مستقبل اليسار و مجريات الشرق الاوسط
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 3624 - #31-01-2012# - 16:43
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
هل ما يحدث في المنطقة ثورات حقيقية بمعنى الكلمة، و كما نعرٌف الثورة كمفهوم متعارف عليه، و هي تتضمن في ثناياها الفهم الكامل للتغيير الجذري الشامل و ايجاد المناسب و احلاله محل ماموجود و ماهو ثابت منذ مدة ليست بقليلة وفق معرفتنا التقليدية لها . هذه مسالة تعتمد في توضيحها و بيانها على النظريات العديدة و التي لا حاجة لنا بالتعمق فيها هنا، لاننا نقصد في توضيح هدفنا هنا التوجه نحو ما يحدث في الشرق الاوسط من منظور اليسار الواقعي فقط، بعد قراءة ما موجود على الارض كما هو و ما يمكن ان ينبثق منه لما يمكن او يوضع في خانات ما يهم اليسار و اهدافه العامة و ما يهم الشعب في النهاية. و يجب ان يؤخذ بنظر الاعتبار هنا ان المرحلة الجديدة من حياة هذه الشعوب الثائرة في المنطقة تحوي على ما لا يمكن الاستناد عليه حاليا بالشكل الذي كان قبل قرن تقريبا، بمعنى ، ان العصر الذي يتجدد في كل شيء و تتغير منه اشياء ،لابد ان تتغير المفاهيم ايضا من حيث المعنى و المضمون و هي بالتالي كما غيرها تجدد نفسها ايضا، و لا يمكن ان تتاثر الثورة لوحدها هنا . اي يتغير معنى و مضمون مفهوم الثورة ايضا، اي لا يمكن ان نفهم الثورة بدلالاتها و ابعادها القديمة دون النظر على ما حصل من تغيير لمرتكزاتها. و عليه يمكن ان نقول بان ما يحدث في المنطقة من الثورات و الاحتجاجات يمكن ان نعتبر منها و نفهم بانها اعطت معنا جديدا مغايرا للثورة كما كنا نعرفها و هي مغايرة تماما لما كان يفهم عن الثورة و ابعادها ايضا .
ما يحدث في الشرق الاوسط هو تغيير سياسي شامل، و بداية للانتقال الى مرحلة و عصر جديد و لا يمكن حصره في تغيير و اسقاط نظام معين هنا و هناك فقط، اننا ننتظر ان تبان و تتوضح الافاق و الابعاد و الدلالات الاجتماعية الاقتصادية الثقافية الجديدة بعد استقرار الاوضاع، على الرغم من بروز قوى ربما تؤخر ما يمكن ان يولد بشكل طبيعي وهو ما يهم الوصول الى ما يجهد و يعمل من اجله اليسار من حيث المفاهيم العامة من الحرية و الديموقراطية و المساواة و العدالة الاجتماعية بمساحاتهم و مضامينهم و ابعادهم الواسعة الكبيرة، وسيتم تغيير الواقع الاجتماعي الثقافي العام بعد اكتمال مهام المرحلة الراهنة من جراء الثورة ، و هذا ما يمكن ان يركز عليه اليسار في المرحلة المتنقلة هذه.
الواقع الاجتماعي الثقافي الحالي ابرزمن الاطراف ما يمكن ان يسيطر على زمام الامور دون ان يستطيع تحويل ما يجري بشكل يقع لصالح كافة طبقات الشعب لحد الان، و كل ما يكثف جهوده من اجله هو العمل على تحويل ما يجري لصالحه بشكل خاص، و ان يبقى الشعب منعزلا محصورا في زاوية ما، محاولا عدم احتكاكه مع ما يحتم عليه التغييرات المتتالية و الانتقالات المتعددة . و ان استغرق هذه المهام فترة طويلة كانت ام قصيرة وفق مميزات الشعوب و مستوى وعيه و ثقافته و قوة ارادته ، فان الجهات كافة سوف تتاكد من ان تغييرات المسار التي حصلت سواء بشكل عفوي او مقصود فانه من غير الممكن ان تتقبل هذه الشعوب لما هو طاريء عليها بعد كل التضحيات. و هذا لا يعني ان ما انبثق بعد الثورات جميعه خارج دائرة ما تفرزه هذه الشعوب في فترة الحرية بعد الكبت الطويل الامد. المهم في الامر هنا لجميع القوى و التوجهات و الافكار و المهتمين، ان السياسات المتبعة نابعة بشكل نسبي من الشعب نفسه و هي غير مفروضة عليه فوقيا كما كانت من قبل، و هي ليست مستوردة ايضا بشكل كامل ، و هي من صنع و تعجين و انتاج الخاص للشعوب ذاتها في هذه المرحلة، و يجب ان يتقبلها الجميع بصدر رحب. و بعد الهدوء و الاستقرار الذي يمكن ان يفرض نفسه، يمكن التغيير لما يجري بسهولة ممكنة و بالطرق السلمية المختلفة، اي من يمنح الثقة لوصول اي طرف لسدة الحكم فلديه القدرة على سحبها منه متى ما احس بانه لم يودع الامانة التي كانت في حوزته لمن آمن به ، و العصر يساعد على قصر المدة المطلوبة للتغيير و الانتقال من المراحل الشاذة بعد الاحتكاكات و التطورات الحاصلة في التواصل بين بقاع الارض، و لكن الشرط المطلوب الذي لابد منه هو اتباع الطرق و الاساليب السلمية فقط .
