#عبدالله أوجلان# الغائبُ الحاضر في قلب #الشّعب الكرديّ#
serokالمؤامرةُ على آبو مؤامرةٌ على الإنسانيّة:
بالتزامُن مع ارتفاع حدّة الصراعات في الشّرق الأوسط رغماً عن إرادة الشعوب وتطلّعاتها، تمرّ علينا الذّكرى السنويّة الثّامنة عشرة لبداية المؤامرة الدوليّة التي استهدفتْ الشّعبَ الكرديّ في شخصِ القائد عبد الله أوجلان، هذه المؤامرةُ التي أفرغتْ قيمَ الصداقة والإنسانيّة، التي طالما تباهتْ بها الدولُ الغربيّةُ، من صدقيّتها وعرّتها في أكثر المناطقِ والأوقات انقساماً تجاهَ مسائلَ الديمقراطيّة وحقوق الإنسان الغربيّة.
بعدَ عدّة أيّامٍ تدخلُ المؤامرةُ التي طالتِ القائدَ آبو عامها الثامنَ عشر، التي شاركت فيها العديدُ من الدول التي كانتْ تدّعي الديمقراطيّةَ وحقوقَ الإنسان. إنّ يومَ الخامسَ عشر من شباط لعام تسعةٍ وتسعين، وهو اليوم الذي أُسرَ فيه قائدُ الشعب الكرديّ في إطار هذه المؤامرة، أصبح يوماً أسودَ بالنسبة لنا، ولكنهُ في نفس الوقت يومٌ للمقاومة والإرادة الحُرّة التي خلقَها أوجلانُ بفكرهِ وفلسفتهِ.
هذه المؤامرةُ الشنيعةُ التي استهدفتْ أسرَ شعبٍ وتاريخٍ وثقافةٍ في شخصِ القائد أوجلان، وعلى الرغم من قيام فاعليها بحبكِ ألاعيبَ ومُخطّطاتٍ دنيئةٍ جديدةٍ يوماً بعد يوم، باءتْ بالفشلِ وأُحبطتْ كلّ أهدافها التي كانت ترمي إليها أمامَ المُقاومة العظيمة التي أبداها القائدُ آبو في الأسرِ.
نبذةٌ عن حياة القائد عبد الله أو جلان:
ينتمي أوجلان إلى عائلةٍ من وسطِ عموم الشّعب الكرديّ، وبذلكَ كسرَ النظامَ التقليديّ القروسطيّ للزعامة الكرديّة السياسيّة التي قامتْ على الإرثِ الدينيّ والإرث القبَلي العشائريّ أو كليهما معاً طوالَ قرونٍ. وهذا أمرٌ نادرُ الحدوثِ في الواقع الكُردستانيّ، وهذا النمطُ من القيادة لم يكن لِينجحَ في شمال كردستانَ لو لم يمتلكِ الإمكاناتِ الفكريّةَ البراغماتيّة لصُنعِ عالمٍ أفضلَ، عالمٍ يتناسبُ مع روح الحداثة التي أخذتْ بها المجتمعاتُ المتقدّمةُ اليومَ، خاصّةً وأنّ الواقعَ المُتردّي في شمال كردستان طوالَ نصفِ قرنٍ- منذُ فشلِ آخر انتفاضةٍ كرديّةٍ- كان يُشيرُ إلى أنّ إرادةَ الصراع قد انتهتْ في #شمال كردستان،# ودُفنتْ على أيدي أتاتورك، والفكرُ الذي يُحقّقُ نفعاً هو الفكرُ الصحيحُ ، ولا علاقةَ للأقدارِ بذلكَ، وهذا الفكرُ البراغماتيّ غيّرَ الواقعَ الكرديَّ الراكدَ في شمال كردستانَ إلى واقع الصّراع.
