جوهر الحماية كامنٌ في قسد
سيدار رمو
عندما تخرج ليلاً إلى الأحياء والشوارع الحية والرئيسية في مدن روج آفا والشمال السوري، تصادفك حواجز متنقلة، يقف فيها رجال ونساء متقدمين في السن وآخرون شباب، على ظهورهم بندقية كلاشنكوف (روسية كما هو شائع ومتداول شعبياً)، ويرتدون ذاك اللباس الذي يمارسون به حياتهم اليومية، وفوقه سترة خضراء اللون عفنية (باللون العسكري المتعارف عليه في جميع بلدان العالم) تحمل إشارة تِرس تتوسطه نصف شمس وكلمة (HPC) أسفلها، وهي اختصار ل(قوات حماية المجتمع).
هي مؤسسة مدنية عسكرية تأخذ على عاتقها مهمة حفظ الأمن داخل المدن بجانب قوات الأمن الداخلي، بالإضافة إلى كل مناسبة وفعالية مجتمعية وعلى رأسها مراسيم الشهداء، التظاهرات والمسيرات السلمية.
هؤلاء عندما تسألهم عن سبب تواجدهم بين صفوف هذه القوات يردون، بأن أبناءنا في جبهات القتال يقارعون الإرهاب وهم يحمون ظهورهم في الداخل، فالداخل أيضاً يحتاج إلى الحماية والعناية مثلما الحدود والتخوم، لا سيما وأن المنطقة تعيش حالة من تفشي الإرهاب خصوصاً مع هزيمة داعش التي امتدت خلافتها المزعومة بين سوريا والعراق ودحر هذا التنظيم في آخر معاقله بسوريا على يد قوات سوريا الديمقراطية التي تجسد المعنى الحقيقي للحماية المجتمعية النابعة من جوهر المقاتل ضمن هذه القوات، ووطنية صرفة تدفعه ليصبح درعاً واقياً لأهله وعموم ملته والملل الأخرى ليتصدى من خلاله للإرهاب و وحشيته، فحماية الوطن والأرض تعني درء الخطر والدفاع المستميت عنهما، ثم الانطلاق إلى وجهات أخرى ومسارات تهيئ الأرضية اللازمة لنشر الديمقراطية والتعددية وذلك بعد التخلص من تبعات المركزية التي تقوم على أساسها الأنظمة القوموية التي تمارس سياساتها المجحفة بحق المواطن وتقصيه من جميع مناحي الحياة السياسية وتفرض عليه قيوداً في هذا المنحى.
لكن إذا ما نظرنا إلى التضحيات الجسام التي قدمتها قوات سوريا الديمقراطية في دحر الإرهاب وإنهاء رجسه المستنكر من على الأرض السورية، نجد وبشهادة العالم أجمع أنه إنجاز بطولي أرقى بكثير من مفاهيم العنصرية والتطهير العرقي التي ادعتها بعض الجهات على قسد، وإذا ما عدنا إلى داعش الذي تحاربه قسد في آخر معاقله نجد أنه هو الذي أقام خلافته -الوشيكة على الانهيار الجغرافي التام- على التطهير العرقي وثقافات أخرى تجسد أبشع صور الإرهاب في مثال الأيزيديين الذين ارتكب داعش بحقهم أقسى المجازر، وأشد العذابات، وأذاق النساء الأيزيديات اللواتي سباهن طعم المرارة والإهانة، واحتقرهن ومرغ كرامتهن في الطين عندما جعلهن رقيق لديه.
فيما قسد تحارب بشكل رحيم معتمداً على المبادئ الإنسانية في سبيل تخليص شعوب المنطقة من الإرهاب، فمقاتلي قسد في عمليات إجلاء عوائل داعش تعاملوا معهم بكل احترام على الرغم من أن هؤلاء الدواعش سابقاً قطعوا رؤوس مقاتلي قسد الذين اعتقلوا، ومثلوا بجثث الكثير من المقاتلين ومع ذلك كان المقاتلون يساعدونهم بسبب العقيدة والأخلاق الحميدة التي يتصفون بها، ولو عدنا إلى مصدر هذه العقيدة لوجدنا أنها قائمة على أساس فكرة الدفاع الذاتي الذي تطور شيئاً فشيئاً حتى وصلنا إلى قسد الحالية والتي ستكون أفضل نواة لجيش سوريا مستقبلاً مستندين في ذلك على ما قدموه من تضحيات وبطولات عظيمة لتخليصِ شعوبٍ بأكملها من تنظيمٍ متطرفٍ كان يصبو إلى نشر فكره الأسود، والقضاء على التطور الحاصل في المفاهيم إلى جانب التطور المادي.[1]