما ينجز في الأراضي الفلسطينية المحتلة بالرغم من التنازلات التي أقدمت وتقدم عليه قيادته السياسية كل مطلع فجر.
إن أعداء وطننا يدركون حجم الهوة التي تفصل نظامكم الحاكم عن شعبنا ومصالحه، ويعرفون جيدا مدى الفساد الذي تورطت به النخبة الحاكمة، والكم الهائل من غياب الديمقراطية عن حياة أجيال سورية في ظل الأحكام العرفية وجرائم قوانين الطوارئ – وصمة العار الاستبدادية- إذ أن إطلالة من قصركم وإلقاء نظرة واحدة إلى ما كان يسمى بالغوطة الغناء سابقا، ورؤية حزام الفقر الذي يزنر دمشق وضواحيها وضواحي ضواحيها لهي ابلغ برهان عن عالمين واحد للسادة وآخر للشعب. ويكفي أن تعلموا أيها السيد الرئيس أن ابسط معاملة أو استخراج وثيقة في أية دائرة من دوائر دولتكم لها تسعيرة علنية للرشوة/الخوة (واللي ما بيعجبو يبلط البحر)، واسألوا رئيس وزرائكم لأنه بذلك أدرى، لتدركوا حجم الدمار الحاصل في البيئة وفي الناس وفي تدهور التعليم وانحراف السلوك ومتاهات حكم الحزب الواحد وتسلط أخطبوط الأجهزة الأمنية في كل مدينة وقرية وحي وزقاق على رقاب الناس وفي آذانهم وحلوقهم، تشاركهم أرزاقهم وتلغي أحلامهم وتتفنن في رعبهم. إن أعداء وطننا يدركون هشاشة نظامنا (اقصد نظامكم) وضعف مناعته الوطنية التي لا تحسب بعدد التماثيل المنصوبة في الساحات العامة ولا بعدد الصور - يتلطى خلفها المنافقون- التي تسد مجال الرؤية للحاكم والمحكوم معا، لأن دبابة أمريكية واحدة قادرة على إنزال التماثيل من علوها الوهمي.
السيد الرئيس، من خلال الآلية التي أتيتم بها إلى سدة الرئاسة، تعرفون أن وطننا يفتقد مقومات الدولة العصرية في حدودها الدنيا لأنها ببساطة تفتقد أبسط أشكال تنظيم الدول ( إدارات عصرية وان ظالمة، نظم معلومة للبشر وقوانين واضحة لا يخجل منها القائمون على تنفيذها ولا تكون بابا للتسلط والمرور من خلالها إلى قنونة الفساد والرشوة بالتحايل عليها، ومؤسسات منضبة قائمة بخدمة الدولة: السلطة والشعب، وجيش وطني، مؤسسة عالية الكفاءة المسلكية والجاهزية الميدانية، يخدم البلاد ومصالح الدولة وهيبتها، بحجم تضحيات أبناء الوطن المجندين فيه، لا مرتع للأثرياء والمحسوبية بأسوأ أشكالهما، ومجتمع مدني يتوفر له حد أدنى من الأمان في التعبير عن وجوده المستقل عن السلطة، وحضور دولي يعتمد الوجه الحضاري للبلد العظيم سورية، لا الصيغ المرادفة للديكتاتورية واللاشرعية ولكوبا وكوريا وغيرهما من كيانات الفساد التي يستدل عليها من أسماء حاكميها).
إن الدولة عندنا اختزلت إلى حضور فاحش القوة للسلطة الحاكمة في مواجهة الناس كممثل لمصالح قلة لا يعنيها من الوطن سوى مصالحها الخاصة في وجه كل أشكال التنمية، ولأنها قلة ومنذ أن دخلت في فلك النظام فقدت علاقتها بالوطن من حيث هو ملك للجميع، وبالمجتمع من حيث هو الإطار ألاقى للجماعات المكونة للامة تربطها مصالح مشتركة وتنظم علاقاتها قوانين عصرية وتزخر صفوفها بقوى حية فاعلة لهم من الحقوق بقدر ما عليهم من الواجبات يعيشون معا ويتصارعون في ظل الاختلاف على ما هو الأفضل لمصلحة الأجيال القادمة.
