الم نحتاج الى الحوارات بعيدا عن السياسة في هذه المرحلة ؟
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 3017 - #28-05-2010# - 11:31
المحور: المجتمع المدني
قدرنا نحن جميعا كمجتمعات و مكونات مختلفة و شعوب و قوميات ان نخلق هكذا قربين او بعيدين عن البعض في المكان و الصفات، و من فعل التاريخ و الجغرافية و الطبيعة بشكل عام و الانسانية بشكل خاص ان تكون هناك اختلافات في الكينونة و الصفات البشرية، و من تاثيرات التقدم الطبيعي التدريجي و فعاليات المتغيرات تنبثق صفات و سمات لمجموعة دون اخرى ، و بفعل التراكم الحاصل للمكتسبات المادية و الضرورات التي تفرض نفسها و العلاقات الجدلية بين الانسان ككائن متطور و محيطه ان تتكون عوامل مشتركة مغايرة تماما لمجموعة ما دون غيرها و في زمان و مكان مختلف.
و في النهاية وصلنا الى ما نحن عليه بعد التغييرات المتلاحقة من اللغات المتعددة و اختلاف السمات و طرق المعيشة و مميزاتها، و اثرت هذه العوامل بدورها على اخلاقيات او ما يمكن ان نسميها الخصائص العامة التي يتميز بها مجتمع من المجتمعات المختلفة.
و من هذا المنطلق الانساني الطبيعي والذي يمكن ان نسميه المادي القح، ان نظرنا الى الشعوب التي تمتلك اللغة و التاريخ و الخصائص و العادات و التقاليد و الجغرافية المختلفة، و ما برزت منها ما كانت بفعل تغيير المراحل المعيشية لهم، و ان كانوا قريبين عن بعضهم من الجانب الجغرافي. و في هذا الوقت الذي نعيش فيه تتميز المرحلة بالتعايش السلمي (بعيدا عن المصالح السياسية، و ان دعت المصالح الشخصية ايضا) ، و بفعل التطورات العلمية و الاتصالات التي ساعدت على تقارب الشعوب من البعض ساعدت التطورات تلك في ايجاد المشتركات، و بها يفيدوا بعضهم البعض و يتكاملوا و يردموا الثغرات و يزيحوا المعوقات و اعقدها المصالح و خاصة بين المجموعات المتنافسة و المتصارعة، و يحتوي العصر على مجموعة من المفاهيم التي تتضمن في طياتها عوامل الخلاف ايضا، و منها التشدد القومي و الشوفينية و الفاشية و ما تفرضة مصالح و موجبات الصراعات المختلفة لمجاميع و شخصيات معينة بعيدا عن مجموع المجتمع في اكثر الاحيان.
التاريخ له تاثيراته، و مجرياته تفرز الحكم او السلطة و سلبياتها ايضا، و على المجتمع الانساني بمعنى الكلمة ان ينقٌي ذاته من عوامل التفرقة و الكره و الضغينة و يحتكم الى الصفات الانسانية التي يتجه العالم الانساني الحقيقي الى التمسك بها و ازاحة ما يؤثر عليه سلبا.
اننا نعيش في مرحلة التعقيدات الفكرية الفلسفية الايديولوجية و ما تديرها اليوم و تجمعها هي السياسة، ولحسن الحظ انها في تضاؤل كبير و في طريقها الى الضمور، لندع السياسة و السياسيين و شانهم ، هذا هو الهدف و الاولويات للعديد من المجتمعات التي اجبروا على تسييس كامل المجتمع و بكل ما فيه ، لان السياسيين مهما تشدقوا فلم يصلوا الى حال تكون نسبتهم حاسمة لفض المشاكل و حل القضايا الانسانية الكبرى ، و ان حلوا مشاكلهم بارك الله بهم، و على الاقل يمكن ان ندعهم حياديين في الاطار الانساني الذي ننوي ان نفرقه عن متطلبات السياسة و توجهاتها.
