اوضاع العراق بعد تنفيذ اجندة الادارة الامريكية الجديدة
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 2555 - #12-02-2009# - 09:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
من المؤكد ان اغلبية الشعب العراقي استفاد بشكل كبير من اسقاط النظام الدكتاتوري السابق في العراق على يد الادارة الامريكية الجمهورية ، و في مقدمتهم (الكورد و الشيعة) بشكل خاص ، بعد حكم غير متوازن لاكثر من ثمانية عقود ، مفروضا من دون ارادة الشعب ، و نتيجة انقلابات عسكرية رغما عن مكوناته ، بعيدا عن الحرية و الديموقراطية ، و ما تمثله من حكم الاكثرية ، في ظل انعدام او الغاء المعارضة ، و اهمال الانتقادات و التقييمات لما موجود من نظام الحكم طيل هذه السنين .
بعد التسقيط ، تحرر اقليم كوردستان من الحصارات المتعددة ، الدولية من جهة و من قبل المركز العراقي و دول الاقليم من جهة اخرى ، مما فتحت الابواب امام انتعاش الوضع بعد فتح الطريق للاستثمارات و المشاركة في السلطة المركزية و ادارة البلاد ، و لاول مرة في تاريخ العراق يشارك( الكورد و الشيعة) بشكل حقيقي و بهذا الحجم و بافكار و توجهات مستقلة نابعة من افكارهم في تسيير الحكم .
و على العكس مما جرى في بغداد ، ان حكم الكورد في اقليم كوردستان تراجع بشكل ملحوظ مما كان عليه بعد الانتفاضة عام 1991 و على العكس من التوقعات ، و لم يتم تشخيص نواقصه لايجاد الحلول المناسبة لها ، و لم يعتمد الاقليم على فلسفة معينة التي يؤمن به ، لعدم تثبيت ركائز و عوامل الحكم بشكل علمي ، تفاقم الاشكاليات و الخلل في ادارة الاقليم و سيطرة الحزب على الحكومة بشكل مطلق ، و على العكس مما ادعى البعض ان يعمل لكي يكون الاقليم نموذجا للعراق الجديد و يمكن ان يتعض منه ، فان الوضع السياسي و الامني والاقتصادي تقدم في العراق بخطوات واثقة ، و بقيت الحال في الاقليم تتراوح مكانها .
ان الادار ة الامريكية الجديدة مصرة على سحب قواتها من العراق وفق خطط لتنفيذ ما يهمهم داخليا و الايفاء بالوعود التي قطعوها على نفسهم ، مما بفرض تغييرات تلقائية في التعامل مع قضايا العالم . اما في العراق تبقى الصراعات الحزبية محتدمة و تبقى على حالها ، و كل يستعمل ما لديها لتثبيت ما يفكر فيه ، و ماذا يبقى لدى جميع المكونات من الاوراق ليستغلها في الصراعات ما بعد سحب القوات الامريكية من العراق ، و تغيير المعادلات ، و خاصة في هذا الوقت الذي يحس الجميع بان منحنى العقليات الشوفينية المتطرفة وتنفيذ السياسات والاجندات الخارجية في ارتفاع مستمر، و تتزايد تدخلات الدول و هم منهمكون و يعملون بشكل فعال في تنفيذ الاجندات المتعددة وفق مصالحهم ذات الاتجاهات القومية والدينية والمذهبية . و تظهر في الافق بوادر المتغيرات التي تفرض نفسها على العراق رغما عن ارادة شعوبه و امنيات و اهداف مواطنيه .
من المعلوم ان الادارة الامريكية الجديدة تنظر الى العراق كاحدى القضايا المحورية المهمة ، و لكنها لا تجمع كل قواها و تركيزها في العراق كما فعلت الادارة الجمهورية السابقة ، و هذه النظرة مشابهة لما كانت تنظرها مراحل الحكم العديدة للديموقراطيين سابقا لقضايا العالم ، و المستجد اليوم ، هو تعاملهم مع الارهاب بشكل دبلوماسي بحت ، على العكس من نظرة و فعل الحكم السابق . و هكذا تتعامل الادارة الجديدة مع ملف العراق وكيفية الخروج منه و الايفاء بالوعود دون خسائر محتملة ، و يبدو انها تحاول اشراك الاطراف الاخرى في القضايا العالمية الهامة و خاصة اوربا ، كي لا تبقى لوحدها و تتحمل ما يفرز من الحلول الاحادية ، وانما توزيع المسؤوليات الكبرى تحجم من مساحة الاضرار ان حدثت ، و به تخفف عن نفسها الاثار السلبية من الاخطاء التي اقترفت سابقا و ان حدثت مستقبلا ، و تهتم بشكل اكبر و توجه اهتمامها الى قضاياها الداخلية ، و بالاخص محاولتها التقليل من تبعات الازمة الاقتصادية الثقيلة و ما افرزتها من العواقب السلبية .
