لن نكون هذه المرة ضحيّة الصفقات الدولية
هل سيتكرر (سيناريو) #عفرين# في (شرقي) الفرات؟
الذي سمّى غزوته بسيف الفرات؛ لم يَعْتَبِر مما حصل في التاريخ؛ في تاريخ منطقتنا. فكل غزوة جرت وكل منطقة فتحت بحد السيف لم تَجْرر إلّا المزيد من المآسي، وخلقت كل شيء سوى الأمن والاستقرار والتعايش المشترك.
وأمّا الذي حصل ما بعد تلك الغزوات والنتيجة التي تحصّلت فكانت التشوهات أو التركيبات الممزوجة ما بين القديم الأصيل والحديث الغازي؛ لا الأصل انمحى؛ ولا نتيجة حاسمة حصلت بفعل الغزوة، إنما المزج الممزوج: المسخ. وهذه الغزوة؛ غزوة سيف الفرات؛ نموذج مكرر عما فعله هولاكو وتيمور لنك؛ ومن قبلهما ومن بعدهما. أما الوريث الشرعي للهولاكيّة والنازيّة أردوغان ومرتزقته الذي/ الذين أظهروا للعالم كله وقالوا لهم: نتنازل لكم عن كل شيء ونستدير ونزحف ونقفز في سبيل أن لا يكون للحل الديمقراطي حديث ومجرى ووجود وبالتالي ضمان أن لا يكون للكردي وجود؛ بخاصة أنه بات أشبه بالمُسَلّمة أن حل القضية الكردية مفتاح دمقرطة الشرق الأوسط. إنه أسلوب الصهر والإبادة الذي أوصل بهؤلاء أن يضعوا (حلّاً مسخاً) على طريقة نقض الفرض الذي لا يمكن نقضه حتى فيما لو يخضع لبعد الفراغ أو الإفراغ؛ الشمس موجودة وموجود أبنائها، وسيبقون حتى تنطفئ الشمس من غير قابلية للنور. حينما تتنكر لكرديتك فأعلم أنه لا قضية كردية ستكون. اختزال للإنسانية على وقع طعنات السيف ومشاريع سوداء تتمرغ فيها إرادة الشعوب وتُقْتلع، وعنوان غير قابل للمهادنة من أقذر حلف في العصر الحديث عصابات محلية سورية وإقليمية وعالمية يقودوهم كبير العصابة أردوغان؛ يقودهم إلى الحتف والهاوية. حتى لو حدث احتلالٍ؛ فإنه المؤقت. وعموماً هذا هو المشهد السوري بغالبه باستثناء روج آفا وشمال سوريا، ولأنه الاستثناء فكان منطق الغزوة مُصَوَّباً عليه طيلة خمس سنوات ماضية؛ وستبقى الصفقات (شغّالة) بغية إفشاله، وما الإطلالات الأخيرة لمرتزقة كبير العصابة تأكيد على ذلك.
من غير الإنصاف أن نقول بأن نموذج الدولة القومية فشل في الشرق الأوسط؛ إذْ هل يمكن الحديث عن شيء لم يكن موجوداً بالأساس؟ عن شيء لم يستطع أن يكون سوى شكلاً هشّاً على الرغم بكل الدعم الخارجي الممنوح له من قبل نظام/ أنظمة الهيمنة؟ سؤال في ذمة شعوب المنطقة وطلائعها الثورية وحركات حريتها، وهي الأخيرة؛ الوحيدة/ التي تتهيأ أن تقف وحيدة مرة أخرى ولن تكون الأخيرة.
الجهل؛ الاستعلاء؛ الرغبة؛ منطق العصابة. رباعية تقف كَمُفَسِّرٍ بأن طريق الديمقراطية مسدود في الشرق الأوسط؛ يُضاف إليه خاصية القوقعة حينما يكون قيادة التغيير الديمقراطي في الشرق الأوسط عن طريق حركة الحرية الكردستانية ونظرية الأمة الديمقراطية لفيلسوف الشرق الأوسط السجين الأكثر حرية عبدالله أوجلان.
