*حسني محلي
في ظل غياب الاهتمام العربي والإقليمي بتفاصيل السياسة التركية على الصعيدين الداخلي والخارجي، يشهد الشارع السياسي والإعلامي والشعبي في تركيا نقاشات مثيرة في ما يتعلق بالتغيير المفاجئ في موقف الدولة التركية حيال القضية الكردية بشقيها الداخلي والإقليمي، وبشكل خاص السوري، باعتبار أن وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا هي امتداد لحزب العمال الكردستاني التركي.
بدأت هذه النقاشات عندما ناشد زعيم حزب الحركة القومية دولت باخجلي، قبل أيام، زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوغلان الموجود في السجن منذ 25 عاماً؛ للإعلان عن حل الحزب ودعوة مسلّحيه إلى وقف العمل المسلح ضد تركيا.
وعبّر الرئيس إردوغان عن تأييده موقف باخجلي، وهو شريك له في الحكم بعد أن كان من ألدّ أعدائه عندما كان يتحدث عن الحل السلمي للمشكلة الكردية داعياً إياه إلى إعدام أوغلان.
وجاءت دعوة الرئيس إردوغان لرئيس إقليم كردستان العراق ناتشيروان بارزاني إلى زيارة أنقرة لعدة ساعات (الأربعاء 16/ 10) لتزيد من اهتمام الأوساط الإعلامية والسياسية بعد أن قيل إن إردوغان طلب من بارزاني دعمه لإقناع أوغلان وقيادات العمال الكردستاني الموجودة في شمال العراق بضرورة التنسيق والتعاون مع أنقرة في مساعيها لمعالجة المشكلة الكردية تركياً وسورياً.
ودفع ذلك الإعلام الحكومي إلى الحديث عن سيناريوهات مثيرة في ما يتعلق بالتطورات المحتملة في سوريا مع استمرار التهديدات الإسرائيلية لها ولإيران.
ومن دون أن يهمل هذا الإعلام الحديث عن احتمالات تقسيم سوريا، وهو المبرر الذي قد يكون السبب الرئيسي في انفتاح الدولة التركية على حزب العمال الكردستاني وعبره على الاتحاد الديمقراطي الكردستاتي السوري، وكانت أنقرة على تواصل ساخن مع قياداته للفترة 20/12/2015.
والتقى وزير الخارجية أحمد داود أوغلو آنذاك الرئيس المشترك لالاتحاد الديمقراطي الكردستاني السوري صالح مسلم أكثر من مرة، وسعى لإقناعه للتمرد ضد الدولة السورية واعداً إياه بالحصول على كامل الحقوق للكرد في سوريا الجديدة بعد إسقاط نظام الأسد .
واعترض دولت باخجلي آنذاك على هذا التواصل، وعدّ إلغاءه شرطاً أساسياً لتحالفه مع الرئيس إردوغان بعد انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2015.
وذكّرت الأوساط الإعلامية بخطة الرئيس الراحل تورغوت آوزال إذ أمر في صيف 1991 رئيس أركانه نجيب تورومتاي للتوغل في شمال العراق وضمّه إلى تركيا، بعد أن جاءت قوات التحالف الدولي المسمّاة قوات المطرقة بقيادة امريكا إلى تركيا لحماية كرد العراق، ومنع الجيش العراقي من أي عمل عسكري شمال خط العرض 36.
ورفض تورومتاي آنذاك هذا الطلب بعد أن اعترضت عليه واشنطن، على الرغم من تأييد الزعيمين الكرديين العراقيين مسعود بارزاني وجلال طلباني خطة الرئيس آوزال الذي رفع أيضاً وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي شعار أمة تركية واحدة من الأدرياتيكي إلى حدود الصين لتضم كل الجمهوريات ذات الأصل التركي في القوقاز وآسيا الوسطى، بل وحتى جمهوريات الحكم الذاتي داخل حدود روسيا الفدرالية.
وسعت أنقرة لإحيائها بعد ما يسمّى بالربيع العربي عندما تحدثت الأوساط السياسية عن خريطة الميثاق الوطني لعام 1920وكانت ترى في شمال سوريا والعراق جزءاً من تركيا الحالية.
وعادت الأوساط الإعلامية، وبتوجيهات سياسية، إلى الحديث من جديد عن هذه الخريطة في إطار المساعي الأخيرة للمصالحة مع حزب العمال الكردستاني وذراعه السورية وحدات حماية الشعب الكردية، وهي تحت الحماية الامريكية/الأطلسية في شرق الفرات .
وتتوقع الأوساط المذكورة لأنقرة أن تسعى للحصول على الدعم الامريكي للمصالحة التركية مع العمال الكردستاني؛ استعداداً للمرحلة القادمة في المنطقة، وبشكل خاص في سوريا، التي وضع البعض من أجلها العديد من السيناريوهات وأهمها تقديم كل أنواع الدعم العسكري للنصرة والجماعات المسلحة في الشمال والجنوب السوري، ومطالبتها بشن هجوم شامل ومشترك ضد الدولة السورية بالتزامن مع عمل عسكري إسرائيلي واسع بعد تحقيق المزيد من الانتصارات العملية في لبنان وفلسطين، وبالتالي القيام بعمل عسكري واسع ضد إيران.
وترى الأوساط الإعلامية في كل هذه الأحاديث سبباً كافياً بالنسبة إلى أنقرة حتى تستعجل المصالحة مع العمال الكردستاني، ولو كان ذلك بضوء أخضر امريكي، قد يساهم في المصالحة التركية - الامريكية أيضاً بعد الانتخابات الامريكية الشهر المقبل.
وتتحدث المعلومات عن رسم خريطة جديدة للمنطقة بالتنسيق والتعاون مع أنظمة الخليج، وكل من مصر والأردن على أن يكون ضمان أمن إسرائيل إلى الأبد هو الهدف الأول والأخير لهذه الخريطة، التي تريد لها واشنطن أن تستبعد أي دور روسي وصيني في المنطقة التي تعتقد أنقرة أنها تستطيع، وبرضى امريكي وأطلسي، أن تلعب فيها دوراً مهماً إن لم يكن رئيسياً، وذلك من خلال احتكار الورقة الكردية ولاحقاً الفلسطينية بعد مقتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشهيد يحيى السنوار.
ويرى حزب الشعب الجمهوري الذي لا يعترض من حيث المبدأ على المصالحة مع الكردستاني في كل هذه الأحاديث محاولة من الرئيس إردوغان لكسب تأييد الكرد لمساعيه لتغيير الدستور وضمان انتخابه مرة رابعة في انتخابات 2028 أو قبل ذلك.
ويتخوف الشعب الجمهوري أن تنسف هذه الأحاديث احتمالات المصالحة بين أنقرة ودمشق بانعكاسات ذلك على الحوار والتنسيق التركي-الإيراني بمواجهة التطورات المحتملة في المنطقة مع استمرار سياسات التصعيد الإسرائيلي وفق العقيدة اليهودية التي يتحدث عنها نتنياهو.
وتهدف إلى إقامة دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، وتضم جزءاً من الأناضول التركية، وهو ما أشار إليه إردوغان أكثر من مرة، فيما يتحدث الإعلام الحكومي عن ضرورة التصدي لهذه الأطماع على أن تكون حلب خط الدفاع الأول عن الأمن القومي التركي!
*باحث علاقات دولية ومختصص بالشأن التركي[1]