أعلنَ أوجلان عن قيام الحزب عامَ 1978، أعلنَ النضالَ المُسلّحَ ضدّ تركيا عام 1984، لهُ العديدُ من الكتب والمقالاتِ وصلتْ لخمسمائة كتابٍ ومقالٍ، نتاجُ فكرهِ كتابُ الأمّة الديمقراطيّة والذي يُعتبَرُ الرّوح والإدارةُ الذّاتيةُ تُعتبَرُ الجسد، وفيه يطرحُ حلاً عملياً للتصارع القوميّ والدينيّ في الشّرق الأوسط ليحصلَ على شرقٍ جديدٍ، كلٌّ يحكمُ نفسَهُ بنفسهِ، بعيداً عن أشكال الدول الموجودة حاليّاً، أُسِرَ في العام 1999في شهر شباط في اليوم الخامس عشر وحتى اليوم. تعرّضَ لعدّة مُحاكماتٍ شكليّة ، وحُكِمَ ثلاثَ مرّاتٍ بالإعدام، لم يتمكّنِ العدوّ من تطبيقهِ، وتعرّضَ لمحاولاتِ تصفيةٍ عبرَ تسميمهِ حسبَ اللجنةِ الأوروبية المُشرفةِ على صحّتهِ. يتعرّضُ لأشكالِ تعذيبٍ نفسيّة كثيرة منها تسليطُ الكشّافاتِ الضوئيّة عليهِ ليلاً نهاراً. حُرمَ حتى من وجودِ شجرةٍ في باحةِ مُعتقلهِ حيثُ تمّ قطعُها. تمّ فرضُ العُزلة التّامة عليهِ بدون زيارةٍ أكثر من مرّة، أطولها مدّة كانت لأكثر من 525 يوماً. ما زالَ في سجن جزيرة إيمرالي المعزول، في سجنٍ انفراديّ، ولطالما أكّدَ العدوُّ أنّهُ لم يصمد أحدٌ أكثرَ من سبعِ أعوامٍ في هكذا ظروف. لليومِ هو يقاومُ ويرسمُ لحزبهِ خارطتَهُ السياسيّة في كلٍّ من شرق وشمال وغرب كردستان وجميع منافي تواجُد الجالياتِ الكُرديّة.
قرأَ في مُعتقلهِ أكثرَ من 3500كتاب، تعدّدتْ وجهاتُها بين التاريخيّة والسياسية والاجتماعيّة، يتمّ التفاوضُ معهُ وهو في الأسر بيد العدوِّ لبناءِ عمليّة سلامٍ بين الشّعب الكرديّ وأمثاله من الطوائفِ المظلومة في كردستانَ وتركيا والدولة التركيّة الغاصبة.
الحريّةُ لأوجلانَ هي حريّةُ آلاف المُعتقلين في سجون الظالمين وحريّةُ شعبٍ في العيشِ على أرضهِ بسلامٍ.
اعتقالُ أوجلان:
اعتقدتِ الحكومةُ التركيّة أنها باعتقالِ أوجلان أنهتِ أزمةً، دون أن تُدركَ أنّ هناكَ شعباً يعيشُ في كردستانَ الشمالية، يختلفُ ثقافيّاً وقوميّاً عن الشعب التركيّ، لهُ هويتهُ ولغتهُ تقاليدهُ وقيمهُ، وهو حريصٌ على الحفاظ عليها بشتى الوسائل والطُرقِ، وقد يسلكُ الطريقَ العسكريَّ إذا ما تطلّبَ منهُ ذلكَ.