السيد الرئيس، سورية اليوم كيان لسلطة غيبت الدولة لصالح الفئة التي تعتاش بالنفاق في حب الحاكم وتأليهه، وهو عن ذلك غير غافل لان ذلك من أولويات قوانين سيادة الاستبداد، وفي سورية اليوم فئة أثرت بالاشتراكية التي أنتجت الرأسمالية من خلال الإبداع في الفساد بالقفز إلى جنة احتكار الدولة لرخص الاستيراد والتصدير والشراكة مع المتنفذين من أهل الحل والعقد من أخطبوط السلطة المتماهية في القوانين الاستثنائية التي ألغت السياسية عن المجتمع كما غيبت المجتمع عن محاسبة الحاكم فجعلت من السياسة طقسا لإدارة الاقتصاد بالنهب وللاستمرار بالحكم بدلا من أن تكون بابا للاجتهاد في إدارة مصالح الأمة لخير الأمة ومستقبل الوطن، حينما ناب عن الأمة قائدها وعن الشعب حزبه القائد فأصبح حق الحياة هبة من القائد والمصائب من مؤامرات الإمبريالية وأعوانها ممن لم يتلوث في مستنقع السلطة من شرفاء البلد من المعارضين ومن النخب الثقافية المتنورة العقول والنفوس.
سورية الأمس واليوم جعلت من حقيقة الصراع مع الكيان الصهيوني حيلة للالتفاف على حقوق المواطنين والقوى السياسية والاجتماعية بالحجر عليها بدل الاستناد إليها فاصبح المجهود الحربي حجة لتغييب التنمية وتعمية للنهب والفساد والانكفاء عن التحرير، ومن التوازن الاستراتيجي سلما لذوي الحظوة لصفقات مالية تشمل السلاح وغيره، مما يستهوي الأبناء ويسيل له لعاب الآباء، ومن السلام العادل والشامل ملهاة استرضاء للبقاء في دائرة الانتفاع من سقط المنافع الإقليمية العربي العائلي المشمول بالرعاية الأمريكية الذي ما أن يتداعى جزء منه إلا وانهد معه الآخرون بالحمى والفزع، والذي بلغ ذروته في صفقة الاستفراد بلبنان مقابل الاشتراك في حلف حفر الباطن 1990/1991.
لقد تغير العالم منذ اليوم الذي اخذ والدكم السلطة بالقوة من رفاقه بالبعث، وبعد أن غدا العالم أحادي القطب، أصبحت الشعارات لا تستر عورة، سواء كان الأمر متعلقا بالاشتراكية أم بالوحدة القومية، ورويدا رويدا لم تعد دمشق قلب العروبة النابض وعليها أن تسدد فواتير احمد جبريل وكارلوس وأبو نضال وجورج حبش وحزب الله والصداقة مع إيران، وأخيرا أنبوب النفط العراقي من حسابها الخاص ومن كرامتها القومية إن بقي للمصطلح بعد الذي حصل ويحصل في العراق.