المدنية و التحضر و المؤسسات المنظٍمة لهذه التوجهات الانسانية عليها ان تكثف من جهودها بداية لصقل مثل هذه الافكار التي لازالت ضعيفة البنيان و التاثير، و خاصة في هذه المنطقة الشرقية الحبلى باعقد المشاكل الفكرية و الفلسفية والتي يعاني منها منذ زمن ليس بقريب، و انبثقت تلك المشاكل الكبرى من فعل حيمن التاريخ و موروثاته، و ما يفرحنا ان هذه الفحول التي صنعها التاريخ و غرقت الساحة من القضايا و المشاكل التي لا حصر لها و غير مجدية و ان حلت فلم تنتج شيئا في وقتها قد شاخت و عقمت و نفذ مفعول نسبة كبيرة منها و يمكن ان نتنبأ باننا سنتحول في المستقبل الى منطقة تترسيخ فيها ارضية للتعاون و التعامل الانساني العصري .
ان تكلمنا بالتفصيل في جانب محدد من هذه العوامل التي يمكن ان نركز عليها و هي افرازات ما تنتجها القومية و ما جلبت معها من المباديء و الخصائص، ولكي نوسع الطريق في تدخل من يتمتع بمميزات قومية معينة ان يتعامل بشكل ايجابي مع الاخر و بالامكان تاسيس عوامل مشتركة بعد ان نرشح و نصفي القومية و نهذبها و نزيل اشواكها لتبقى زهرة تحتاج الى الالوان و الاشكال الاخرى لتكتمل الحزمة و تزهو في الجمال المدهش.
كيفية التقارب و التعاون و التكامل تعتمد على توفير المستلزمات و بناء الركائز و الاسس و القواعد، و من اهمها النظرة الانسانية الى البعض و احقاق الحق و المساواة و العدالة الاجتماعية و الحرية و رمي ما خلقه التاريخ من السلبيات وراء الظهر و جعلها من المواد النافذة المقعول، و حتى ما تعتبر منها مقدسة في وقتها كما هي الثورات و الانتفاضات التي فرضتها الظروف الموضوعية و الذاتية لمرحلة معينة و كانت في وقتها ضرورة ملحة للحفاظ على النفس.
ان استندنا على العقلية الانسانية فيمكننا حتى حل القضايا السياسية، و نتاكد بان اية مطالب و اهداف لم تكن نابعة من الفكر الانساني لا يمكن ان تتحقق و ان كان ورائها الجمع الغفير، و ما يتمناه اي فرد او مجتمع بشكل عام لم يخرج من اطار المنفعة الانسانية العامة، و هذا ما يجب ان يتحقق و يفسح المجال للتقدم فيه.
ما نحتاجه هو التركيز على توفير مقومات العقلية الانسانية التقدمية كاهم العوامل اللازمة لحلول كافة المشاكل و القضايا مهما كانت تعقيداتها ، و هذا لا يتم الا بتمتع المكونات الاجتماعية جميعا بهذه الخصائص و منها النسبة العالية من الوعي العام و الثقافة الانسانية و روح المصالحة و التعايش في ساحة تتوفر فيها الضرورات الانسانية الملحة و الاحتياجات التي لا يمكن الاستغناء عنها.
و لا تتم العملية و لن يحصل التقدم العصري المنشود ان لم يكن بعيدا عن كل القوانين و القرارات و الافكار و النوايا و الافكار المسبقة التي اعاقت تقدم البشرية ، و يجب ان يكون الهدف هو التعايش الانساني السلمي بين جميع المكونات و القوميات و الاديان و المذاهب قبل اي عمل اخر، سيتم ذلك بالتحاور و احترام الاخر و ابعاد اي توجه يعمل على اقصاء المخالف او انهائه كشرط لنجاح الحوارات، و ان توصلت القوميات القريبة من بعضها و منها الكوردية و العربية و التركية و الفارسية الموجودة في المنطقة الى مرحلة توفرت فيها الشروط اللازمة للحوارات ستكون نتائجها مذهلة، و يجب الا تقف النخبة المؤمنة بالانسانية مكتوفة الايدي امام المصالح السياسية، و عليها ان لا تنتظر مجيء تلك المرحلة من نفسها، بل على الجميع المشاركة في بنائها و الوصول الى ارضية يتوفر فيها المطلوب من العوامل، و سيتم بتعاون الجميع دون استثناء حتما. وهنا اليوم يقع العبء الاكبر على منظمات المجتمع المدنيالتي هي في المرحلة البدائية لتوفير الوسائل الضرورية و تخصيب الارضية لتلك الحوارات العامة و بطرق و اساليب مختلفة و بمشاركة جميع اصناف المهن و المشارب.[1]