لم تُدركِ القيادةُ التركيةُ أنّ للشعب الكرديّ ثقلاً كبيراً، وهو قادرٌ على خلقِ أزمةٍ كبيرةٍ إذا ما أصرّتِ الحكومةُ على مبادئها القائمةِ على أساس إلغاء الآخرين، مُتناسيةً أنهُ من الممكن أن تلدَ الأمّةُ التي ولدتْ أوجلانَ ألفَ أوجلانٍ. لقد كانت نشوةُ النصرِ كبيرةً، وأنا أتذكّرُ كيف خاطبَ القادةُ الأتراكُ شعبَهم عندما أُلقيَ القبضُ على أوجلانَ، كانوا يقولون إنّ الأمّةَ التركيّةَ لا يقفُ في وجهها أحدٌ، ومجّدوا تلكَ العمليّةَ كثيراً، مُدّعينَ أنّها من تنفيذ المخابرات التركيّة، والحقيقةُ غيرُ ذلك تماماً، فقد كشفتِ الوكالاتُ الإخباريةُ أنّ هناكَ تنسيقاً قد حصلَ بين المخابرات التركيّة والأمريكيّة والإسرائيليّة، وأنّ أوجلانَ، بعد خروجهِ من سوريا، ضغطتِ المخابراتُ الأمريكيّةُ على اليونان وإيطاليا ليتمّ اعتقالهُ في نيروبي على يد المخابرات(الأمريكية- الإسرائيلية- التركية).
إنّ ما يتشرّفُ بهِ القائدُ أنّ مخابراتِ أمريكا وإسرائيلَ هي مَن طاردتهُ، وهذا يوضّحُ عدمَ ارتباطهِ بالاستبداد والظُلم العالميّ الذي تقودهُ الدولتان. لقد تمكّنَ أوجلانُ، بشخصيته القوية، من الخروج من الدائرة المحليّة إلى الأفق الواسع، فكان(هوشيمن وغيفارا وغيرهم) من الثوّار، الأمر الذي دفعَ الكثير من قادة الأحزاب الكرديّة إلى الحذر والخشية من اتّساع هذه القاعدة.
عندما اُعتقِلَ أوجلانُ طوّرَ من نهج الديمقراطية، ووصلَ إلى تأسيس نظامٍ فكريّ وفلسفيّ، من خلال المُرافعات التي قدّمها لمحكمة حقوق الإنسان الأوروبية، والتي ظهرتْ بأسماءِ من دولة الرُهبان السومرية نحو الحضارة الديمقراطية وكتابُ دفاع إنسانٍ حرٍّ والمُرافعةُ الأخيرةُ الدّفاعُ عن الشّعب. وما يزالُ يخوضُ أوجلانُ صراعَهُ الفكريّ والفلسفي في هذا الصَدد، من أجل إيصال شعوب المنطقة إلى نظامٍ ديمقراطيّ إيكولوجيّ وفقَ حقيقة المنطقة بجميع موزاييكها واعتماداً على إرادتها الحُرّة، دونَ الاتّكال على القوى الخارجيّة التي تعملُ كلّ شيءٍ من أجل مصالحها المعروفة في المنطقةِ، والتي لا تجلبُ سوى الحروبِ والقتلِ والدّمار والتخريب والشرّ.
مُحاكمةُ أوجلان:
عندما نقلتْ محطّاتُ البثّ المرئيّ لقطاتٍ لأوجلانَ، وقد ظهرَ عليه الإعياءُ والتعبُ، حيثُ كُبّلتْ يداهُ بالحديد، كان المنظرُ مؤلماً لجميع الكُرد وهُم يرونَ زعيماً ذهبَ أسيرَ مؤامرةٍ دوليةٍ دبّرتها المخابراتُ العالميّةُ لهُ، حيثُ انطلقت مسيراتُ احتجاجٍ لأنصار القضيّة الكردية في العواصم الأوروبية أمامَ سفاراتِ الدول التي ساهمتْ في هذه العمليّة. لقد أظهرتْ هذه المسيراتُ مدى الحُبّ الذي يكنّهُ الشعبُ الكرديّ لهذا القائد.
إنّ الضغوطَ التي تعرّضَ لها أوجلانُ لم تُثنهِ عن عزيمته، فحُكمُ الإعدام الذي صدرَ بحقّه دفعَهُ لمزيدٍ من العطاء الفكريّ، فقد صدرتْ لهُ مجموعاتٌ عديدةٌ من المؤلّفات والمُصنفات في حقول السياسة والفكر والتاريخ.