السيد الرئيس، إن أجيالا سورية وعربية رضعت شعارات في الغلو القومي والوحدوي العربي مما فاضت به قريحة البعث عن الحق العربي المغتصب في اللواء السليب وفلسطين المحتلة والجولان المفقود، واليوم وانتم تتولون فيه بقوة هذا البعث الرئاسة القائدة ومسيرة الحزب والدولة والقيادة العليا للجيش والقوات المسلحة، فان من يرتقي كل هذه القيادات –التي لا يحسد عليها- يحمل الكثير من المسؤوليات أمام التاريخ والشعب وضميره الشخصي وفي مواجهة الأعداء الحقيقيين من غير القائلين بالديمقراطية والحريات السياسية والنقابية وحقوق الإنسان والقلة الباقية من المعارضة والنخبة المتنورة المطعمة ضد الفساد، الذين يحاولون بجهد سيزيفي أن يعيدوا وضع العربة خلف الحصان، إنها لساعة استحقاقات، الهارب منها كالمستجير من الرمضاء بالنار، والمواطن السوري الذي أرهق خلال المسرة التصحيحية باليأس حتى النخاع من السياسات التي ورثتموها وأثبتم دون لبس أنكم كسلفكم ماضون فيها ومن حولكم الطاقم الحاكم ذاته والأجهزة الأمنية نفسها والتشكيلات العسكرية عينها مما يلزم السلطة/ القمعية ولا تخدم الدولة/الوطن. وفي الوقت الذي ينتشر الجيش الأمريكي في العراق وإسرائيل في الجولان والطلبات/التهديدات –غير اللائقة في العرف الديبلوماسي- الأمريكية الصهيونية تتلى من على درجات قصركم، سواء أكان الناطق (توم لانتوس) أو (كولن باول)، في هذا الوقت تعيدون اعتقال قائد مثل (رياض الترك) وما يمثله من رمز في الوجدان الشعبي لأنه تقدم إليكم بالنصيحة المخلصة لاستشفاف الطريق الذي تحصنون به المصالحة الوطنية، وتعتقلون غيره من أهل الغيرة والنصيحة بالأحكام العرفية السيئة الصيت، كما تعاقبون أطفال الكرد –أحفاد صلاح الدين الأيوبي- لانهم طالبوا مع ذويهم بالمساواة الإنسانية مع جيرانهم من المستوطنين العرب من قرى الغمر التي استملكها نظام والدكم بما فيها أملاك الأكراد وبيوتهم في الجزيرة. كما اتهمتم مثقفي بلدكم ممن رأى، عن ضيق أفق، في عهدكم بارقة إصلاح ما، بالعمالة للأجنبي وقبض المال منه كما ادعى الجنرال مصطفى طلاس، وكفى المرء نبلا أن كان الجنرال خصمه.
السيد الرئيس، أي مستشار اخرق يشير عليكم في غير مصلحة عهدكم وعلى النقيض من مصالح بلدنا في أن لا تسمعوا صراخ هؤلاء الأطفال في حقهم بالتكلم بلغة آبائهم وامتلاك هوية بلدهم،ولمصلحة من تدفعونهم لاستجداء الدبابة الأمريكية، هذا الحق الإنساني النبيل الذي تسمو الديانات به والأعراف وهو الفيصل بين الإنسانية والبهيمية بعدما أدرتم الظهر للوعود التي وعدتموها.
لم يسجل التاريخ وضعا مماثلا للإنسان السوري، أكان السوري فردا/جماعة، مهانا يائسا مشوشا بعيدا عن الهم الوطني كما هو عليه اليوم، يطلب، ولو في الصين أو مع الشياطين، الخلاص من حكامه، لان المواطن السوري رأى وسمع كيف أن جيشه دخل لبنان لضرب الفلسطينيين بالتواطئ مع الكتائب المتواطئة مع إسرائيل وباعترافكم. ورأى المواطن ذاته كيف تصرفتم في لبنان كقوة احتلال بما يرضي أمريكا وإسرائيل، وانسحبتم سريعا ليجتاح شارون بيروت ونظامكم يفلسف للتوازن الاستراتيجي المدمر في البقاع بالملايين المهدورة من الاقتصاد السوري. ورأى المواطن كيف عدتم ثانية إلى بيروت بالتعاون مع الطوائف الإسلامية هذه المرة لتكيدوا للموارنة نكران جميلكم في (تل الزعتر) وليغرق لبنان وأحزابه الوطنية في سياسات أقل ما يقال فيها أنها في غير مصلحة لبنان وعلى النقيض من مصالح سورية. ورأى السوري ومعه اللبناني كيف حولت قواتكم العاملة في لبنان البلد إلى مزرعة خاصة بمندوبيكم الساميين واتباعهم من ذوي النفوس المريضة، وكيف حولتم حلفاءكم من اللبنانيين إلى عملاء مأجورين بالقطعة. ولقد رأى المواطن السوري ومعه العربي كيف دفعتم بمنظمة التحرير الفلسطينية بالتعاون مع إخوانكم العرب النشامى إلى مدريد بعد حفر الباطن، وكيف تركتموهم في عراء النهب الإسرائيلي، واليوم تحاولون جاهدين أن تنتظموا في صف دحلان وعباس، كما تركتم أهل الجولان – ولا زلتم -، واليوم تباركون خارطة الطريق وتستجدون لكم مكانا عليها.
