تاملات سطحية يسارية في الشرق الاوسط
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 2383 - #24-08-2008# - 11:33
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
ان لم نعد كثيرا الى الوراء فاننا نعلم قبل و حتى منتصف القرن التاسع عشر كان الشرق الاوسط يعيش تحت تاثير الايديولوجية الدينية فقط بعد ان سيطر الفكر المثالي بشكل كامل على هذه المنطقة التي هي منبع بروز الروحانيات و الاديان، و تكونت طبقات متعددة متداخلة من البرجوازية الى البروليتارية اضافة الى الطبقات الوسطى من الموظفين و الكسبة و البرجوازيين الصغار و الفلاحين و غيرهم. بعد انبثاق افكار عديدة حداثوية تدريجيا في المنطقة كالشيوعية او الاشتراكية كانت لها تاثير مباشر و سريع على الافكار و الاوضاع العامة ، مما ظهرت تيارات تجديدية متعددة الاتجاهات من الدينية الى العلمانية و نتجت عنها العلاقات الجديدة المتعددة المتباينة من النواحي الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و كانت لها تاثير عميق و مباشر على طبيعة المجتمع و معيشته و تقاليده و عاداته و كيفية تسيير مشوار حياته بشكل تام .
بدات الصراعات القوية المؤثرة على حياة الشعوب في المنطقة بين التيارات الفكرية المتعددة و منها القديمة التي لها الجذور الراسخة ولها عمقها في المجتمع و منها التيارات الدينية ، و بعد اكمال الركائز الاساسية للافكار الجديدة ظهرت ابعادها و تكونت امامها عوائق عديدة في نشر ما لم يكن موجودا في المنطقة من قبل و كالعادة و اعتمادا على طبيعة البشر بدات محاربة الجديد و كانت للتعصب و الواقع الثقافي الفكري الثابت دور بارز في بيان و اظهار تيارات هامشية كالقومية المتشددة و كرد فعل على الافكار الجديدة هذا بالاضافة الى التيارات الدينية المعادية دائما الى الافكار التجددية الحداثوية، و بسطت هذه التيارات الشاذة سيطرتها تقريبا على الساحة المشرقية، بين كل تلك الافكار المتعددة و خضم هذه الاختلاطات جاء التيار الماركسي و اليساري بشكل عام و كان في اوج تقدمه في العالم في حينه،و هذالا يعني ان هذه التيارات كان لها دور بارز على الساحة و اخفت اخرى من الوجود، بل كان لكل منها علاقات جدلية مباشرة مع بعضها ، و برز من كل تيار رواد و مبشرين و علماء من النخبة التي اثرت بشكل واضح على سير الحياة في المجتمع و مستواه الاجتماعي الثقافي الاقتصادي، و الاهم هنا الذي يمكن ان يُذكر ان الصراعات انتجت الكثير من الثمار التي اقتطفتها الشعوب في النهاية و كان التطور هدف الجميع و من اجل خدمة الجميع، و المهم و المفيد ذكره دائما هو ان النخبة هي التي انتجت الخميرة التي اختمرت بها الافكار العديدة و الواقعية التقدمية و كنتيجة لاحتكاكات دائمية مع العالم و المفكرين شتى و تلائمها مع الواقع، و للكتب المنورة دور فعال لتثقيف الاجيال في حينه على الرغم من انها كانت قليلة و نادرة نسبة الى اليوم ، و لكن تاثيراتها كانت اكبر من الناتج الضخم للعديد من الكتب التي تصدر في هذه الحقبة، الملاحظ ان بعض الافكار اكتسحت الساحة و كانت مستوردة دون النظر الى الواقع الاجتماعي الاقتصادي و بعضها اتقرضت و اختفت كليا او جزئيا دون اي تاثير يُذكر و عادت بعض منها الى الظهور في فترات متعاقبة و متلاحقة و في عهود اخرى، و منها لم تلاق رواجا و بقيت محصورة في مواقع ضيقة ليست لها تاثير على المجتمع بشكل عام، ومن الافكار التي شهدت انتشارا ملحوظا بعد الايديولوجية الدينية المسيطرة منذ قرون هي الاشتراكية التي ترافقت مع التغيرات التي حصلت في الشرق الاوسط من البنى الاجتماعية و السياسيةو التغيرات في مكانة الدول عالميا و مرت الافكار المتصارعة في مراحل انحصار عديدة و اختفت بعضها تماما و ظهرت فيما بعد بعض ملامحها ، و الجدير بالذكر ان الافكار و الايديولوجيات التي سيطرت احدثت اهتزازا في البنى الاجتماعية و الاقتصادية للبلدان ، و على العكس فيما هو عليه اليوم فالافكار المتعددة تظهر و تاثيراتها لم تظهر الى العيان في وقتها و ربما تظهر بعد مدة طويلة او لا.
