تركيا والروس: هل من هدية ثانية؟
القضية الكردية وتوازنات الدول الإقليمية
أعلن الرئيس الروسي بوتين عقب لقائه بأردوغان مؤخراً سنبدأ بضخ الغاز الروسي إلى تركيا خلال الأشهر القليلة المقبلة كما علينا التركيز على دفع مشروع التسوية السياسية في سوريا والتسريع في تشكيل لجنة الدستور.
الحديث الروسي بهذا الخصوص اكتنفه مقدار من التناقض. فمن المعروف أن روسيا تعاونت مع الأتراك والفصائل الموالية لها في احتلال عفرين (ضوء أخضر روسي) وتم ذلك بالتعاون مع «الفصائل المسلحة الموالية لتركيا».
كما أن الوجود العسكري الروسي في سوريا والتدخل في القرار السوري بات جزءاً لا يتجزأ من معادلة النفوذ الروسي في البلد، (السيطرة على القرار السياسي وتوجيهه بما يتوافق مع مصالحها), لتتحول بتلك السيطرة إلى هيمنة اقتصادية وسياسية. وهذا يعني أن روسيا ضمنت سوريا فما الضير إذا وسعت نفوذها تجاه تركيا التي تعيش حالة انفصام.
ولم يعد خافياً على أحد أن توقيت هذا الإعلان من بوتين جاء عقب الانتخابات المحلية في تركيا، ليكون بمثابة الهدية الثانية إلى اردوغان الذي فشل كثيراً، وهو يخوض معركة بقاء شرسة تهدده فيها شعوب تركيا والمعارضة من جهة و جنرالاته المتقاعدين من جهة أخرى؛ لكن بوتين استعجل إعلانه لهذا الغرض تحديداً، فاستحق من اردوغان الشكر والعرفان.
الوضع في شمال سوريا يبدو ملتبساً وبعيداً عن أي منطق للسلطة الحاكمة في تركيا وكذلك الامر بالنسبة إلى روسيا التي تشاطرها الرأي، الامر الذي يجعل حكومة العدالة والتنمية لا تقبل مطلقا أن يشاركها أو يقاسمها المحيطون بها فيما تراه جنتها ونعيمها الدائم، وهي لا تستطيع العيش إلا بوجود مستبدين بجوارها، وإنها ربما لن تتمكن من العيش في فردوسها إذا جاورها جيران ديمقراطيون يطالبون بالعيش المشترك وأخوة الشعوب.
وفي ظل هذه المتغيرات ها هي مناطق الشمال السوري وشرقه تعصف بها رياح الديمقراطية في الوقت الذي تهددها عواصف شريرة تبرر لنفسها إحكام القبضة على الشعوب؛ لكن الشعوب والمكونات السورية التي اختارت طريقها أبت إلّا أن تكون المثال حيث لا يصح إلّا الصحيح, الصحيح الذي رأته شعوب ومكونات المنطقة رغم جراحها وهو الإصرار على الديمقراطية والعيش المشترك ورسم خطوط مرحلة جديدة بعد اكتشافها لحجم ما يحدق بها من أخطار.
ويبقى السؤال الذي يقلق راحة الأتراك مطروحاً هل وجود نظام ديمقراطي في الجوار سيكون مفيداً لهم, أم أنه سيكون وبالاً على أمنهم واستقرارهم؟ وهل بإمكان بلد مثل سوريا السير في مسار الديمقراطية وهو لم يختبر ولم يجرب في السابق غير الركون للاستبداد؟
بالمحصلة, ليس بإمكان أحد أن يقدم دليلاً على أن الديكتاتورية في تركيا كانت مفيدة لجوارها، وكذلك ليس باستطاعة أحد اًيضاً أن يقدم أي إثبات على أن الديمقراطية والعيش المشترك في سوريا يمكن أن تشكل خطراً على المجتمع التركي.[1]