استمرارتغيير الاداء السياسي و بقاء نزعة الغاء و تسقيط الاخر لدى القوى العراقية
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 2384 - #25-08-2008# - 08:09
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
المظهر العام لملامح التركيبة السياسية العراقية معلومة للجميع منذ سقوط الدكتاتور ، و ان كنا دقيقين في تقييمنا لما يجري داخليا في العراق كعمل و فكر و تطبيق للقوى و التيارات السياسية العريقة و الحديثة من جهة و الواقع غير المستقر و ما نراه من خلط كبير للافكار و التوجهات و الاعتقادات و الثقافات من جهة اخرى ، نشاهد التغييرات المستمرة في الافعال و الاقوال ومحاولة جميع القوى السياسية على فرض اراداتها الفكرية و الايديولوجية على الشارع العراقي بكافة الوسائل المتاحة القانونية و التشريعية او سريا مستغلين التخلخل في الاوضاع و الظروف الاقتصادية الاجتماعية التي يعيش فيه المجتمع العراقي، و تتدخل كافة القوى بلا استثناء في شؤون الانسان الخاصة لكسبه و سحبه الى ما يؤمنون به سلميا كانت او بضغوطات سياسية اقتصادية اجتماعية.
منذ اللحظات الاولى بعد السقوط طُرح على الساحة العراقية الكم الكبير من التوجهات و الافكار و برزت العديد من التيارات و الاحزاب و القوى و تدخًل كل من كان له نية في فرض راي و قصد معين على الساحة و الشعب العراقي، و سيطرت الفوضى على كل ما جرى من كافة النواحي الفكرية و التنظيمية و الاعلامية ، و تجمع العديد من القادة الذين سمحت لهم الفرصة للعودة من ثكناتهم و بعض منهم من نضالاتهم من خارج البلاد كي يحصلوا على ما كانوا يعتقدون انهم قادرون عليه، وبعد كل يوم بانت ظواهر و اشكال جديدة و اختفت ما كانت موجودة اخرى الى ان استقر الوضع لحد ما على مجموعة من المكونات تقريبا و تمكنت بشكل عفوي من استغلال عواطف عامة الشعب و بمساندة و اجندة خارجية او داخلية ، الى ان تقلصت التركيبات الاساسية و بقت الجهات المتنفذة المستندة على التاريخ و الوضع الاجتماعي مسيطرة لفترة معينة، و استهلت القوى اعمالها بتصفية الحسابات بين شرائح و طوائف الشعب ، و من ثم بدات التحالفات السياسية و لعبت دورها المحصصاتي في السلطة معتمدة على المحسوبية و المنسوبية في كل مؤسسات الدولة.
دخلت جميع القوى الى الانتخابات العامة على هيئة تحالفات و ائتلافات طائفية قومية مسيطرة و ليبرالية علمانية ضعيفة كما ظهرت عند فرز النتائج الانتخابية لعوامل عديدة و مختلفة اجتماعية و ثقافية و اقتصادية بحتة، المصالح الذاتية الحزبية بدات تطفوا الى السطح مع مرور الزمن و بانت الخلافات داخل الكتل السياسية و انسحبت احزاب من الحكومة و الائتلافات و ظهرت مواقف سياسية متعددة حسب افكار و عقائد كل قوة او تيار و اتجهت المسيرة نحو ظهور الخلافات و الصراعات الشديدة حتى بين القوى في الطائفة الواحدة و المنتمية الى الائتلاف الواحد ، و كانت هناك دائما قوى تعتمد على التوسط اي الوسطية في بيان ارائها و مواقفها و كانت هذه من مصلحتها بالاضافة الى المعتدلين وكل حسب امكانيته، و بقوا في الميدان و اشتدت الصراعات.
