سبل استنهاض الشعب العراقي من الاحباط الذي اصابه
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 2540 - #28-01-2009# - 09:00
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
لابد ان نذكر ان ما مرٌ به العراق من الحروب و القهر و الظلم و الغدر جراء تهور قادته و الاخطاء السياسية التي ادت بشكل مباشر الى التخبط في الوضع الاجتماعي السياسي و يمكن اعتباره كاهم الاسباب الذاتية للاحباط الا ان شكل النظام و الدولة و الثقافة العامة للمجتمع و النظام التربوي فضلا عن سلبيات العولمة و خمول و اهمال و تهميش النخبة المثقفة هي من العوامل الموضوعية التي ادت الى تشاؤم افراد الشعب و الاحباط الذي اصابه في الحياة .
ان كانت المراحل السابقة فيها من العوامل المباشرة المؤثرة على حال الافراد و المجتمع و تودي به في اكثر الاحيان و تضعه في حالات الاحباط لا مفر منه ، فان الوضع العام بعد اسقاط الدكتاتورية لم يتغير بشكل مما كان مامولا منه و لاسباب مختلفة عن سابقاتها و لكنها محبطة ايضا .
ان ما نعتقده هو ان المواطن يتفائل او يتشائم او يصاب باحباط لما يقع فيه من الظروف الخاصة من وضعه الثقافي الفكري و الاقتصادي و نظرته الى الحياة و ما يتلمسه في محيطه المعيشي و احساسه بالانتماء الى وطنه و عدم الاحساس بالاغتراب اضافة الى ظروفه العائلية و مستوى تعليمه و علاقاته وحالته النفسية و الاخلاقية .
السؤال المطروح هو من المسؤول عن حالات الاحباط الذي يصاب به، المجتمع نفسه ام النظام السياسي و عدم تعامله مع مجموع الشعب، او انعدام المشاركة في الواجبات العامة و وجود الجدار الفاصل للانتماء ام انتشار الافكار الغيبية و بالاخص الدينية و انتفاء البراغماتية ام ضعف ثقافة التفاؤل بسبب ترسبات التاريخ و ما مرٌ به العراق و المنطقة بشكل عام ، ام حالة الاحباط و التشاؤم او التفاؤل لا يمكن قياسهما بشكل مطلق لكونهما حالات نسبية تختلف من فرد لاخر و من مجتمع لاخر و من نظام لاخر، و لا يمكن ان نصف اي كان بالمتشائم او متفائل بشكل مطلق.
من المعلوم ان التفاؤل يزيل الاحباط ، و انتشار او اكتشاف ثقافة التفاؤل هو ميزة من ميزات المجتمعات و الشعوب و الانظمة المتوازنة التي توفر مساحة واسعة من التوازن و التساوي بين ابناء شعوبهم و هو الدافع القوي للتفاؤل و ليست الدول المتقدمة بحد ذاتها التي يمكن يصاب بالاحباط كما هو حال الدول المتخلفة لكونها لا توفر التوازن و التساوي بين الشعوب وبسبب وجود الفروقات الشاسعة بين افراد المجتمع كما هو حال الدول الراسمالية .
اما دول العالم الثالث فهي الساحة و الوسط الملائم لنشر التشاؤم بما فيها من الانظمة السياسية المعلومة لدى الجميع بخرقها لكافة القوانين و الحقوق الانسانية ، و انعدام الاحساس بالانتماء لدى المواطنين مما يسهل تعرضهم لهذه الحالات .