ومع مزيد من الصراحة؛ المنعطفات أقلَّها تطلب التصارح الذي يمثل بحد ذاته مصالحة مع النفس؛ مصالحة مع الآخرين؛ ربما لعدم أو صعوبة امكانية التلاقي مرة أخرى وربما لأنها الامكانية نحو حتميّة التلاقي. أربعة قرون مستمرة مرّت على الشرق الأوسط وفق مشروع العثمانية وسقط المشروع ومرَض رجله وهو اليوم يعاني من مرض أخطر يشهد فيه زواله فيما لو أصرّ أن التاريخ يبدأ من موقعة مرج دابق بعد كل هذا الدبق الذي ناله وبرز منه؛ أبرزها الداعشية التي ستتماهى وتصبح باهتة وتظهر مرة أخرى فيما لو لم يكن نهوضاً مزلزلاً للمشروع الديمقراطي. أي المشروع التركي بلونه العثماني الأخضر قد فشل، وفشل بلونه الأبيض القومي العلماني الذي نتأت منه الدولة القومية التركية قبل حوالي المئة عام، ويفشل اليوم بلونه الأخضر المكتسح بسواد أعلام التنظيمات الإرهابية الوجه الصريح للعثمانيتين: القديمة الزائلة والحديثة التي تزول. المشروع الفارسي الذي زامن زمن الهيمنة على مقدّرات الشرق الأوسط؛ إنْ مع العثمانية أو غيرها وكان على طول الخط من أشد الأعداء لها، وتكرست تناقضات تاريخية ما بينهما بشكل مخصوص، أما الاتفاقات التي تتحصل فمردُّها الاتفاق على الخطوة الأولى فقط (أن لا يكون للكرد قائمة)؛ لكنها لا تكفي أن تستمر كي تصطدم بعراقيل كثيرة منها القومي ومنها الطائفي. المشروع الإيراني الفارسي بهدف خط حرير فارسي لا يكتب له النجاح بل يكتب له الفشل؛ فلا أساس له إنما التناقضات التي تخلفها تؤكد عدم ديمومتها ونكوصها الدائمي. أما المشروع العربي فظهر بقوة مع الإسلام وأفسدته السلطة ومتناحرات الصراع على السلطة التي استجرت معها زمن خمسة عشر قرناً، والقومية العربية في القرن العشرين بدولها الإثني وعشرين دولة كانت أمامها فرصة ليست بالهيّنة كي تقود نحو شرق أوسط آمن؛ لكن لم تستطع أن تنجز أكثر من الترك والفرس، وأن أغلب الأنظمة العربية كانت أكثر استبداداً على شعوبها والشعوب المقسمّة عليها؛ من حيث أن فكرة الدولة القومية لا علاقة للشعب العربي بها وأيضاً بعموم شعوب المنطقة في استحداثها. الذي يرجع إلى مطلع القرن الفائت لن يجد كلمة عربية وجدت إنما تم إلصاقها بصفة الدولة/ الجمهوريات؛ فكان كمن نصب الفخ لنفسه أولاً؛ وحدث الذي نراه يحدث الآن. عموم الأنظمة العربية مارست عبر انموذج الدولة القومية التي بلغت اثني وعشرين دولة حجزاً لمجتمعاتها وشعوبها وأسست لأرضية الانقسام والتفتيت. نموذج الدولة القومية والأنظمة الاستبدادية التي حكمت –منها باِسم العلمانية- مارست حالات متقدمة من الصهر والإبادة وتطبيق مشاريع استثنائية كانت شوفينية وأول من خسر من تطبيقها الشعب العربي وليس الكرد وحدهم؛ العربي الذي جرى كل شيء باِسمه وخلقت أنظمة الاستبداد له عدداً من الأعداء الوهميين؛ من بينهم الكرد (الانفصاليين)؛ ولم يكن الكرد منذ نشوئهم أنْ كانوا قوة منظمة عدوة للشعوب الأخرى؛ إنما على العكس قاموا بأدوار نفخر بها حتى اليوم مع مختلف الشعوب الأخرى التي تشكل حقيقة الشرق الأوسط. والنتيجة؛ عربياً: الديمقراطية في اسرائيل –لا يهم الدرجة التي وصلت إليها- لكنها هي التي غلبت استبدادية الأنظمة العربية، والأخيرة هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن حالة الشعب العربي المتأخر.
أي نظام يتاح له فرصة الحل يجب أن يقوم بمحاسبة أيديولوجية قويمة لمسائل القوموية والدينوية والجنسوية والعلموية؛ وهذا هو أساس المشروع الكردي وهذا ما هو عازم عليه في قيادة التغيير الديمقراطي مع كافة القوى الديمقراطية في الشرق الأوسط؛ نحو الشرق الأوسط الديمقراطي؛ بمزيد من خطوات الأمن والاستقرار والتنمية والمصالحة الشاملة.
