التغيير الديموغرافي …والاستيطان
حسين نعسو
اي حديث عن احداث التغيير الديمغرافي في منطقة ما يستدعي حكماً الحديث قبل ذلك عن عملية نقل أو تهجير قسري حدثت لمجموعة سكانية من مكان ما، والاتيان بمجموعة سكانية اخرى من مكان آخر بغية توطينهم في تلك المنطقة المراد إحداث التغيير الديمغرافي فيها، فمن دون حدوث لعمليات التهجير والنقل القسري و الاستيطان، لايمكن الحديث معه عن التغيير الديمغرافي الذي عرفه القانون الدولي على انه
“هو ذاك التحول الذي يطرأ على البنيان والقوام السكاني لرقعة جغرافية ، ناجماً عن فعل او أفعال ارادية من قبل جهة ما تجاه أفراد أو مجموعات تفقد ارادتها في ذلك التحول”.
يتضح من خلال التعريف أعلاه بأن التغيير الديمغرافي لايمكن له أن يتم الا اذا سبقه فعل اجرائي آخر من شأنه التمهيد لذلك، من قبيل نقل جماعة او مجموعة سكانية من مكان ما والاتيان بجماعة او مجموعة سكانية اخرى لتحل محلها، وهذا الفعل او الاجراء يسمي ب “التهجير او النقل القسري” الذي عرفه القانون الدولي النحو التالي :”بأنه ممارسة ممنهجة تنفذها حكومات أو قوى شبه عسكرية أو مجموعات متعصبة تجاه مجموعات عرقية أو دينية أو مذهبية بهدف اخلاء اراض معينة، واحلال مجاميع سكانية اخرى بدلاً عنها”.
ويكون التهجير القسري اما مباشراً اي ترحيل السكان بالقوة من مناطق سكناهم، أو غير مباشراً عن طريق دفع الناس الى الرحيل والهجرة، باستخدام وسائل الضغط والترهيب والاضطهاد، وهو يندرج ضمن جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية، وفق ماورد في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 في المواد 8-7-6،” ابعاد السكان او النقل القسري للسكان، متى ما ارتكب في اطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين يشكل جريمة ضد الانسانية “.
كما ان المادة 49 من اتفاقية جينيف الرابعة لعام 1949 والبروتوكولان الملحقان بها لعام 1977 حظرت النقل القسري الجماعي أو الفردي للاشخاص، أو نفيهم من مناطق سكناهم الى أراض اخرى تحت طائلة ارتكاب جرائم حرب.
وهذا الاحلال السكاني مكان المهجرين قسراً يسمى في القانون الدولي بالاستيطان، والذي تم تعريفه على انه :”عملية اسكان واسعة في ارض دون رضى أصحابها، بغرض تغيير التركيبة الديمغرافية للرقعة الجغرافية المستهدفة “، وتلك المجموعة البشرية التي يتم الاتيان بها وتوطينها في تلك الرقعة الجغرافية المراد إحداث التغيير الديمغرافي فيها تسمى وفقاً للقانون الدولي “بالمستوطنين”، وبالتالي فان أي حديث عن التغيير الديمغرافي دون التطرق للتهجير القسري والاقرار بعمليات التوطين والاستيطان فانه لايعتد به قانونياً، اضافة انه يفرغ المصطلح من مضمونه ويفقد المصداقية والغاية من استخدامه.
لذلك على المنظمات الحقوقية والمدنية والأحزاب السياسية الكردية بأن تتوخى الدقة والحذر في اختيارها للمصطلحات القانونية وتداولها، فيما يخص بتوصيف الحالة القانونية الناجمة عن الاحتلال التركي لمنطقة عفرين، وأن تبتعد عن المزاجية والمجاملة السياسية أحياناً، والجهل القانوي أحياناً اخرى في اختيارها للمصطلحات السياسية والقانونية. [1]