مؤلّفاتُ أوجلان:
لأوجلانَ مؤلّفاتٌ عديدةٌ بين قضايا السياسة والفكر والفلسفة والتاريخ، كما أنّ لهُ مُصنّفاتٌ أخرى في فلسفةِ التاريخ. قسمٌ من هذه المُصنّفات هي عبارةٌ عن خُطَبٍ أو مُحاضراتٍ أو لقاءاتٍ صحفيّة، صدرتْ على شكل كراريسَ، ومنها ما قامَ بتأليفها وهي ذاتُ منهجيّةٍ ورصانةٍ فكريّة. وقد تُرجمَتْ إلى لُغاتٍ عديدةٍ ( الروسية – البلغارية- الفرنسية- الإيطالية- والعربية) ومن أبرزها: حوارٌ مع المفكّر (يالجين كوجك)/ حوارٌ مع نبيل الملحم(قائد وشعب)/ من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية(1-2)/ مانيفستو الحضارة الديمقراطيّة(1-2-3).
يوجدُ حتى الآنَ أكثرُ من أربعين ألفاً من الصفحاتِ والتحليلات للقائد أوجلان، ونُشِرَ له أكثر من سبعين كتاب وتوزّعَ بين كوادرهِ خلال السنوات الخمس الأخيرة.
الميراثُ الذهنيّ والفكريّ العظيم الذي تقدّمَ به القائدُ أوجلان خلالَ سنين الأسرِ، والذي وصلَ عددهُ إلى ما يقارب العشر مُجلّدات، كان بمثابة المرآة التي تعكسُ وتكشفُ حقيقةَ النظام وتُسقطُ كافّةَ الأقنعة التي تتخفّى وراءها. هذه المُرافعاتُ التي قامَ القائدُ من خلالها بتحليل وصياغة التاريخ من جديد، واضعاً الحقائقَ والقضايا الاجتماعية المُعاشة فيها بشكلٍ صحيحٍ وصائبٍ، ومُطوّراً البدائلَ والحُلولَ اللازمة لها للخروج من الفوضى والأزمة العالميّة الموجودة على أساسه، قلبَتِ التاريخَ المكتوبَ من قبل هذه الأنظمة رأساً على عقبٍ، وبيّنَت حقيقتَها الزّائفةَ المبنيّة على أساس الخداع والنّهب والسرقة.
القائدُ ليسَ أسيراً, ما زالَ حُرّاً بإرادتهِ وقرارهِ وفكرهِ:
على الرغم من اعتقادِ قوى التآمر والحداثة الرأسماليّة بأنّها انتصرتْ في خُطتها وسياستها الاستبداديّة ضدَّ مُمثّل النضال التحرّري والديمقراطيّ أوجلان، إلاّ أنّ الرّياحَ جرتْ بما لا تشتهي سفُنهم، فنرى بأنّ الذي يُحاكَمُ في إمرالي ليسَ القائدُ آبو، بل هي هذه الأنظمة الاستبداديّة التآمريّة وقوى الحداثة الرأسماليّة. إنّ المُقاومةَ العظيمة التي أبداها القائدُ في إمرالي أحيَتْ كافّةَ مشاعر الحُبّ والعشق التوّاقة للحريّة لدى الشعب الكرديّ، بحيثُ أصبحَ أكثر من أيّ وقتٍ آخرَ يُناضلُ بوعيٍ كبيرٍ لأجل هويته ووجودهِ، وما عمليّاتُ إحراق الذّات التي قام بها العشراتُ من أبناء وبنات شعبنا في مواجهة قوى التآمر، ومقاومات أنصار وكوادر حركة الحريّة، إلاّ دليلٌ على الانبعاث الجديد الذي قامَ به آبو، ومؤشّرٌ على أنّ حركتَهُ التحررية لن تتوقّفَ ولو للحظةٍ واحدة، لأنّ الشعبَ الكرديّ في شخصِ قائدهِ وحركتهِ وصلَ إلى حقيقتهِ التي فقدَها منذ آلاف السنين، وهذه الحقيقةُ تحوّلتِ اليومَ إلى قوّةٍ مُذهلةٍ لا يمكنُ أن يتمّ فناؤها مرّةً أخرى. تحوّلَ القائدُ آبو إلى نهجٍ وإيديولوجيّة وسياسة وتنظيم وأخلاق ووجدان الشعب الكرديّ وكافّة الإنسانية الطامحة للحريّة والديمقراطيّة. لذا لا يمكنُ أسر هذا الزخم الهائل من الحقيقة وراءَ القُضبان الحديديّة، هذهِ الحقيقةُ تنبضُ في قلوب عاشقي الحريّة والديمقراطية والسّلام في كلّ ثانية.