وكما هو معلوم لديكم، إن أجيالا من السوريين عاشت على رعب مذابح قواتكم الخاصة في حماة، وسرايا دفاعكم في تدمر وطرابلس لبنان، وأخطبوط الاجهزة الأمنية في أقبية الشيخ حسن والقلعة وتدمر والعدوي والمزة والبرامكة وفرع فلسطين وعنجر وغيرها من أوسمة السجون. إن جيلا من السوريين تربى أمام أبواب السجون في غياب الآباء والأبناء. وفي المهاجر ولد المئات بل الآلاف من السوريين من سوريين هاربين من بطش نظامكم، واليوم تغلقون الحدود السورية في وجه السوريين الهاربين من الغزو الأمريكي للعراق، هل الوطن مزرعة خاصة للحاكمين؟ بينما الحدود مفتوحة للتهريب والمافيات الرسمية وغير الرسمية المتاجرين بالدخان والمواد السامة والمخدرات والسلاح بما فيها العوزي الإسرائيلي، وحوادث السويداء مع البدو خير دليل، وتجارة البشر وتهريبهم بالبواخر من طرابلس إلى أوروبا من الأفغان والأكراد والأفريقيين والتاميل.
السيد الرئيس، سورية اليوم تدهور التعليم فيها إلى القاع، حيث الأمية والمحسوبية والتعليم الموازي وانعدام الكفاءة وهرب الكادر المجرب من طغيان فئة الفساد التي تفانت في مهامها المخابراتية على حساب مهمتهم التربوية العلمية فغدت الجامعات والمعاهد سبل ارتزاق وسطو في زمن يأتي التضخم وارتفاع الأسعار على مداخيل العاملين في الأيام الخمسة الأولى من الشهر، هذا فضلا عن التمييز الفاضح بين أبناء الجارية وسيدتها النهابة وبين المحافظات وبين الريف والمدينة.
لقد رأى المواطن السوري والكردي منه بخاصة كيف باسم الاشتراكية حولتم أراضيهم إلى مزارع للدولة أقمتم عليها مستوطنات شبيهة بتلك التي تقيمها إسرائيل في الجولان وفي فلسطين (32 مستوطنة على امتداد 375 كم متاخما للحدود مع تركيا من كوبونة/عين عرب شرقي حلب إلى عين ديوار على دجلة، في الوقت الذي كنتم تزرعون الجزيرة بمعسكرات أكراد العراق)، وكيف ملكتم آلاف الدونمات من أراضي الكرد المصادرة في الجزيرة لشيوخ الرشوة والفساد من المؤسستين البعثية والأمنية بالمرور غير المشروع بل المفضوح خلال قوانين الإصلاح الزراعي ومخلفاته. يرى المواطن السوري كل يوم التعاون الخلاق ما بين قوانين الدولة المحتكرة وفئة الفساد من التجار والعاملين في التهريب والمتنفذين في السلطة وأبنائهم، هذا إذا استثنينا ذوي الرتب الدنيا من المحافظين والقائمين بأمر الاجهزة الأمنية وشيخهم رئيس وزرائكم القائم على رأس عمله، حتى تاريخ كتابة هذه الرسالة، بفضل تضحياته في الحسكة وحلب وكيف انه وقائد شرطته أقدما على حرق سجن الحسكة (57 ضحية) عقابا لعائلة مقابل مليون ليرة من غريمتهم مدام غزالة. هل هذا وطن للصمود والتصدي وغير الجيش الإسرائيلي، على حدودنا الشرقية جحافل المارينز؟!!
