نادين ماينزا: وجود إدارة تعددية على الحدود قد يحسّن علاقة تركيا مع مواطنيها
تحدثت السيدة نادين ماينزا، رئيسة الأمانة العامة للحريات الدينية الدولية IRF))، والرئيسة السابقة للجنة الأمريكية للحريات الدينية الدولية (USCIRF)، ل DeFacto عن رؤيتها بخصوص بدء حوار بين تركيا والكرد في سوريا، وأسباب فشل مشاريع الحل السابقة، وعوامل نجاح أي تفاهم جديد.
ما أسباب فشل مشروع الحوار بين تركيا والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا عام 2019؟
أحد الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة في عام 2019 كان محاولة الفصل بين عداء تركيا لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا من جهة، وإنكار تركيا للحقوق المدنية والإنسانية الأساسية لسكانها من الكرد والصراع المسلح مع حزب العمال الكردستاني الذي نتج عن هذا الإنكار من جهة أخرى.
وتجاهل صنّاع السياسات الأميركيون، آنذاك، مؤشرات على احتمال تقارب بين موقف أردوغان والدعوات الكردية، وكذلك إشارات من حزب العمال الكردستاني حول استعداده لعملية سلام جديدة.
كان من الممكن أن يساعد هذا في تجنب الغزو التركي لشمالي سوريا، والذي كانت له تداعيات أمنية سلبية على تركيا وشمال شرقي سوريا وإقليم كردستان العراق.
كيف يمكن استخلاص الدروس من الأخطاء السابقة لتجنب تكرارها؟ وما الآليات المحتملة لتحقيق نجاح الآن؟
اليوم، لا يمكن البناء على المواقف السابقة للتوصل إلى حل مستدام لشمال شرقي سوريا دون تغيير جذري في موقف تركيا تجاه حقوق الكرد وحكمهم الذاتي. إن إطلاق عملية سلام جديدة هو السبيل الأفضل لتحقيق ذلك.
بعد أن قضيت أسبوعاً في شمال شرق سوريا، لمستُ تفاؤلاً حذراً على الأرض تجاه استئناف الحوار بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني، ففي 22 تشرين الأول/أكتوبر، ألمح حليف أردوغان، دولت بهجلي، إلى احتمال دعوة زعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل عبد الله أوجلان للظهور في البرلمان. ثم في 24 من الشهر ذاته، سُمح لأوجلان بالتحدث إلى عائلته، بعد 43 شهراً من العزلة دون تواصل مع العالم الخارجي، وأصدر رسالة قال فيها إنه يمتلك “القدرة النظرية والعملية لتحريك هذا المسار من أرضية الصراع والعنف إلى الأرضية القانونية والسياسية”.
لكن بين هذين الحدثين في 23 تشرين الأول/أكتوبر، ولسوء الحظ، وقع هجوم إرهابي على شركة صناعات الفضاء التركية في أنقرة أسفر عن مقتل خمسة أشخاص وإصابة 20 شخصاً، وأنا أدين بشدة هذا الهجوم وأقدم تعازيَّ لعائلات القتلى وأتمنى الشفاء للمصابين.
كان هذا محبطاً للغاية بعد أسبوع من الإشارات المشجعة على أن كلا الطرفين يرغب في حوار يقود إلى السلام. وفي 23 و24 تشرين الأول/أكتوبر، استهدفت تركيا المدنيين وبنيتهم التحتية في شمالي سوريا وشمالي العراق، ما أسفر عن مقتل 12 شخصاً، بينهم طفلان، وإصابة 25 آخرين.
وقد دمّرت الهجمات منازل وأفران وصوامع للقمح ومراكز طبية ومحطات كهرباء ومنشآت نفطية وغيرها من البنى التحتية المدنية. استهداف المدنيين وبنيتهم التحتية هو “جريمة حرب” ولا ينبغي للمجتمع الدولي السماح بها.
لكن آمل أن يستمر الحوار، رغم التطورات السلبية.
ما المتوقَّع من سياسة الولايات المتحدة بشأن هذه القضية؟ هل يمكن أن تكون راعية رسمية، تشرف وتشارك بنشاط في التفاصيل، أم أنها ستلعب فقط دوراً مشجعاً؟
يجب على الولايات المتحدة رعاية المفاوضات والمشاركة فيها بشكل نشط، مع تشجيع تركيا على الحوار. بدا في السنوات القليلة الماضية أن حاجة الولايات المتحدة لتحقيق انتصارات دبلوماسية قصيرة المدى مع تركيا قد فاقت سعيها لتحقيق سلام واستقرار طويل الأمد في المنطقة. ويجب على الولايات المتحدة أن تأخذ في الاعتبار التأثيرات طويلة الأمد لحل المسألة الكردية على المنطقة ككل، فهذا الأمر أكثر أهمية من قضايا أخرى تحظى باهتمام أكبر منها.