اما في العراق اليوم بشكل خاص ، كان الشعب يتامل كثيرا بل يتوقع و بشيء كثير من المغالاة لا حدود لها لما يؤول اليه الوضع فيه بعد اسقاط الدكتاتورية ، و ان الاكثرية الفائقة نظرت الى الافق و كأن المنقذ لجميع افراد الشعب و ما هم فيه يظهر في الافق و سوف تنقلب الحالات من الكبت و الاحباط و التشاؤم الى الانفتاح و التفاؤل و من التضييق و الحصار الى الحرية و توفير كافة الوسائل ، و كأن الوضع يحتاج الى عصا سحري فقط و بعده تزول اسباب الاحباط و التشاؤم بشكل مفاجيء و يعيش الشعب بالسعادة و الرفاه و تنقشع الغيوم السوداء . و كما هو حال العراقيين اعتمدوا على العاطفة في تقييم ما يمكن ان يستقر عليه العراق بعد الدكتاتورية و سيطر على استبصارهم و توقعاتهم الغلو و المبالغة و لم يحسب احد مؤثرات التاريخ وما فيه العراق من العادات و التقاليد و الانعزال و انعدام الثقافات التفاؤلية تاريخيا ، و ما فيه الفرد من الخجل و مسيطر عليه الثقافة الغيبية و الدينية التي تعمل للاخرة و تهمل الحياة بما فيها ، و اصطدم الشعب بعد فترة وجيزة بالواقع الجديد من غير ان يتحقق ما حلم به و ما وعدته بعض الجهات ايضا . و لم يحس في وقته بان ما يسمعه و ما يفكر فيه مما يستقر عليه الوضع المعيشي يمكن ان نصفه بالمبالغة الخارجة عن حدها بعينها و لم يقس مدى المغالاة في تحديد الوضع و الواقع الذي يكون فيه العراق بعد التغيير. بعد ان تغير النظام و ما يحسه الشعب خلال هذه المدة من الاحباط لاسبابه المذكورة ، يمكننا ان نفكر و نسال ما الحل اذن؟
بعد ان حددنا الجهات والاسباب الموضوعية و الذاتية التي لها الصلة المباشرة بالوضع الراهن و ما فيه، هناك ما يخص ابناء الشعب من مهام تجاه الدولة و النظام السياسي يجب على كل فرد ادراكه ، هذا اضافة الى النظام التربوي و دور المثقفين و مؤثرات العولمة و التقدم التكنولوجي و الوضع الاقتصادي اضافة الى ما يخص الفرد من عقليته و نظرته الى الحياة و ثقافته و مستوى ارادته و حيويته ، و مدى تفكيره و تاثره بالاسباب و العوامل السلبية لمسيرة حياته .
هذا ان اهملنا اعباء الافكار الغيبية او اعتبرنا ان التخفيف من اثارها السلبية يقع على عاتق الجهات الرسمية و المؤسسات المدنية و الثقافية والعلمية التي تساعد الفرد من التحرر منها.
اهم الخطوات لتخفيف تاثيرات الاحباط الحاصل في العراق مابعد الدكتاتورية يمكن ان تتم بشكل علمي و سلس ، يجب ان تبدا من الدولة و النظام السياسي ونشر ثقافة المشاركة لدى المواطن و الاحساس بالمواطنة و تحمل المسؤولية و توفير الفرص و نشر ثقافة التسامح و التصالح و احترام الاخر و تصقيل مواهب حامليها و التخطيط العلمي والتغيير في النطام التربوي و مشاركة المثقفين و المؤسسات الثقافية في توفير طرق نشر ثقافة التفاؤل و سبل النهوض بالمواطن بشكل جذري اضافة الى تحسين الوضع الاقتصادي العام كشرط رئيسي لتسهيل التغيير المزمع في كينونة الفرد و من ثم المجتمع من خلال المساواة و ضمان الحرية العامة و الديموقراطية و العمل على ضمان العدالة الاجتماعية من اجل العبور الى الضفة الاخرى و بناء بلاد الحضارة والتقدم . و قبل الاعتماد على الدولة يتوقف التفاؤل و النهوض على السعي المتواصل للفرد بنفسه و ارادته لتحقيق امنياته واهدافه و هذا ما يوفر الشرط اللازم لتفاؤله و تمتعه بالسعادة و الفرح في الحياة.[1]