و بعد فوران الطبخ السياسي المستمر كان هناك دائما العمل على التغيير في المواقف السياسية لتتلائم مع المستجدات البارزة على السطح في كل لحظة، و مرت الايام استنادا على التوافقات السياسية في كل صغيرة و كبيرة ، و شمًر كل طرف عصاه السياسي و بدات الدورة الثانية من التحالفات السياسية لمختلف القوى و من مختلف الاطياف و الشرائح ، و كانت همزة الوصل المصلحة الحزبية فقط، وبعد كل فترة و اخرى انفكت التحالفات بشكل بطيء و بمرور الزمن و لم تبق منها الا القليل ، و انبثقت تيارات و اتجاهات و كتل سياسية جديدة و هكذا، و بعد تحسن الوضع الامني شيئا فشيئا دخلت عوامل اخرى في عمل القوى السياسية و ابتدات الاسئثار بالسلطة و ملذاتها المحور المركزي لبيان المواقف السياسية لجميع القوى، و كانت جميع القوى و التيارات تحمل في كيانها مجموعة من المعتقدات و تحمل نزعات عديدة و من اخطرها الغاء و تسقيط و تدمير الاخر و التغييرات السياسية كانت تنبع من افكارها و قرائاتها للواقع السياسي و التغييرات الحاصلة فيه، و به حملت القوى نزعات التغيير استنادا على ما كانت تؤمن به من الناحية الفكرية العقيدية الذاتية و يجبرها على العمل على الارض و ليس من خضم التغيرات نفسها ، و عملت على اجراء تغييراتها السياسية و تنوع مواقفها ازاء الحوادث و المظاهر و الاعمال السياسية التنفيذية و التشريعية من خلفياتها العقيدية فقط و لم تنظر الى الواقع و ما عليه.
وتبين من التغيرات و الانقلابات في مواقف القوى ، ان هناك نزعات قوية متخلخلة في كيانها و مستقرة فيها و في عقليتها و هي التغيير المستمر و عدم الثبوت على حالات او اطار معين في اعمالها السياسية ، وفي المقابل شاهدنا مواقف سياسية بالضد تماما من عقائد بعض القوى و هذا ما فرضتها المستحدثات و ما تطلبتها السيطرة على العوائق ، و انها كانت دائما في محاولة وضع اللبنة الاولى من عمل و الية معينة لتحقيق اهدافها و ينتظر ما يتمخض من الوضع السياسي المتهيج بعد حقبة طويلة من القهر و الكبت.
و نظرا لما هو عليه الواقع من الوضع السياسي الثقافي الاقتصادي الاجتماعي من عدم الثبوت و بروز الحوادث و الظواهر و المظاهر المختلفة من عهد لاخر و عدم التدرج في التقدم و العمل في كافة النواحي و حدوث الطفرات العديدة احيانا و كما كان تاريخ العراق، لابد ان يكون الاداء السياسي مرآة لما هو عليه المجتمع و ما يتميز به من الخصائص، فالنزعات التغييرية و الانقلابية الكاملة في الاداء السياسي و العمل التنفيذي و تطبيق الافكار و الغاء المقابل كانت الدليل و المرشد لعمل القوى،و لابد ان نشير ان اكثرية القوى حاملة لنفس المواصفات ، اي ان تحليل الوضع السياسي لا ياتي بنتائج مضبوطة و لن تُقرا ا و تُستقرا الاوضاع المستقبلية بشكل واضح، و في حالة فيهكذا مجتمعات و ما انبثقت منها القوى و الاحزاب السياسية و التيارات و ما تؤديها من الواجبات المبدئية لتحقيق الاهداف العامة او الخاصة لاي منها العمل و التحليل اصعب مما يُتصور، و ما نشاهده و نتلمسه يوميا من افعال القوى لامر طبيعي و ثمرة ما هم عليه و ما هو المجتمع عليه، و يدخل في هذا المضمار العامل النفسي و التراكمات التاريخية الموروثة و العادات و التقفاليد و خصائص المجتمع، و في مقدمة الصفات التي يتمتع بها المجتمع و الشعب العراقي بشكل عام هي العاطفة المسيطرة على العقلانية في الاداء السياسي الاجتماعي و يختلط بها في اكثر الاحيان التشدد و التطرف .