و بتغيير السياسة الخارجية للادارة الامريكية الجديدة ، يتغير التوازن و ميازين القوى السياسية العراقية ، وما يفرض تغييرا من المواقف تجاه ما يحدث في الواقع العراقي الجديد ، و به تتغير العقلية السياسية للقوى العراقية ، لكي يكيفوا انفسهم مع المستجدات على الساحة ، و هذا ما يفرضه مصالحهم الذاتية قبل افكارهم.
ان الاشارات الاولية تظهر لنا ان الادارة الجديدة بدات محاولتهاالاولية لاعادة تقييم وضعها الذاتي ، و ايجاد الطرق لبدء السياسات الجديدة من اجل تبييض وتنصيع وجه امريكا في العالم بعدما اصابها الترهل و غطاها دخان الحروب بالسواد لحد اليوم .
و التغييرات التي تحدث وما تؤثر على الوضع العراقي ستنعكس على سائر المجالات ، و ستتحمل السنة الجديدة التغييرات الجذرية بعد عدة عمليات انتخابية و المؤتمرات المنتظرة والتوجهات و الصراعات الحادة و الخلافات حول القضايا المركزية الهامة . و يمكن ان تكون سنة تطبيق القوانين باشراف اكبر سفارة امريكية في العالم ، و بمساعدة منظمات المجتمع المدني التي تهتم بها امريكا في عملها الدبلوماسي من اجل تطبيق اهدافها الاستراتيجية العليا .
و هذا ما يفرض على كافة القوى الموجودة و المكونات الرئيسية ان تعيد حساباتها استنادا على المستجدات العالمية و مؤثراتها على العراق ، و عندئذ يفرز الواقع و يفرق بين من اوفى لوعوده و من نكث به امام المواطن ،و من في مصلحة مستقبل العراق و من يعيش في الماضي .
هذه سنة التقييم للشعب العراقي لكافة الاحزاب و التيارات و من يدير دفة الحكم ، و هو يقيم اداء المؤسسات الحكومية و من على راسها ، و لم يبق حجج للاخفاقات والتلكؤ كما ادعى الفاشلون من قبل ، و انما هي سنة تصفية الحسابات بكل معتى الكلمة.
و كما تقوم الادارة الامريكية الجديدة باعادة تقييم الوضع و ما تفرز من الساحة المستجدة في العراق ، و تتعامل وفق ما تنتجه هذه العمليات في الاوضاع السياسية ، والهدف الاستراتيجي الهام في الفكر و الماكنة و المطبخ السياسي الفكري الامريكي العام ، هو تجسيد الشرق الاوسط الجديد و الاكبر ، و تثبيت ركائز العولمة و الثقافة الراسمالية ، و محاولة تنصيع وجه امريكا لاعادة ثقتها بنفسها و امكانها حكم العالم من جديد ان نجحت في ذلك كما تحاول .
العراق نقطة و منطلق هام لبيان ما تنويه امريكا لمستقبل المنطقة بشكل عام ، و في المقابل ، اي داخليا ، تتوسع الساجة امام المكونات و التركيبات الاجتماعية والسياسية العراقية في الصراع و اعادة التوازن و تنظيم الذات و استحصال القدرة لتثبيت الاجندات و تحقيق الاهداف، و به تتغير مكانة وثقل العديد من الاحزاب و التيارات التي احتكرت الساحة حتى اليوم ، و بعد ذلك ، يفرض الواقع الجديد ما تحقق من الوعود ، و ستظهر النتائج النهائية بالقول والفعل ، حينئذ يتجه الوضع و الواقع الى الاعتقاد بان التصويت و العملية الانتخابية و الديموقراطية بشكل عام ستكون هي العامل الحاسم لافراز و تقييم القوى السياسية بكافة توجهاتها. و هذا ما يجبر كافة الاحزاب العراقية بما فيها ما موجود على الساحة الكوردستانية على اعادة النظر في عملهم ومواقفهم سعيا منهم لما يمكن ان يكونوا في حال يضعهم الشعب في الخانة الايجابية التي تستحق البقاء استنادا على اعمالهم و افعالهم و اهدافهم على الارض ، و الشعب وحده يمكنه ان يقيٌم ما تقدم من الخدمات العامة و السياسات الصحيحة و الاستيفاء بالوعود بالفعل و ليس بالكلام فقط ، و هذا ما يدل على ان السنة ستكون حاسمة للقضايا الكبرى بشكل ملحوظ ، و ستؤدي في النتيجة الى واقع جديد و علاقات سياسية اجتماعية جديدة بين سائر الاطراف ايضا.[1]