من المهم أن نلاحظ أن المسيحيين السريان-الآشوريين-الكلدان، والإيزيديين، والأقليات الدينية والعرقية الأخرى قد تأثروا بالصراع على نحو متفاوت، حيث تم إفراغ القرى الآشورية التاريخية، وتم استهداف موطن الإيزيديين في سنجار. ومن شأن السلام أن يزيد من فرص بقاء هذه الأقليات الدينية والعرقية في أوطانها التاريخية.
إلى أي مدى تفصل الولايات المتحدة قضية الحوار الكرد السوريين مع تركيا عن حزب العمال الكردستاني؟ هل من الممكن تحقيق نجاح في هذا الإطار دون إشراك حزب العمال الكردستاني؟
النزاع الرئيسي لأردوغان هو مع كرد تركيا، سواء حزب العمال الكردستاني أو أولئك الذين لا يدعمون أجندته السياسية، فيتهمهم أيضاً بأنهم من حزب العمال الكردستاني. والهجمات التركية على شمال شرق سوريا كانت بذريعة أن جميع سكان المنطقة البالغ عددهم 4 ملايين شخص هم أعضاء في حزب العمال الكردستاني، وهذا بالطبع غير دقيق.
في نيسان/أبريل الماضي، قدمت شهادتي أمام جلسة استماع للجنة “توم لانتوس لحقوق الإنسان” في الكونغرس حول وضع حقوق الإنسان في تركيا، إلى جانب خبيرين آخرين. كان هناك نمط واضح لأردوغان في اتهام معارضيه السياسيين بأنهم إرهابيون، يتهم الكرد بأنهم من حزب العمال الكردستاني، والأتراك بأنهم من أتباع غولن. وما يفعله في شمال شرق سوريا يتماشى مع هذا النمط.
هل هناك مخاوف من تحول شمال وشرق سوريا إلى بيروت أو غزة أخرى إذا لم يبدأ حوار تركي-كردي في سوريا؟
نظراً لأن تركيا سُمح لها باستهداف المدنيين والبنية التحتية في شمال وشرق سوريا دون عقاب، وكان الاهتمام من وسائل الإعلام والمجتمع الدولي قليلاً، نعم هناك خوف من أن هذا العنف من تركيا سيزداد سوءاً دون حوار يسعى لتحقيق السلام.
من المهم فهم أن سكان شمال وشرق سوريا يعملون على بناء مجتمع شامل ومتماسك. فبعد تحرير قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المناطق من سيطرة تنظيم داعش، كانت تمكّن المجتمعات المحلية، حتى في المناطق العربية، لإقامة أشكال حكم محلي ذاتي ينتج عنه أفضل ظروف لحرية الأديان في المنطقة، وتشغل فيها النساء نصف المناصب القيادية.
هم يقومون بمكافحة التطرف من خلال بناء حكومة شاملة تعطي الأقليات تمثيلاً زائداً، حتى أنهم اعتمدوا ثلاث لغات رسمية هي العربية والكردية والسريانية. هذ في وقت ينمو فيه التطرف في أجزاء من أفريقيا وآسيا، نجد أن الظروف في شمال وشرق سوريا تتحسن. هذا النموذج من الحكم القاعدي قد وفّر مرونة مدهشة رغم التحديات العديدة، وهناك الكثير مما يمكننا تعلمه منهم.
هل يمكن أن تلعب أربيل/ هولير دور وسيط، نظراً لعلاقتها مع الطرفين الحكومة التركية والكرد في سوريا، ما يجعلها فاعلاً مستقراً؟
يمكن، ويجب على أربيل أن تكون رائدة في أي جهود لتعزيز السلام في أجزاء أخرى من كردستان، كما كانت في السابق. لا ينبغي أن ننسى أن قادة كردستان العراق مثل مسعود بارزاني وجلال طالباني لعبوا أدواراً مهمة في المفاوضات السابقة بين تركيا وحزب العمال الكردستاني.
إن إقليم كردستان، حيث انتقل الكرد من الاضطرار لحمل السلاح للدفاع عن أنفسهم ضد نظام صدام إلى قيادة الجزء الأكثر استقراراً وأمناً وازدهاراً في العراق، هو مثال على النتائج الممكنة للكرد في سوريا وتركيا.
كيف يمكن أن ينتج الحوار بين كرد سوريا وتركيا، بالإضافة لاستقرار شمالي سوريا، عوامل استقرار في كردستان العراق؟
في الأساس تكون جميع المناطق الكردية في أقوى حالاتها عندما يعمل الكرد معاً. لا ننسى أنه في ذروة الحرب ضد “داعش”، عندما كانت قوات البيشمركه ووحدات حماية الشعب (YPG) ووحدات حماية المرأة (YPJ)، وحزب العمال الكردستاني (PKK) تقاتل معاً في الخطوط الأمامية، اجتمع المجتمع الدولي بأسره لدعم تطلعات الكرد، لأنهم رأوا في القوى الكردية الموحدة ضماناً للاستقرار والأمن الإقليمي.