السيد الرئيس، إن التهديدات الأمريكية، مع الإصرار الإسرائيلي المتكرر عليها، تنطوي على جدية لم يصدقها صدام حسين، لا يجوز التغافل عنها بالتلطي وراء الإصبع الذي يخفي بناية، وما محاولات أجهزتكم القفز من فوق الألفاظ تارة بالضباب الذي يغلفون به الحدث اللبناني أو بتوضيحات المنظمات الفلسطينية المأجورة لكم أو ببيانات صحافتكم غير المقروءة أو استغفارات فاروق الشرع، كل هذا لن يصمد أمام المخطط الصهيوني لسورية التي افقدها سيرورة نظامكم كل مناعة ذاتية أو وطنية، وان القرار في التحكم بمصير المنطقة وشعوبها وثرواتها قد اتخذ ولم يبق سوى اللحظة التي يشرعون بها بالتنفيذ، ومن لم يمت رأى من مات.
إن الإدارة الأمريكية المتطرفة في يمينيتها المهووسة بالأوهام الدينية المتلاقية مع الصهيونية في اعتي أشكال ظلاميتها المعادية لقيم العصرية التي أراد مهندسو الكيان الإسرائيلي أن يقيموا بها خيمة لهم بين خيام البداوة العرب باعتبارها واحة ديمقراطية، ولا تفتقر هذه الإدارة إلى الحكمة التي تليق بدولة عظمى ومسؤولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وحسب وإنما يتصرف قادتها في قطيعة تامة مع ارثهم الجمهوري الديمقراطي وقيمهم الرائدة في مجال حقوق الإنسان والشعوب وحريتها، لان الدولة الأقوى في العالم تقاد اليوم من قبل حفنة (بوش، تشيني، وكونداليز رايس، رامسفيلد، وولفوفيتش، ريتشارد بيرل) التي تنتمي إلى قصص الخيال التوراتي في اكثر نسخه عدوانية وتخلفا وكرها للعرب والمسلمين.
السيد الرئيس، إن الخيارات التي أمام سورية ليست كثيرة وهي اثنان لا ثالث لهما، أولها:
1- إما الخضوع للابتزاز الإسرائيلي الأمريكي تحت مسميات دبلوماسية، على طريقة الجزرة والعصا، والرضوخ التام لمشيئة تل ابيب كما قطر ومصر والسلطة الفلسطينية واليمن وموريتانيا، لا بل ما هو مطلوب منكم أمر وادهى لان سورية ليست قطر وليست الأردن ولا البحرين، المطلوب منكم ببساطة التخلي عن الجولان أرضا وماء وسيادة وبالشروط الإسرائيلية.
2- الخروج من لبنان أو البقاء فيه بشروطهم التي تحولكم إلى شرطي حماية لإسرائيل، توكل إليه مهمة تجريد حزب الله من سلاحه وعقيدته.
3- كدلالة حسن نية، عليكم تقليص الجيش السوري إلى الحد الذي يؤهله فقط للقمع الداخلي.
4- التخلي حتى اللفظي عن الشعارات القومية، بإدخالكم حلبة المنافسة مع السلطة الفلسطينية وما آلت إليه أمور عباس ودحلان.
5- ببساطة مطلوب منكم تحويل سورية إلى محمية خليجية جديدة.
أما الخيار الثاني أيها السيد الرئيس فهو الخيار الوطني الذي قفز فوقه صدام حسين بالتلطي وراء إصبع الوهم، وهم التكهن بالمطلوب منه أمريكيا والقفز من فوق حقائق الحياة إلى وهم الخلود بالاستكانة، وهذا الخيار ليس سهلا على أي حاكم عربي أن يسير اليوم فيه لشدة ما أوغل النظام العربي العام في الافتراق معه:
1- المصالحة مع الوطن بالمصارحة مع من بقي على قيد الحياة من قوى مجتمعية لم تتلوث بالإرث الاستبدادي الذي تعيشه سورية منذ 8-03- 1963.
2- التخلي وبشجاعة عن مصيدة الحزب الواحد والقائد للمسيرة والجيش العقائدي والطلبة القطيع.