إنّ مَن يتخبّطُ ويحاولُ الخلاصَ من المأزق والفوضى هي الأنظمةُ الاستبداديّة والاستعماريّة التي قامتْ بحبكِ المؤامرة، بحيثُ يزدادُ تدهورُ الوضع الأخلاقيّ والوجدانيّ والسياسي والعسكريّ والاقتصاديّ والثقافي لهذه الأنظمة مع مرور كلّ يومٍ. وإنّ أوجلانَ في سجن إمرالي أكثرُ حريّة، على صعيد التفكير والمُراجعات النقديّة، فهو تحرّرَ من الضغوطات التي عاناها ما يقاربُ العقدين، زدْ على ذلكَ حياة العُزلة والتجريد في إيمرالي، التي علّمتهُ الكثيرَ ودفعتهُ إلى القراءة والتمعُّن في الأحداث والتاريخ والسياسة ومحاولة إجراء مُراجعةٍ نقديّة لتجربتهِ وتجربةِ حزبهِ.
المؤامرةُ فشلتْ بفضلِ تطبيق فلسفة أوجلان في روج آفا:
ظنّت تركيا والذهنيّةُ التي تدعمها بأنّهُ باختطاف القائد أوجلان ستُنهي قضيّةَ أكثر من أربعين مليون كرديّ، مُتجاهلةً حقيقةَ أنّها ستُرهقُ شعوبَها بحروبٍ مُدمّرة كانت ستمتدّ لفتراتٍ طويلةٍ إن كان قُدّرَ لها النجاحُ، إلاّ أن تيقُّظَ القائد آبو وواقعيّته في التعامُل مع المؤامرة والأطراف التي أسّستْ لها ونفّذتها، حرمَها من التفاعل والوصول لأهدافها المُتجسّدة في الحرب الكارثيّة ، ومن جانبهِ أظهرَ الشعبُ الكردي بأنّهُ مُتّحدٌ مع قائدهِ في كلّ مراحل المؤامرة.
