دور القادة في مهزلة السياسة العراقية
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 2404 - #14-09-2008# - 07:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
قبل الخوض في تشخيص السياسة المتبعة و اعمدتها الرئيسية في العراق اليوم ،بعد عقود من الظروف و القواعد و الافكار المفروضة فوقيا و التي يمكن ان نسميها بانعدام الصفة العلمية الحقيقية للسياسة فيها مطلقا ،بل كل ما اتصف به هو حكم عسكري دكتاتوري ينفذ اوامر شخصية مزاجية و هو جاثم على رقاب شعب متعدد الاطياف و كانه الوية و افواج عسكرية تنتشر في ثكنات بالمواصفات و اوضاع عسكرية بحتة و في حالة طواريء طيلة ثلاثة عقود و نصف.
المواطن الذي يتربى و يعيش في هكذا ظروف لابد ان يخزن في داخله ولو بشكل غير مباشر الصفات و الخصائص النابعة منها، و حتما يكون القادة المسيطرون على زمام الامور حاملين لما يفرضه الواقع نسببيا و لك حسب عقليته و مستواه الثقافي و بيئته العائلية و تاريخه و ايمانه او معتقداته الفكرية الايديولوجية ، وهو يدور و يجول في الحلقة المفروغة و المفروضة.
فيما يخص العراق بعد سقوط الدكتاتور، نرى العديد من الاوصاف و الاشكال ما لم نراه قبلا وحتى الان، و هذه تكون حاصل طبيعي لما مرً به الشرق الاوسط بشكل عام و العراق بشكل خاص، وز بدون شك فان السلطة التي تنبت من هذا الواقع تكون رموزها ذو مواصفات تنطبق كليا على ما هو عليه الاوضاع و ما فرضته من التغيرات و ما تمليه الثقافة العامة و نسبة الوعي التي يتصف به الشعب بكافة مكوناته.
فان قرانا الاوضاع من حيث الواقع الاجتماعي و الثقافي و القانوني في العراق اليوم ، نتاكد انه في طور التكوين و في بدايته و لكنه بشكل فوضوي، و لا توجد آفاق لاساس علمي متين لبناء دولة،و يُسمع صراخ المطالبات بالحرية و الديموقراطية و حقوق الانسان و حرية الصحافة و الاعلام و الراي و العقيدة من بعيد جدا دون ان يُرى في الواقع ما يُظهر تطبيق ولو نسبة ضئيلة منها لاسباب عديدة مكشوفة للجميع، الا ان العمل على ازالة المعوقات غير جدي ، و الامور تسير نحو اعادة عجلة الحكم السلطوي المركزي و التفرد حسب المزاجات الى خانته الاولى.
لا ننوي تشخيص الواقع العراقي بشكل مفصل ومن جوانبه المتعددة،و لكن الوضع الاقتصادي البائس في ظل الثروات الهائلة و الواردات المالية الكبرى و كيفية استغلالها و مساحة الفساد المتفشي و الياس المنتشر في عقول و عمل الشباب و المراوحة في كافة المجالات دليل على انه ليست هناك اسس و لا ممارسات عصرية، و القادة المتنفذون وان تشدقوا في خطاباتهم على انهم اصحاب عقل و فكر تقدمي حضاري لبناء العراق الجديد الا انهم في تطبيق افكارهم و ايدولوجياتهم و تطبيقاتهم العملية لا يختلفون بشيء عن ما افرزه التاريخ من القادة المزاجيين و الدكتاتوريين، و لا يمكن ان نشير الى اية انجازات كبيرة في عملهم و لم نر ما يمكن ان يبشر بقدوم التغيير الفعلي في الكيان العراقي نحو التقدم و السلام.