كما ذكرنا سابقا،المنطقة كانت منبع الاديان و لابد ان تكون هناك ردود افعال للافكار غير الدينية التي تكتسح المكان و بالعكس ايضا، و للاديان تاثيرات مباشرة تشريعية اجتماعية اقتصادية ثقافية على حياة المجتمع و لها التاثير العام على اخلاق الفرد و المجتمع ككل ، و على الرغم من الفروقات الواضحة بين الاديان الا انها جميعا لها قواسم مشتركة عائقة للافكار العلمانية و تمنع انتشارها بسهولة و ان كانتبعض من هذه الافكار حقيقية و صحيحة المغزى و المباديء، بمعنى ان الاديان في حقبات عديدة هي التي حددت خضوع الايديولوجيا للسياسة ، اي بشكل اوضح ان السياسة و الديانة او الايديولوجيا كانتا تعبيرين لاساس واحد و عبرت عن نفسها كحركة اجتماعية سياسية ، و كانت لها تاثير و فعلت فعلتها كما ارادت و صعبت الطريق امام الافكار الاخرى في المقابل ، و خاصة فيما يخص عامة الناس التي يؤثرعليها شغف العيش و لم تفكر بعمق فيما اذا كانت هناك افكار و ايديولوجيات اخرى اصح ام لا، هنا لم نذكر النخبة على الرغم من ان تاثيرات الايديولوجيات الدينية في الكثير من الاحيان كانت واضحة على الثقافة بشكل عام .
لابد ان نذكر هنا على الرغم من سيطرة الافكار المثالية و الاديان بشكل خاص في هذه المنطقة الا اننا لو تعمقنا فيما عاش الانسان و العلاقات الاجتماعية الموجودة في الحقب المتعددة نلمس الكثير من المباديء اليسارية الواقعية في الشرق الاوسط حتى قبل ان تاتي الاشتراكية و اليسارية كافكار و تنتشر بشكل عام في المنطقة ، التعاون و العمل المشترك و كفاح ضد المستبدين و عمل الفقراء و الصراعات الكبيرة مع الافكار و العقليات الظالمة المصلحية و محاولة العيش الامين و التساوي وتحقيق العدالة الاجتماعية تحت اية مسميات كانت لها حظور و لو باشكال و تعابير اخرى . نستنتج مما سبق ان اليسارية كانت موجودة في المنطقة و ترسخت و صقلت في العديد من العهود و هناك ارضية خصبة مناسبة في الكثير من المناطق لبروز و سيطرة هذا الفكر بشكل و اقعي و يكون في خدمة الاكثرية. و بمجيء هذا الفكر نظريا من قبل المفكرين و المتعايشين في البلدان التي انتجت البنى الاساسية للاشتراكية كفرنسا و عودتهم الى هذه المنطقة بدات ملامح الفكر اليساري يدخل في ثنايا الحياة السياسية و الاجتماعية او اعيدت اليها و اثرت بشكل عميق على الاوضاع و اثبتت صحتها على الرغم من العوائق المتعددة من قبل الافكار الاخرى، و لحد اليوم نحس بان الارضية المناسبة و الواقع الملائم لخدمة الاكثرية المظلومة والفقيرة المعدمة لازالت موجودة و الواقع يزكي العمل و الفكر الملائم في كل زمان و مكان.[1]