ما السرُّ في نجاح الإدارة الذاتية الديمقراطية..؟
حزب الشهداء …مسيرة كفاح
دوست ميرخان
أمام الإخفاقات الكبرى والهزائم التي منيت بها قوى الشر بكل شرورها، وبما رُصدت لها عسكرياً ومالياً وسياسياً اقليمياً ودولياً، وما تحققت من انتصارات ونجاحات على الجانب الآخر استنهضت بها الآمال والتطلعات ولفتت أنظار العالم الحر الديمقراطي، ينبئ بحقيقة ما، وهي الماهية التي انطلقت منها الإدارة الذاتية الديمقراطية على أساسها الإدارة الذاتية الديمقراطية.
يُعد مبدأ التعايش السلمي أو ” أخوَّة الشعوب” ظاهرة ثقافية تميزت بها أقاليم الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال سوريا، كيف طُوِّرَ هذا المبدأ.. وأصبح سبيلاً أساسياً وركيزة من ركائز نموذج الإدارة الذاتية ومكنهم من الحفاظ على وحدة النسيج السوري عموماً في شمال البلاد غير الخاضع لسيطرة الاحتلال التركي وجماعاته الإرهابية المسلحة المكتنزة بالأحقاد والضغائن، وفي الوقت الذي كانت مكنة الإعلام السلطوي تعمل على تغذية النعرات والصراعات الأثنية والمذهبية والدينية في المنطقة عموماً.
إن مبدأ التعايش السلمي ميلٌ فطري يُولد مع الإنسان حيث يميل بطبيعته إلى العيش ضمن الجماعة” الإنسان كائن اجتماعي”، ويتطور هذا الميل بشكلٍ موضوعي وطبيعي بكل سلاسة وفي انسجام تام ما لم يطرأ عليه تشويش خارجي ويخضع لمؤثرات غير سوية تطغى على حالته الطبيعية الأولية.
الحقيقة التاريخية هي إن البشر تعايشوا مع بعضهم البعض لعقودٍ طويلة من الزمن بالرغم من اختلاف عقائدهم وألوانهم وأجناسهم وهذه ضرورة حياتية لا يستغني عنها البشر في أي زمان ومكان.
لكن طغت الكثير من التأثيرات على هذه العلاقة الأزلية مع ظهور وتصاعد الحداثة بكل كياناتها وأدواتها، وعلى الرغم من اسلوب الخداع والمكر والعنف الذي استخدمته قوى الحداثة الرأسمالية في اخضاع الشعوب والأقوام التي كانت تتعايش بكل سلام ووئام، إلا أنها لم تتمكن من استعباد هذه الجماعات وإخضاعها تحت نيّر استبداد سلطتها الفكرية القائمة على مبدأ الفوقية والدونية” الطبقية” بين أبناء الجنس البشري وتمييزهم بفوارقٍ عرقية ومذهبية ودينية وجنسية… مستندين على نظريات وتعاليمٍ أسسوا لها فكرياً بكل دقة واحتراف.
وما نراه اليوم من صراعات وأزمات وحروب نجد أنها تتمة لصراع فرض السلطة والهيمنة، بالمقابل لم تنل ملوك الصراع وأدواتهم من تلك الإرادة التي لا زالت تقاوم وبكل قيمها الإنسانية الأزلية فكر الحداثة وجبروت طغيانها.
حقيقة الصراع القائم في سوريا جزءٌ وتتمة لذاك الصراع، كما المقاومة المعاصرة التي نراها أيضاً في سوريا جزء لا يتجزأ من تلك المقاومة.
مع تجدد الصراع في سوريا أي الأزمة التي نتعايشها منذ ثماني سنوات، صعَّدت قوى الإرادة والتعايش الإنساني أيضاً من وتيرة مقاومتها وتجلت هذه المقاومة بأرقى صورها في شمال وشرق سوريا حيث البنية الفكرية لهذه الإرادة كانت مشتعلة تحت الرماد.
الحرب والحصار والتهديد والترهيب لم تثنيها عن مسارها واستطاعت النهوض مجدداً لتبدد غمائم الحداثة، تلك الغمائم التي لم تتمكن من حجب شعاع الحقيقة الإنسانية وهي إننا خلقنا لنتعايش معاً على اختلاف لغاتنا وثقافتنا ودياناتنا وكون ما يجمعنا هي قيمنا الإنسانية التي لا تقبل التغيير والاضمحلال وتقاوم كل شاذ مخالف لها.
من هذه الحقيقة بدأت الإدارة الذاتية الديمقراطية مسيرة مقاومة لاتزال في أوج تصاعدها وباستنادها على نظرية وفكر الأمة الديمقراطية تمكنت من ترسيخ ثقافة التعايش السلمي في ظل التعددية الثقافية والاثنية والدينية والسياسية لمنطقة لم تكن أبداً ذات لونٍ واحد بل كانت السمة التي تميزها هي التعددية المنسجمة بين كافة مكوناتها.
لقد تمكنت الإدارة الذاتية الديمقراطية وخلال فترة زمنية قصيرة وفي ظل حربٍ وصراعٍ لا هوادة فيه من التأسيس والنهوض بمبدأ التعايش بين جميع الأطياف المختلفة والتي لبت دعوة الإدارة وفكرها في إطار من العدل والمساواة وفي الحقوق والواجبات.
الرؤية الصائبة التي بنيت عليها الإدارة الذاتية الديمقراطية وهي إن التعايش السلمي ومبدأ التآخي ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها هي سرُّ نجاحها في شمال وشرق سوريا، كون نظرية السلطة المبنية على الصراع في جوهرها أي إن القوة السلطوية هي التي عليها أن تسري وبالتالي البقاء للأقوى بطشاً ودماراً وبالنتيجة نهاية التنوع والتعدد والاختلاف أي طمس كل معالم التعايش السلمي.[1]