و على الرغم من ان الحقيقة النسبية الكامنة في هذه الصورة التي وصفناها قبلا الا ان الظروف العامة و الواقع بشكل عام و بمجمله لا يظهر تغيير المسار الصحيح لضعف الرؤى الاستراتيجية للقادة العراقيين و عدم قرائتهم للواقع بشكل جيد و اعتمادهم على ما يؤمنون من فكر و عقيدة و ايديولوجية خاصة بشخصهم في تسيير امور الدولة. لقد برزت اجيال عديدة من القادة خلال هذه العهود، كان الجيل القديم من صنع الظروف و الاساليب المتبعة في حينه و بقي منهم لحد اليوم في تصدير ما كان يستند عليه في زمانه و يُحاول بشتى الوسائل و الطرق فرض المنتوجات البالية على الواقع الجديد، و منهم مخضرم في فكره و عمله ، اما ما هو المخيف في الامر ان الاجيال الجديدة من القادة تنفذ ما يؤمنون من الافكار و المعتقدات المنفذة تاريخ انتاجها باساليب متموجة و عتيقة مستغلين الضعف و التاخر في الوعي و مسايرة نمو المجتمعات ، و هؤلاء ربما يشكلون مجموعة متجانسة لضمان مصالحهم المشتركة و يمتلكون سلطة هائلة في السياسة و الحكم، و هذه المجموعات تشكل خطورة كبيرة على مستقبل العراق اكبر من المختفين و حاملي افكار و اساليب البعث، علينا ان نعترف ان هناك من الشخصيات ولو بنسبة قليلة لديهم امكانيات تغيير الاوضاع و اخراج هذا الوضع من مهزلة سياسة المتزمتين و المانعين للتقدم و النمو الطبيعي و لكن الموانع الكبرى التي وضعتها القوى العالمية و الاقليمية و الداخلية ابطات سير القافلة و طغت على الاعمال البناءة التي تؤديها القلة من القادة المتميزين.
منذ اكثر من خمسة اعوام و الوضع العراقي لم يستقر و يعيش الشعب بين فترة و اخرى في نزاعات متعددة معروفة الاسباب و لكن ما يمكن التاكد منه هنا ان القادة التي بامكانهم حل اهذه النزاعات بنصيب كبير في نشوب النزاعات المتكررة ، و كما يقول المثل فاقد الشيء لا يعطيه، من يؤزم الموقف و الوضع لمصالح خاصة كيف له ان يحل الازمات ، فهوؤلاء قدموا ما لديهم من التدخل المباشر او عن طريق المناورات و التشويهات خدمة كبيرة لنشوب فتيل الحروب و افتعال الازمات.
و هناك جيل اخر مشبع بروح الثار و الانتقام و متحفظ لكل ما يمكنه تسوية الامور و هو ملتزم بتنفيذ اجندات المتعددة، و هناك من الاطراف التي تقدم اغراءات لهذا الجيل و لمصالحهم الضيقة، و تستغل جهات دولية الصدمة المعنوية و الفكرية و العقلية التي تعرض له الشعب ليستحوذوا على مقود تسيير امور الدولة و لضمان استغلالها في المستقبل، و كل هذا على حساب الشعب و مصالحه و بالاخص طبقته الكادحة ، و اليوم نشاهد ان بعض الدول استولى بشكل ملحوظ على العمل الاستراتيجي السياسي للسلطة في العراق ، و لم ينفذ امر دون اذن مسبق منه ، و تعزز هذه الدولة او تلك نفوذها الدائم و تقويها من خلال هذه الماساة التي يمر بها الشعب العراقي و المسبب الرئيسي فيه هو قادته الضعفاء في الفكر و الراي و العقلية و انعدام الالية المناسبة لتنفيذ السلطات و الحكم.
مع كل هذه الفوضى العارمة و التخبط في سير الامور ، هناك ايضا ايدي خارجية منفذة بذاتها للاجندة المخابراتية ، و لا يوجد من القادة من يردعها في القول و العمل، بل كا ما يحاول المتنفذون هو تلطيف السياسة الخارجية و يصل في بعض الاحيان الى الاستجداء في الدبلوماسية الحقيقية لضعفهم على الارض و الوضع الداخلي.
نصل الى نتيجة واقعية بعد قرائتنا للوضع وهو ان سيطرة القائد الاوحد قد فشل بشكل ذريع من قبل ، و اليوم الاحزاب التقليدية و القادة المصلحيين اصحاب العقليات القديمة فشلوا ايضا، و لم يبق اما تصحيح المسار الا وضع اللبنة الاولى لحكم المؤسسات بعيدا عن القائد الشرقي الكاريزمي ذو المواصفات الشمولية، و تعزيز الوضع الداخلي لا يتم الا بعقليات متفتحة واعية تقدمية و حكم جماعي في ظل الحرية و الديموقراطية و سلطة القانون، اما الوسيلة التي يمكن اتباعها في استلام الايدي التقدمية الخيرة لادارة المؤسسات و محاولة ترسيخها و تجسيد المباديء الانسانية هي اتحاد النخبة المتميزة مع توجيه الشعب لفرض ارادته الحقيقيةبوسائل عصرية.[1]