إنّ تأسيسَ أوجلان لمرحلةٍ تاريخيّة بديلة، فرضَ من خلالها رؤية مشروعهِ للحلّ وإحلال السّلام في تركيا والمنطقة، حالَ دونَ تعمّق القضية وحدوث تصادُم الشّعوب، حيثُ كانت مُرافعاتُهُ المُقدّمة لمحكمة حقوق الإنسان الأوروبية والتزام الشّعب الكرديّ وحركة الحريّة بتوجيهاته بمثابة الردّ الأمثل للأخطار التي أفرزَتها السياساتُ العالميّةُ والإقليمية الخاطئة ضدّ إرادة الشعوب. ومع تبلور فُرص نجاح مشروع الإدارة الذاتيّة الديمقراطيّة في روج آفا، والتي تستمدّ استراتيجيتها من مشروع الأمّة الديمقراطيّة التي أسّسها القائدُ آبو، ومُشاركة جميع المُكوّنات فيها، في حالةٍ فريدةٍ ووحيدةٍ في المنطقة، وكذلكَ المُقاوماتُ العظيمة التي أبداها شعبُ روج آفا انطلاقاً من فكر الأمّة الديمقراطيّة، إلى جانب نجاح شعبنا في شمال كردستان من تخطّي عائق العشرة بالمائة ونجاحهِ في الانتخابات البرلمانيّة الأخيرة، وتحدّيه للعوائق التي وضعَها حزبُ العدالة والتنمية أمامَهُ، أثبتَ مشروعيّة وصدقيّة الاستراتيجيات التي طرحها القائدُ حتى في ظلّ شروط الأسر القاسية, وأوقفَ زخم الهجمات المُتكرّرة للدولة التركيّة، رغمَ تصعيدها في محاربة ثورة روج آفا وإعلان الحرب على شمال كردستان وحصارها للمُدن هناك، وقتلها للمدنيين وكذلك التمثيل بجثامينهم، ودفعَ الشّعبَ الكردي في جميع أجزاء كردستان إلى الاعتزاز أكثر بانتمائهم القوميّ والوطني، وفرض مشاريعهم في الحلّ في الإدارة الذاتية الديمقراطية ، دون الاكتراث بأساليبَ وإجراءاتِ القمع التركيّة.
بعدَ 18 عاماً من المؤامرة باتتْ تركيا واعيةُ لمخاطر الاستمرار في فرض حالة العُزلة، وباتت مُقتنعةً أكثر بأنّ ذلكَ سيدفعُ بالشّعب الكردي، الذي يجدُ في حريّة قائدهِ هدفاً لحلّ قضيتهِ ومبدأً أساسيّاً لها، إلى تصعيد النضال من أجل تحقيق ذلك الهدف المشروع. إلاّ أنّ عنجهيّتها في التعامل مع أزماتها الداخليّة والتزاماتها بتنفيذ أجندات القوى العالميّة المُخطِّطة للمؤامرة تدفعها إلى اتّباع سياساتٍ غير واقعيّة، وما دعمها لداعشَ وتمويله إلاّ أسلوبٌ آخرَ لمُحاربةِ تلكَ التطلّعات المشروعة للشعب الكرديّ، وأداةً أخرى من ضمن أدواتها غير الأخلاقيّة.
إنّنا في الوقت الذي نستذكرُ فيه هذه المؤامرةَ بألم، ونعتبرها بدايةً للتدخّل في المنطقة بُغيةَ القضاء على إرادة الشعوب وخياراتها في الحلّ، نؤكّدُ أنّ نتائجَ ثورة روج آفا ليست إلاّ إثباتٌ على فشل تلك المؤامرة، وعربوناً من شعبنا لتضحيات وفكر القائد الذي أسّسَ للفكر الديمقراطي والحُرّ في روج آفا، حيثُ بقي فيها مُدّة أكثر من عشرين عاماً يُناضلُ ويكافحُ من أجل رفع مُستوى الفكر الحرّ الديمقراطي في المنطقة، وعلى هذا الأساس نؤكّدُ على موقفنا في الالتزام بمباديء الأمّة الديمقراطية في التأسيس لحياةٍ مُشترَكةٍ بين جميع المكوّنات اعتماداً على التسامح والأخوّة، وتنفيذ كل ما هو مُلقىً على عاتقنا للوصول إلى تحقيق الأهداف المشروعة لشعبنا والتي تمرّ بحُريّة القائد أوجلان، كما ندعو جميع الشعوب والتنظيمات الحُرّة إلى تصعيد موقفها الرّافض للمُمارسات التركية تجاهَ شعبنا الكردي الذي يناضلُ من أجل تحقيق حُريتهِ.
نتائجُ ثورة روج آفا إثباتُ فشل المؤامرة على أوجلان:
إنّ المؤامرةَ الدوليّة التي استهدفتْ قائدَ الشّعب الكرديّ عبد الله أوجلان سعتْ لكسرِ إرادة شعبهِ والقضاء على ثورة المرأة السّاعية لتحرير المجتمع، المؤامرةُ فشلت بفضل فكر وفلسفة أوجلان والتطبيق العملي لها في روج آفا.