ما يهم اليسارية ، لا يمكن ان نتوقع تحقيق ولو نسبة يسيرة منها في الوقت الراهن سوى الخلاص من الحكومات و الانظمة الاستبدادية القمعية الكابحة للحريات و المعيقة لتوفير وسائل السعادة لشعوبها . الوقت مبكر كي ننتظر انبثاق دولة مدنية بعيدة عن هيمنة الايديولوجيا بكافة انواعها و التي في النتيجة تكون لصالح اليسار (و ان اعتبرت اليسارية بذاتها ايديولوجيا عند البعض) . و لكن الخطوات البدائية التي اتخذت من قبل القوى التي تميزت بتشددها و تزمتها من قبل، من حيث التقارب و المساومات و الجدال و النقاش و الااخذ و الرد مع مخالفيهم، لبداية نحو ظهور بادرة حسن نية والامل بسهولة العمل و التوجه نحو المطلوب في مسار المسيرة التي تتبعها القافلة التي لابد من وصولها الى المحطة الحقيقية المنشودة من قبل اكثرية الشعوب .
اخذت الديموقراطية مسارها الصحيح لاول مرة في هذه المنطقة، و هي من العوامل الاساسية القوية المهمة لقوى اليسار في مثل هذه الارضيات المعقدة للاعتماد عليها من اجل الى الاهداف العامة لهم.
اما مستقبل اليسار بعدما ارست البواخر في الموانيء المختلفة الشكل و التركيب و كما كان متوقعا، و منها ما غيرت طريقها الموجات و الواقع الموجود كما هو بهذه التركيبة و العقلية و الوعي و المستوى الثقافي العام . فان العمل صعب و مرهق و يحتاج لجهود و عقول بناءة في مثل هذا الوسط، الا انه ممكن و هذا ما يفتح الابواب امام اليسار، و لكن، بداية ، يجب ان تؤخذ بنظر الاعتبار الاولويات الضرورية لمابعد الثورات و تقييم المرحلة بشكل علمي و بمعرفة عميقة لما يجري في الشرق الاوسط و ما تحتاجه الشعوب الان او بعد الانتهاء من هذه المرحلة . حسب اعتقادي و وفق معرفتي المتواضعة لما هي عليه المنطقة من الهيجان، فان صعود المتشددين و المتزمتين و المستندين على الافكار و التوجهات و الايديولوجيات الضيقة بهذه السرعة، انه بحد ذاته عامل مساعد لليسار على النجاح في مهامه الواقعي اولا و من ثم التمعن في تحقيق الاستراتيجيات المهمة التي تفرض نفسها في الوقت المناسب . اكثرية الشعوب من الطبقة الفقيرة الكادحة، مستوى التربية و التعليم منخفض، الثقافة و المعرفة و الوعي العام دون المستوى او الطموح، النخبة في نسبتها الكبيرة يمكن تصنيفها بكسولة، الروحانية مسيطرة بشكل تغطي على الجميع، و هذا طبيعي في وقت و ظرف مثل ما كانت تعيشه هذه الشعوب لعقود . و لكن من جانب اخر، ضرورات الحياة مطلوبة توفرها بالحاح و كثرت انواعها و نسبها، القدرة العقلية و الفكرية لمن رفعه الشعب لاداء المهمة ستتوضح بعد حين من الثغرات التي تتواجد في كينونتها و تتفهم الشعوب بالتدريج ما الاهم لهم، التطورات جارية دون توقف، العلاقات و المصالح تفرض نفسها ، ابواب الحرية شرعت و هذا ما يحفز على عدم قبول الردة و العودة عن الاهداف مهما بلغت التضحيات المطلوبة، الثورات التكميلية جارية و مستمرة، اذن الطريق المستقيم و السوي لعمل اليسار مفتوحة على اوسع ابوابها، و انها مسالة وقت ليس الا في تغيير توجهات الشعوب، و لكن هذا ما يحتاج الى التاني و التروي و عدم التشدد من الجانب الفلسفي العقيدي، اي الاهتمام بالواقع و الاولويات كمهام رئيسي لليسار، و سيكون مستقبله معلوما و اهدافه قابلة التحقيق في الوقت المناسب، اي مستقبل اليسار واضح و لكنه يحتاج للتخطيط و التنفيذ السليم للخطوات المطلوبة في التوجه نحو المرحلة المقبلة من بعد الثورات المتتالية.
[1]