الديموقراطية و المعارضة في الشرق الاوسط
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 2653 - #21-05-2009# - 03:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
لن اتعمق كثيرا في ماهية الديموقراطية و جوهرها و تاريخها و مبادئها الاساسية و الارضية المطلوبة لتطبيقها و تاثيرات الممارسة الفعلية لها و كيفية تلائمها مع الواقع و الخصوصيات التي تتمتع بها المنطقة من دون الاخرى ، اي لا توجد ديموقراطية معلبة مناسبة لكل زمان و مكان ، و انما الظروف المناسبة و المعلومة هي التي تحدد كيفية تجسيد الديموقراطية و تضمن نجاحها .
و هذه المنطقة التي تتميز عن غيرها بصفات كثيرة ، تشهد منذ مدة عمليات ديموقراطية حقيقية و هناك محاولات جادة من اجل تجسيد المباديء الاساسية لها و في مقدمتها الانتخابات العامة و ما ترافقها من الافرازات و المؤثرات ، و تتقدم خطوة بعد اخرى بعد كل تجربة حية و تدفع الشعوب الى التفاعل و تؤثر على حيويتهم و تعاملهم مع ما تجري على الساحة السياسية و معطياتها و ابعادها و تاثيراتها على الظروف الاجتماعية الثقافية و الاقتصادية ،و تغير من معالم الشعوب و توجههم نحو سلك الطرق السليمة في التطور العام .
و من خلال الانتخابات الحرة النزيهة تفرز الاكثرية عن الاقلية و تشكل الحكومة و تدير السلطة و تصبح الاقلية معارضة ، و تكون بناءة مقومة و مقيمة للوضع السياسي ان كانت في مستوى ثقافي و سياسي مهتم بالمصالح العامة قبل اي شيء و ملتزمة بالخطوط الحمر التي تفرضها مصلحة الشعب و الاجيال و مستقبلهم ، و الاقلية المعارضة تعترف بانها تشكل معارضة فعالة و يكون لها الدور الحاسم في العديد من الامور و ان كانت خارج السلطة . و في الكثير من المواقع الهامة او الدول النامية و في الشرق الاوسط بشكل خاص لم تتشكل مثل تلك المعارضات لحد اليوم و الوضع ينتظر المزيد بعد كل تجربة انتخابية ، و الاسباب عديدة سوى كانت سياسية او اجتماعية او ما خلفتها ترسباب التاريخ و ما استقرت عليه العقليات . و بانعدام المعارضة الفعالة ستكون اية تجربة ناقصة و في واقع سياسي تعددي بالذات ، لانها تكون خالية من الراي المختلف و الفكر و المناهج و النظرات المختلفة و المعدومة من الموقف الاخر الضروري في النظام الديموغرافي التعددي .
المجتمع الديموقراطي الرصين يحوي في تركيبته العناصر الهامة لتداول السلطة و يتقبل برحابة الصدر التغييرات اللازمة من اجل التقدم و الاصلاح الواجب للتلائم مع تلك التغييرات . و في نفس الوقت من الواجب على السلطة ان تنظر الى المعارضة كانها المكملة لواجباتها و مقيٍمة لافعالها و مصححة لاخطائها و دافعة لحيويتها من اجل منافستها ، و من غير المعقول النظر الى اية معارضة وطنية حقيقية بعين الازدراء و الاستعلاء و الالغاء لها مهما كانت انواعها سوى كانت معارضة برلمانية او دستورية او شعبية او مؤسساتية او ثورية او سرية ،و لكل منها مساحة خاصة بها و لجميعها التاثيرات المباشرة و الفعالة على العمل السياسي ، و على السلطة تقبلها جميعا . و تختلف قوة و ثقل و تاثير هذه المعارضات من منطقة لاخرى وفق مساحة عملها و كيفية تعاملها مع الواقع و مدى التزامها بالدستور و القوانين الاساسية لاية دولة ، و تكون للمعارضة نظريات و افكار و عناصر عمل هامة و يجب ان يحافظ عليها من قبل الدستور كضمان لبقائها و عدم تعرضها للضغوط . اذن للديموقراطية و المعارضة و نشاتها و عملها علاقات جدلية واضحة ، فهما يكملان بعضهما البعض في الكثير من الاتجاهات ، و تكتمل العملية السياسية بالعناصر الضرورية لتفعيلها بوجود المعارضة في نظام ديموقراطي حقيقي فعال . و يجب ان لا ننسى العوامل الاساسية و الرئيسية لنجاح عمل السلطة في النظام الديموقراطي ، و منها ضمان الحرية المطلوبة للشعب و الحرية في الراي و التعبير و العمل مع المساند المهمة الاخرى التي توفرها الصحافة و الاعلام الحر و العمل المؤسساتي و مشاركة النخب الاساسية و كل الفئات و الشرائح و المثقفين بشكل خاص من اجل ترسيخ ثقافة العمل الديموقراطي و متطلباته ، و هنا سيتوضح لدينا مدى ضرورة المعارضة في النظم الديموقراطية الفتية الموجودة حاليا في منطقة الشرق الاوسط.[1]