إنّ الهدفَ من المؤامرة كان القضاءُ على إرادة الشعب الكرديّ وطمس هويته وثقافتهِ، والمؤامرةُ لم تصل لمُبتغاها، بل زادت من إرادة الشعب الكرديّ الذي رسّخَ فكرَ أوجلانَ في ذهنه وقلبهِ وسعى لنشر هذه الفلسفة التي تحتضنُ جميعَ الأديان والمُعتقدات والشعوب. وإنّ امتزاجَ دماءِ الشّهداء في روج آفا، من كافة المكوّنات، في حماية أرضهم هي أكبرُ دليلٍ على فشلِ المؤامرة. إنّ شعوبَ روج آفا من كُردٍ وعربٍ وسريانَ تمكّنوا، بفضل فكر وفلسفة أوجلان والتطبيق العملي لها من خلال الإدارة الذاتية الديمقراطية في روج آفا، من إفراغ المؤامرة التي طالتِ القائدَ أوجلان من فحواها ومنعها من الوصول لأهدافها التي خطّطت من أجلها. وإنّ ما تفعلهُ تركيا في الأيام الأخيرة، من احتلالٍ للأراضي السوريّة وقتلٍ وترهيبٍ في روج آفا وشمال كردستان، هي دليلٌ على فشلها في مُخططاتها القذرة المُعادية للشعوب.
لا سلامَ دونَ حُريّة القائد آبو:
إنّ اعتقالَ أوجلان أثبتَ للعالم بأنّ قضايا الشعوب ورموزها ما زالتْ رهن الأجندات الخاصّة والظلاميّة، التي لم تؤمن يوماً بعدالة القضايا المُجتمعيّة ، وعلى رأسها قضيّة الشعب الكرديّ، على اعتبارهِ مفتاحاً أساسيّاً من مفاتيح الاستقرار في الشرق الأوسط، ومدخلاً مهمّاً من أجل تحقيق الأمن والسّلام المُجتمعيّ في بُلدان الشّرق الأوسط.
في الوقتِ الذي اعتقدَ المتآمرونَ أنّ أهدافهُم قد تحقّقت، وأنّ بإمكانهم أن يكمّوا أفواهَ الحقيقة ويقمعوا حركةَ الحريّة المُقاومة، إلاّ أنّ المؤامرةَ فشلتْ، ومنذ لحظتها الأولى، وازدادَ الإصرارُ وتحقّقتِ المُتابعةُ الثوريّةُ من خلال النظرية التي أرسى قواعدَها القائدُ الأسيرُ، والمُتمثّلةُ في حلّ القضايا القومية والاجتماعيّة والثقافيّة لشعوب الشرق الأوسط، وعلى رأس هذه القضايا القضيةُ الكرديّة، من خلال البديل الثوريّ المُتمثّل بالأمّة الديمقراطيّة.
إنّ مثلَ هذه النظرية تحوّلت في روج آفا إلى منبرٍ للعالم الحُرّ، وخاصّةً بعد انتصار ثورة 19تموز كفعلٍ ثوريّ استمدّ كينونَتهُ من نظرية الأمّة الديمقراطيّة ومشروعها المُجتمعيّ الإدارة الذاتية الديمقراطيّة، والتي أبهرتِ العالمَ في نتيجتها التي تضمنُ العيشَ المُشتركَ ووحدة المصير بين القوميّات والمذاهب والطوائف، وبيّنت لجميع أصقاع الأرض ما هيّة الأمّة الديمقراطيّة، من خلال المُقاومة الاستثنائيّة في كوباني التي حطّمتْ أسطورَة داعشَ، وفصحِها كصنيعةٍ من صنائع الاستبداد ومظهرٍ مُختلٍّ من مظاهر العُنف المُجتمعيّ في بلادنا.[1]