لماذا التمييز بين البشر على اي اساس كان؟
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 2388 - #29-08-2008# - 04:24
المحور: حقوق الانسان
ظهرت نتيجة الابحاث العلمية اراء دقيقة و واضحة و موثقة بدلائل لا تقبل الشك لكيفية نشوء الانسان و كيفية تطوره في تاريخه و ما المتغيرات الحاصلة في كينونته و تركيبه و ما المؤثرات الفعالة على حياته و مكوناته . الفروقات الظاهرة على بني البشر من حيث الاصل و البشرة و اللغة و الفكر و العقائد و الاديان و المذاهب منها ذاتية بايولوجية بحتة و تحت تاثير التغيرات البنيوية و منها مظهرية و المسبب الرئيسي فيها هو البيئة و منها تكون مكتسبة نتيجة التعامل و الاختلاط و منها مصطنعة لاسباب اخرى لا علاقة لها بالانسان و منها من صنع فكر و ايدي الانسان لحالات ضرورية او استجابة لحاجات ملحة ، و منها ما حدثت نتيجة صدفة او يمكن ان نسميها الطفرة او المفاجئة في الحدوث و التكوين.
ان ما نريد التوصل اليه في وضع الانسان في الوقت الحاضر هو معيشته في التعقيدات الحياتية التي لم تكن لها وجود في العهود الاولى من نشوء الانسان و تطوره و انما التكاثر و الازدياد العددي بموازات ازدياد الحاجات و الضرورات الحياتية هو الذي فرض التغيرات .
ان ما نشاهده اليوم من التمييز بين البشر ليس نتيجة التطور الطبيعي للانسان على قدر ما هو متكون من الافرازات الجانبية و الهوامش في سير عملية تنظيم الحياة، اي عملية غير اساسية، و العوامل المؤدية الى ذلك شاذة و لا يدخل في قافلة الضرورات الاساسية في رحلة تطور البشر و في طريقه الى الزوال مهما بلغ الامر ، و هو ما يحتاج الى الوقت و اعادة توازن القوى الفكرية الانسانية و الخروج من الحالة الطارئة الجارية على بني البشر في العالم ، و خلق طور متخلخل من سير رحلة الانسان في هذه المرحلة. و التعمق في ما عليه البشر من الحالة اللامستقرة و هو ما يغدو اشكالية اليوم و يدخل في تحليله و بيان اسبابه و طرح المعالجات لاعادة القطار الى سكته ، و النمط المعيشي البشري اصبح اكثر الحاحا لاعادته الى و ضعه الصحيح و التطور الطبيعي يفرض كل ما هو صحيح و حق، لان هواجس الانسان السوي و مخاوفه من ما هو عليه البشرية تفرض بناء الالية و الطريقة السوية لاقتراب من التساوي و عدم التمييز في النهاية . فان كان بعض اسس التمييز الظاهر بين البشر من نتاج العقل الذي صاغ تصوراته عن الواقع و ما يكون عليه و ما يجب ان يكون دون تدخل القوى الخارقة التي يدعيها المثاليون ، فبالعقل و تصحيح المسار يمكن ان يُزال اسباب التمييز بين البشر ايضا .
فان كان لون البشرة هو المسبب الرئيسي للتمييز فانه عمل و نتيجة غير اصيلة لان لون البشرة كما معلوم نتيجة طبيعية لتاثيرات البيئة و التكيف مع الوسط و التطور عند التكيف و الاختلاط و الاقتراب بين مكونات بيئتين تُظهر الفروقات بشكل واضح و هو ما يثير الفكر السطحي و ليس المتعمق في ماهية الانسان ، و هذا امر طبيعي لان التطور في البنى الفوقية للمناطق التي يظهر التمييز لم يصل الى حال يُعتمد عليها، و هكذا بالنسبة الى اللغة و العادات و التقاليد و الاديان و المذاهب التي هي نتاج الواقع و تفكير الانسان دون ان تصل الى نتيجة العقلانية في بيئة عديمة الوسائل و الاليات الفكرية العملية .
و اخر العوامل التي تستند عليها البشر في التمييز بين البشر هو السياسة و الايديولوجيا و العقائد و الافكار الانسانية ، و التمسك بالمواقف و الاراء و تكرار ما هو في مصلحة مجموعة دون اخرى، و عدم اللجوء الى ما هو خير للناس جميعا و مُزيل للتمييز الذي هو القيم العليا الانسانية كالعدل و المساواة و خير البشرية ، و الشرائع التي تُنشر و هي من صنع الانسان و ناتج لفكره و ليس نتاج تطور واقعي محدد ولم يُكرس قيما اخلاقية هامة في خدمة الانسان مما يؤدي في النهاية الى التمييز، و الصيرورة الواقعية الى جانب الفكر الانساني هي التي حددت نشوء الافكار و الايديولوجيات و الاديان في اكثر الاحيان مما حدى بالفروقات بين البشر الى التزايد ، بالاضافة الى نشوء الشرائع التي تحدد نشوء الفكر كنتاج و فعل العقل البشري . و في المقابل ان عمل و فعل العقل البشري ايضا هو محدد الافكار و التصورات و القوانين الواقعية التي يمكن ان نسميها الدنيوية الخيرة التي تبعد التمييز في الاتجاه الاخر ، و هو الاتجاه و الفكر العلماني الذي يعتمد على الفكر و الواقع في تحديد قوانين مسيرة الحياة السلمية.
و يوما بعد اخر يُثبت علميا و واقعيا صحة الافكار في العمل على المساواة بين البشرو على العكس منافكار ذات نزعات ماضوية و مثالية او خيالية التي تفرض نفسها بقوة و سطوة على الواقع و ينتج منها التمييز الكبيربين المؤيد و الضد و تحاول بشتى الطرق فرض نفسها و تتكيف مع الواقع على حساب مجموعة غير راضية و به يتكون التمييز بين من مع او من ضد، اما الافكار الواقعية العلمانية تتعامل بنص و الية رفض ما هو خيالي بعيد عن الواقع الملموس و يتقبل التجديد، اي العلمانية التقدمية، و هنا نتاكد ان بزوال المسببات الفكرية نخطوا الخطوة الاولى في طريق ازالة التمييز بين البشر لاي سبب كان.[1]