الصَّفعة الإسطنبولية ومآلاتها
صفعة بألف صفعة وانتكاسة ما بعدها انتكاسة والسقوط المدوي قاب قوسين أو أدنى. لن يختفي من ذاكرة الزعيم الخلبي والفارس الدونكيشوتي أردوغان صدى الصفعات التي تلقاها في اسطنبول وأنقرة في الانتخابات الأخيرة، تُرى مَن لا يشاطرني الرأي بأن أردوغان اليوم ليس كما بالأمس وبأنه اليوم واجمٌ وعابسٌ ويعيد حساباته السياسية وهو متواركٌ وخائر القوى يضرب أخماساً بأسداس، ويطرح على نفسه ألف سؤال؛ أولها لِمَ خسرتُ في عقرِ داري اسطنبول؟ لِمَ هذا الخذلان ممن كنت أنظر إليهم كقطيع ينقادون ورائي؟ كيف لم أنجح في تزوير نتائج الانتخابات البلدية؟؟.
قد تكون هذه المقدمة خَرَجَتْ عن أصولِ الكتابة في مقالات الرأي؛ إلّا أن الحقائق اقتضت ذلك حين انقضت الانتخابات، وانقشع الغبار عن الزوبعة التي أثارتها دعايات وتوليفات المسؤولين في حزب العدالة والتنمية المستهلكة داخلياً والتي أصبحت ماركة مسجلة باسم أردوغان على المنصات في المدن والبلدات التركية؛ وصولاً إلى انكفاء الطموحات والتمنيات فيما يتعلق بأوهامهم وما كانوا يُمَنُّونَ النفس بها؛ لتبدأ مرحلة جديدة في السياسة التركية سواء الخارجية منها أو الداخلية.
ما يمكن أن نستخلصه من نتائج الانتخابات البلدية في اسطنبول وأنقرة هو أن الشعب التركي بدأ يتعافى من غيبوبة الأوهام، ولن ينطلي عليه بعد اليوم خدعة المتاجرة بالدين واختلاق الذرائع لمحاربة أعداء وهميين خارج الحدود؛ فمنذ استلاب أردوغان كافة مقاليد الحكم في تركيا صال وجال كيفما شاء، وتخبط في كل محطاته السياسية وابتعد عن حوامل الحلول الواقعية للمعادلات الدولية والإقليمية الحاصلة وخصوصاً عن تلك التي لمَّا تدورُ على الأرض السورية برؤية قاصرة ومقاربة فاجرة.
ثورة الشعب التركي ضد نظامه السائد قلبت موازيين القوى و وضعت الحواجز أمام العربدة الأردوغانية يصعب القفز من فوقها وفيما لو حصل هذا التجاوز لا يمكن التكهن بنتائجه.
مفازات هذه الانتخابات كبيرة وكثيرة على المعارضة التركية أولها؛ على النظام القائم إعادة التفكير مرات ومرات في أي خطوة يخطوها في السياسة الخارجية(تجاه سوريا)، وعليه تقديم التنازلات المؤلمة والموجعة للدول الكبرى، ولا غرابة في أن يصبح أعداء الأمس أصدقاء ما بعد الانتخابات.
سقطت ورقة التوت، وذاب الثلج وبان المرج والانزلاق نحو الهاوية في السياسة التركية الأردوغانية بات يعاني من فائض الاحتمالات والمسببات والمشهد لا يحتاج إلى الكثير من التحليل لفهم خفايا هذا الانزلاق( التضخم والبطالة وانهيار الليرة وغيرها الكثير….)، وقارِبُ النجاةِ الذي حاول أردوغان الفرار به من الأزمات الداخلية نحو افتعال المشاكل الخارجية بات يتأرجح ويغرق رويداً رويداً تحت ضربات موجة الوعي الشعبي المعارض لسياسة اردوغان، وما ستليها من موجات أخرى.
ارتسمت معالم تركيا القادمة، ووصلت الأمور إلى خواتيمها في السياسة الداخلية والخارجية، ومعطيات الانتخابات تستوجب التبديل في النسخة القديمة بالسياسة المتبعة بعيداً عن اللعب على الرهانات الخاسرة والتجارة المُفلسة، واستدراك جوانب التهور والابتزاز وانعطافة كبرى بأقصى درجات التحول نحو الداخل حيث حال التركي المتردي أصلاً. محصلة هذه المتغيرات تدعونا إلى ترجمة هذا المشهد واسقاطه على الصراع السوري، والذي ينطوي على احتمالين اثنين سيرسم احداثياتهما أردوغان من جديد أحلاهما بطعم العلقم: إما التقارب والتفاهم مع النظام السوري وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء لحفظ ماء الوجه فيما كان يزعمه؛ وهذا ما ستسعى إليه روسيا، أو التخلي عن التهديدات لشمال شرق سوريا والانصياع للإرادة الدولية لترسم خرائط المنطقة كما تشتهي.[1]