والآن، إذا تمكن الكرد من التوحد لتعزيز السلام والدبلوماسية، قد يؤدي ذلك إلى كسب دعم دولي أكبر ضد التهديدات المتزايدة لاستقلال الكرد من قبل الحكومة المركزية العراقية وإيران وتركيا.
ما الخيارات المتاحة للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا إذا رفضت تركيا أي حوار؟ هل ينبغي عليهم التوجه إلى دمشق وتقديم التنازلات مثلاً؟
إذا تعثر الحوار بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، يجب على الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) السعي إلى حوار منفصل مع تركيا، برعاية ووساطة من الولايات المتحدة.
بالطبع سيكون ذلك أكثر فعالية لو يتم السلام بين تركيا وسكانها الكرد، لكن في النهاية، هم كيانات منفصلة بأهداف مختلفة، ويمكنهم السعي لسلام رغم أن أي صراع مستمر بين تركيا وحزب العمال الكردستاني سيزيد من الضغط على العلاقة بين الجانبين.
بخصوص دمشق، يبدو أنها حتى الآن رفضت أي محادثات محتملة مع الإدارة الذاتية، ما يجعل الخيارات قليلة إذا كانت تركيا غير مستعدة للعمل نحو السلام. ربما تدرك تركيا أن الإدارة الذاتية، وحتى الكرد في تركيا، قد يضطرون للتفكير في التحالف مع طرف آخر بدافع اليأس، وهو ما قد يشكل تهديداً لقوة تركيا في المنطقة. في الحقيقة هي أن اتفاقية السلام تصب في مصلحة جميع الأطراف.
ألمحت تصريحات من قوات سوريا الديمقراطية إلى أن الولايات المتحدة قد تنسحب من سوريا بحلول العام 2026. ألا يزيد هذا من مخاطر هجمات أنقرة ودمشق، ويشكل تهديداً لأمن السكان؟
لقد أشارت الولايات المتحدة إلى رغبتها في البقاء في سوريا، ولسبب وجيه، قبل كل شيء هناك 12 ألف مقاتل من “داعش“ في سجون مؤقتة، و40 ألف من أفراد عائلات “داعش” لا يزالون في مخيم “الهول”.
ونظراً لأن النظام السوري لن يقبل بال 16 ألف منهم، الذين ينحدرون من منطقته، مع ال 6,300 مقاتل أجنبي لم تطالب بهم بلدانهم، فلن يُخلى المخيم في أي وقت قريب.
ومن المحتمل أن يهرب هؤلاء إذا انسحبت الولايات المتحدة وهاجمت تركيا، حيث ستصبح قوات سوريا الديمقراطية مشغولة بحماية نفسها. ستكون العواقب كارثية على المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن المناطق التي تحتلها تركيا في سوريا تشهد ظروفاً مروعة لحقوق الإنسان وحرية الدين، مشابهة للظروف التي كانت تحت حكم “خلافة داعش”. إذا كانت هذه إشارة إلى ما يمكن أن تبدو عليه المنطقة بأسرها تحت السيطرة التركية، فيجب على المجتمع الدولي أن يقلق.
وفي شباط/فبراير، أصدرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية تقريراً من 74 صفحة يوثق “الاختطافات والاعتقالات التعسفية والاحتجاز غير القانوني والعنف الجنسي والتعذيب” في هذه المناطق.
كما أن الانسحاب الأميركي سيمنح إيران الممر البري الذي ترغب به عبر سوريا، لنقل الأسلحة والمخدرات والميليشيات، وهو ما يتعارض مع مصالح الولايات المتحدة.
إن وجود حكومة ذاتية متعددة الأديان والأعراق على حدود تركيا الجنوبية قد يساعد في تعزيز علاقتها مع سكانها الكرد وتقوية اقتصادها.
من المهم ملاحظة أن الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا لا ترغب في الاستقلال، بل أن تكون جزءاً من دولة سورية مستقبلية. يمكنهم الاستمرار في تحسين حكمهم، والعناية بثلث سوريا، حتى تتحسن الأوضاع في باقي البلاد، وربما تدرك أطراف الصراع يوماً ما قرار الأمم المتحدة رقم 2254.
الإدارة الذاتية هي النقطة المضيئة الوحيدة في سوريا، ويجب أن نبني على هذا النجاح، حتى لو واجهنا صعوبة في تصنيفها.[1]