الإعلام الديمقراطي والآخر التحريضي
رحلة إلى الوجع الكردي
“إعلامٌ ينشرُ صورةً لمقاتلٍ وهو يحاول إنقاذَ طفلة، وفي مشهد آخر مقاتلة تُقبِّلُ أيدي امرأة مُسِنَّةٍ وتحضنها، وفي نفس التوقيت ينشر إعلامٌ آخر خبراً عن اجتماع لمن يدعون بالمثقفين المستقلين وهم يتآمرون على هذا المقاتل وعلى تلك المقاتلة، وعلم الأعداء يرفرف فوق رؤوسهم…”.
للإعلام أهمية حيوية في الحياة ولا غنى عنه, وهذه الحاجة تنبع من قدرة وسائل الإعلام على تقديم إعلام مرئي ومسموع جاد للمواطن وبِلُغات عدة، والقدرة على منافسة وسائل إعلام تحريضية (والتي غالباً ما تكون قوية).
الإعلام الديمقراطي؛ هذا النوع من الإعلام يقوي التلاحم الوطني بين مكونات المجتمع المختلفة وينشر ثقافة الحوار ويزيد من فرصة التعلم من الآخر، ويساهم في تحقيق الاندماج المجتمعي ويملك القدرة على تمثيل الاتجاهات المختلفة داخل المجتمع؛ فكلما شعرت الشعوب والمكونات بمشهد الاعلام الديمقراطي زادت توحدهم وتصاعدت قدرتهم على اتخاذ القرارات التي تحقق المصلحة العامة. لكن للأسف؛ إن تجربة الإعلام الديمقراطي لم تصل بعد إلى المستوى التي تتيح له توجيه الجمهور ولا تتناسب والتعامل مع التجربة الديمقراطية.
بالمقابل تحولت بعض وسائل الإعلام إلى منابر تمارس التحريض لخدمة أجندات سياسية, تحت غطاء حرية التعبير وقد كشف هذا الإعلام عن رسائله التحريضية متخذاً من الخطاب القومي والعاطفي وسيلة للوصول إلى شرائح واسعة نظراً لطبيعة مجتمعات المنطقة العاطفية، وخاصة طبيعة المجتمع الكردي الذي يتأثر بشكل سريع وعفوي بسحر الخطاب القومي والذي يقف وراءه أجندات سياسية، وقد وجد هذا النوع من الإعلام ضالته في الأزمة التي تجتاح المنطقة، وبإمكاننا القول أنه نجح في تحقيق مآربه في الأزمة السورية أمام ضعف ووهن الإعلام الديمقراطي.
هذا وقد انقسم الإعلام في ظل الأزمة التي حاقت بسوريا إلى أنواع مختلفة منها: الإعلام الديمقراطي, والإعلام التحريضي, والإعلام الحكومي, والإعلام الحزبي إلى جانب ما يسمى بالإعلام المستقل وغيره.
بالمحصلة, وفي ظل المشهد الإعلامي الحالي تصبح المنابر الإعلامية ضرورة مُلحَّة؛ فهي تمنح فرصة لتبادل الآراء وتعزيز الحجج القوية وبلورتها؛ فوسائل الإعلام هي شريان الحياة الديمقراطية بحيث يمكن أن تؤدي وظيفتها الرقابية على جميع المستويات, ومن الضروري أن تكون وسائل الإعلام بمثابة منبر لمناقشة المشاكل الاجتماعية ووضعها في الوقت المناسب على جدول أجنداتها.
لابد من التذكير أنه في كل مجتمع هناك مجموعة ذات أهداف واحتياجات وأيديولوجيات مختلفة وحتى تستطيع وسائل الإعلام أن تمثل المجتمع بتنوعه فأنه لابد أن تتيح لكل هذه الاتجاهات فرصة الوصول إلى الجماهير وأن تعرض وتنشر أفكارها وأن تساهم في تحقيق الوحدة الاجتماعية.
في راهننا؛ يستحيل أن يحقق الإعلام أهدافه على مستوى التفاعل مع التجربة الديمقراطية ولا على مستوى خلق رأي عام لصالح أحزاب معينة، ولا على مستوى التحريض فهذا الاختلاف والانقسام والتشتت أفقدت الرسالة الإعلامية مصداقيتها.[1]