من الملاحظ ان استمرار تغيير الاداء السياسي للقوى السياسية يكون حسب ما تقتضيه الظروف ، في الوقت الذي تلقى المزايدات السياسية رواجا كاملا لدى الكل في زمن تحتاج اليه القوى لاهداف حزبية انتخابية صرفة، تدخل القوى في حين اخر في اتفاقيات و تحالفات مع القوى التي كانت حتى الامس القريب تتزايد عليها في الاخلاص و الايمان بمستقبل الشعب و من ضمنها الاهداف العامة، و المعلوم ان التغيير لم يحصل عند طرف معين دون اخر اي لم نشهد الثبات على استراتيجية معينة تخص العراق بشكل عام لدى اية قوى، و المؤكد ان اي عمل لدى اية جهة لا تكون من قبل القياة و تصرفاته فقط و انما تمتد الى الاسفل في الكيانات ، فان الفكر و التكتيك السياسي الحزبي يُطبق في كافة اركان الجهات على حد سواء ، اي يعمم الراي على المؤسسات و الفروع التابعة لتلك الجهات و تبدا الصراعات على شكل واسع و بكل الوسائل الاعلامية و الجماهيرية و التنظيمية ، و هكذا نشاهد التغييرات المستمرة و في بعض الاحيان الانقلابية بين ليلة و ضحاها ، و هذا ما يضر بالمواطن و تفكيره و عقلية المجتمع . و لم يتوقف التغيير على المواقف النظرية فقط و انما حتى الية عمل الجهات تجري عليها التغييرات الجذرية و فق ما تؤول اليه الظروف الجديدة في اكثر الاحيان و لاسباب حزبية يومية اما الاصلاح و محاربة الفساد ليس في جدول اعمال الاحزاب المتنفذة التي هي لها يد في هذا المضمار و الاعمال ، و لكون التغييرات فوقية و ليست اعتمادا على الانتقادات و تقييمات اعضاء الاحزاب و المواطنين فليست لصالح العام بل لتثبيت الركائز الحزبية و تقويتها و من اجل النجاح و النصر في الصراعات اللامبدئية مع الاخر و من اجل ازاحة و الغاء الاخر و الانفراد في السلطة و الحكم ، و على الاقل تهميش الاخر ، و هذا ما نراه من ان الوضع يتجه نحو تقليص التعددية و تضييق في حرية التعبير و الراي، و ربما سيصل الوضع الى سيطرة عدد معين من القوى المتقاربة من بعضها على زمام الامور و سيحصل ما لا يكون على البال.
المشكلة الرئيسية التي نحن بصدد ذكرها نتيجة طبيعية للاداء السياسي المتغير باستمرار او هو تنفيذ و تطبيق فكرة تدمير الاخر و تسقيط جهة لاخرى لانتاج تيارات خاصة لتسلم السلطة و السيطرة على الوضع العام بمختلف الطرق ، سواء كان التخويف و الفزع او معتمدين على الصفات الشخصية العراقية او استغلال السلوك المتبع مخابراتيا نتيجة الصفة العدوانية المزروعة في كيان الفرد كما فرضت فوقيا في الحقبات السابقة و توارثتها و التصق بها البعض و استمرت القوى الجديدة على نفس النهج ، و ان كانت طبيعة الشخصية العراقية متقلبة من حقبة او عهد لاخر من العدوانية الى المسالمة بحد ذاتها و هذا كله حسب مؤثرات الظروف الاجتماعية السياسية الاقتصادية، و هذا ما يؤخذ على الكيانات السياسية العراقية التي تهتم بنفسها و مكتسباتها الحزبية بعيدا عن شخصية المواطن و الاهداف الانسانية التي من الواجب الاهتمام بها و هو كيان انساني قبل ان تكون شخصية سياسية ايديولوجية ، و للاسف لحد اليوم لم نر التغييرات الحاصلة من هذا النوع فقط في اداء الاحزاب السياسية و ان جل اعمالها ليست لصالح الفرد او المواطن بشكل خاص و المصالح العليا للشعب بشكل عام.[1]