من المؤكد بأن تركيا لا ترضيها أن ينكسر شوكة التوحش وتسقط عاصمة داعش على يد مرأة ثائرة تقود أكثر من ثلاثين ألف مقاتل في الرقة؛ اليوم (محاسبة جنسوية متقدمة) تُضاف إلى نظام –بكل ما تعنيه من كلمة ومقصد مجتمعي- نظام الرئاسة المشتركة للمرأة في جميع المؤسسات والهيئات واللجان والمجالس والكومينات (أصغر خلية منتظمة).
من المؤكد أن أصحاب نظرية الاستعلاء القومي لا ينتمون إلى أن يكون الكردي إلى جانب العربي وكليهما إلى جانب السرياني والآشوري والتركماني يقودون حراكاً سياسياً ويقودون نموذجاً سياسياً تثبت لحظات الأزمة السورية التي طالت وتطول بأنها الحل، نموذج الفيدرالية الديمقراطية لشمال سوريا هو الحل الديمقراطي للأزمة السورية. يحسبها أردوغان كنموذج لرموز الدولتية التركياتية الفاشية بأن ضربتين على الرأس موجعة (إقليم كردستان العراق، فيدرالية شمال سوريا) وكما يحسبها سينكسر ظهره فيما حدث ذلك في باكوري/ شمال كردستان وأيضاً في شرقها. الالحاح على الجدران ليس سوى استجلاب الموت خنقاً، أمّا جدران أردوغان الرهيب فهي خنق لتركيا، والتاريخ لا يكذب إنما المستقبل يَصدقَه.
لا مساحة في المشروع الكردي (الأمة الديمقراطية) لأنْ يكون هناك استئصال لدين أو عقيدة أو طائفة. صلاة العيد الذي صلّاه المجلس التنفيذي لكانتون #كوباني# في مسجده قبيل وقوعه فترة تحت سيطرة داعش؛ رسالة إلى العالم الإسلامي بأن أصحاب المشروع الديمقراطي هم مسلمون أيضاً، ورفع الصلبان على كنيسة تل تمر وما قبلها في سري كانييه/ رأس العين تأكيد على أحقية الدين المسيحي وأن أصحاب المشروع الديمقراطي هم مسيحيون أيضاً، أما تحرير شنكال/ سنجار فهو استماتة أصحاب المشروع الديمقراطي على الدفاع عن الدين اليزيدي وما الذين استشهدوا في قوة تلك الحقيقة هم مسلمون. من المؤكد بأن المتيّمين بفتاوي –على سبيل المثال- ابن تيمية (الكردي الأصل) ستقلقهم حقيقة مشروع الكرد الديمقراطي الذي ينتمي إلى حقيقة تاريخ الشرق الأوسط وليس إلى فتاويه؛ هكذا نفكر، ولأننا نفكر هكذا؛ فاحتمالات النصر أو النصر (yan serkeftin yan serkeftin) هي المرجحة الملموسة.
لأن حقيقة المشروع الديمقراطي كذلك ولأنه تمّ تعريفه بشكل حضاري أُنسيٌّ في حقيقة المخرج من الأزمة السورية- أم الأزمات في الشرق الأوسط- أي محاربة الإرهاب وكيفية تحقيق التغيير الديمقراطي؛ لأنها الحقيقة كذلك وجدنا أنفسنا في تحالف مع التحالف الدولي بقيادة أمريكا ومنسقيّن مع الروس قبل سيلان لعابهم أمام التنازلات التركية للدولة وليس للجمعية الخيرية الروسية، ولأننا كذلك لن نتأثر كثيراً إذا ما وجدنا أنفسنا وحيدين مع القوى الديمقراطية والمجتمعية من شعوب شمال سوريا وجه لوجه مع العثمانية الجديدة التي تحالفت مع أنظمة الاستبداد ضد المشروع الديمقراطي؛ أيّاً تكن هذه الأنظمة. ولكن هذه المرة لن نكون ضحيّة الصفقات الدولية، فأقصى ما يمكن أن يحدث؛ قد يكون احتلالاً؛ لكن من المؤكد سيكون لحظيٌّ وقتيٌّ ومن المؤكد بأنه الأخيرْ.[1]