3- شطب قانون الطوارئ وإزالة الأحكام العرفية من حياة سورية باعتبارها وصمة عار شرق أوسطية بحق الإنسانية.
4- إطلاق سراح من تبقى من المعتقلين والاعتذار العلني إليهم بشخصكم الكريم والى من سبقهم والتعويض المنصف على جميع ضحايا حقوق الإنسان من سياسيين ومن الرهائن/ اللطخة السوداء في تاريخ سورية.
5- الكشف بشفافية عن الجرائم التي نفذها القائمون على شؤون الأمن في سورية ولبنان على مدى الثلاثين سنة الأخيرة، والطلب إلى الجهات الخارجية بتسليم من هرب بسجله الجرمي وأمواله المنهوبة من الناس ومن الاقتصاد الوطني ومن التهريب والرشاوى والخوات، بواسطة الانتربول الدولي، وبشكل علني يكون درسا يقطع الطريق على غيرهم.
6- تحرير الاقتصاد الوطني وإلغاء قوانين التأمين وقانون الإصلاح الزراعي وتوابعهما من مجاهيل احتكار الدولة للاقتصاد، حيث غدت وسائل للاستيلاء بالقوة على الملكية الخاصة بتحويلها إلى ملكية عامة تعني في عرف النظم التسلطية منافع ومراتع للحاكم، حيث غدت أخطبوطا لنهب المال العام والخاص ومعبر الفساد إلى النفوس.
7- إلغاء قانون الإحصاء الخاص بمحافظة الحسكة عام 1962 وبلاغ وزير الداخلية رقم 1964/1360 حيث تم بنتائجه المتناغمة مع قانون الإصلاح الزراعي تجريد (160000) مواطن سوري من القومية الكردية من جنسيتهم السورية ومصادرة أراضيهم الواقعة ضمن الحيز الذي سمي بالحزام العربي عام 1973، حيث تم لاحقا إلى مستوطنات شبيهة بالسيئة الذكر الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، أسكنت بالعرب الذين استقدموا من منطقة الفرات بحجة العزل ما بين الأسر الكردية الممتدة على طرفي الحدود مع تركيا.
8- إعادة هذه الأراضي إلى مالكيها وفلاحيها من الكرد والتعويض عليهم عن أملاكهم وعن حجب جنسيتهم كل هذه السنين، حيث حرموا من حق العمل والملكية والزواج والاستفادة من البطاقة التموينية التي تعيش عليها سورية الاشتراكية منذ اكثر من ثلاثة عقود، كما ويجب إعادة الأسماء الأصلية إلى البلدات والقرى الكردية التي سلخت عن تاريخها وارثها الحضاري لبلاد ما بين النهرين، وإلغاء القوانين المسخ بحق الكرد فيما يخص أسماء الولادات والأعراس والتراث القومي الثقافي.
9- الانسحاب من لبنان لمصلحة سورية لإرساء العلاقة اللبنانية السورية على المشترك العام وإعادة البهاء مجددا إلى مصطلح حلفاء سورية الحقيقيين في لبنان الذين غيبوا لصالح فئات مأجورة.
10- الدعوة إلى انتخابات نزيهة تحت إشراف هيئة الأمم المتحدة وانتخاب جمعية تأسيسية تصوغ دستورا جديدا للبلاد يقول بالديمقراطية في أساسها التعددي وتداول السلطة وحرية الأحزاب والنقابات بالقانون.
السيد الرئيس، إننا نرى أن العمل بالتوصيات أعلاه يحصن سورية بالتصالح ما بين الحكم والشعب اللذين هما في قطيعة، ويقوي من متانة الجبهة الداخلية التي هي وحدها القادرة على الصمود في زمن الاستحقاقات في ظل الهيمنة الأمريكية واختلال ميزان القوى بالكامل لصالح إسرائيل، في يوم يرتمي الحكام العرب جميعا على عتبة الصلح المذل معها. بغير هذا لن يكون لاحد حجة على التاريخ الذي لا يرحم.[1]