بعثرة وتشتيت مجتمع الزراعة -القرية واستغلاله من مقومات النظم السلطوية
المقاومة في مجابهة الاحتلال والثورة المضادة
إن ما يمكن التطرق إليه في موضوع الاقتصاد المجتمعي هو النظر إلى الاقتصاد باعتباره واقع اجتماعي لا يمكن التلاعب به من قبل المحتكرين والمستغلين واعتباره أحد أسس التماسك والتقوية للمجتمع باعتباره يشكل الخميرة الأساسية للتكوين المجتمعي ولحمته البنيوية ومصدر قوته ومعيشته اليومية والمستقبلية وباعتبار دعائم الاقتصاد في أي مجتمع هم الكادحون من عمال وفلاحين ومزارعين وغيرهم من الفئات العاملة فمن المحال على دولة أو سلطة تحترم نفسها وشعبها مجرد التفكير بإخضاع الاقتصاد المجتمعي للخصخصة والاستغلال والتلاعب بمقدرات أبنائه الكادحين والذي يؤدي بالنتيجة إلى خلخلة وتدمير النسيج والتماسك المجتمعي نتيجة الاستغلال وحرمان الكادحين من المصادر والموارد الأساسية لحيويته وانتاجه الذي يجلب الاستقرار والاكتفاء الذاتي للمجتمع وباعتبار الطبقة الكادحة من الفلاحين والعمال الطبقة الأكبر في المجتمع يتوجب على الإدارة الذاتية في روج آفا وشمال شرق سوريا عدم الوقوع في براثن وألاعيب السلطة المركزية واحتكاراتها الاقتصادي القائمة على الاستغلال حسب مقاييس وقوانين جاهزة ومستوردة حسب ذهنيتها التسلطية فمن المعلوم أن الشعب السوري بجميع مكوناته قد كان ضحية لهذه السلطات وذهنيتها الدكتاتورية وتجاوزاتها بحق الشعب الذي طالما كان عرضة لاستغلال السلطة وسياساتها الاحتكارية لجميع الميادين الاجتماعية بما تقتضي منفعتها ودوام قبضتها الأمنية .
وفي هذه النقطة يقول المفكر الكردي عبد الله اوجلان في تناوله لموضوع الاقتصاد المجتمعي واحتكاره:( تَجَسَّدَت أكبرُ ضربةٍ لَحِقَت بالحياةِ الاقتصاديةِ في إخراجِ الاقتصادِ من يدِ المرأة، وتسليمه إلى يدِ المسؤولين الذين يتصرفون كالأغواتِ من قَبيلِ المُرابِين والتُّجَّارِ والمستَثمِرين وأصحاب المالِ والسلطةِ والدولة. الاقتصادُ الموضوعُ في يَدِ القوى المضادةِ للاقتصاد يتم تصييرُه هدفاً أولياً للسلطةِ والعسكرتاريةِ بسرعةِ البرق، متحَوِّلاً بذلك إلى عاملٍ رئيسيٍّ في نشوبِ الحروبِ والنزاعاتِ والصِّدَاماتِ والأزماتِ اللامحدودةِ على مرِّ تاريخِ المدنيةِ والحداثةِ برمته. الاقتصادُ في يومنا الراهن قد باتَ ساحةً لألاعيبِ مَن لا علاقةَ لهم بالاقتصاد، يَعُوثُون فيها ويَنهَبون ويَسلبون القيمةَ الاجتماعيةَ بِنَهمٍ لا يعرفُ حدوداً من خلالِ التلاعبِ بِقِطَعٍ وَرَقِيَّةٍ وبأساليبِ أنكى من القمار.)
ومن هنا يمكننا القول يجب أن تكون هناك دراسات مستفيضة وإدراك واعي من قبل المختصين في الإدارة الذاتية في المجالات الحيوية كالزراعة والصناعة باعتبارهما أحد أهم الركائز الحيوية للاقتصاد المجتمعي وإيلاء العاملين فيها من فلاحين وعمال ومزارعين ….. وغيرهم من الفئات الكادحة الاهتمام والرعاية القصوى لأنهم ببساطة يعدون العماد والأساس في نهوض أي أمة ومجتمع؛ فَهُمْ الحاضنة الشعبية والملهم والداعم للثورة منذ انطلاقتها في روج آفا وشمال شرق سوريا وهم وقود الثورة التي لا تنضب عبر تضحياتهم بالغالي والنفيس في سبيل إنجاح التجربة الديمقراطية للإدارة الذاتية.
فالإدارة الذاتية أمست وجهاً لوجه أمام موضوع يقتضي الإنارة أكثر من غيرها والاستماع وأخذ الآراء ودراستها من مختلف جوانبه وبشكل خاص القضايا التي تخص الرأي العام وتمس المجتمع بشكل مباشر فموضوع الأسعار التي تم وضعها مؤخراً من قبل المختصين في مجال الزراعة والاقتصاد في الادارة الذاتية بخصوص محصولي القمح والشعير وهما من المحاصيل الاستراتيجية في أي مجتمع فمن الطبيعي أن تتحول إلى قضية للراي العام والنقاشات المستفيضة حولها في الأيام الأخيرة لتشكل حالة سليمة لمجتمع عانى من الاحتكار والسلطة لسنوات طويلة وهي تعبر عن استعادة هذا المجتمع لعافيته في ظل الإدارة الذاتية وتجربتها الديمقراطية الفتية وليس ثمت مجال للمقارنة بين الادارة الذاتية والسلطة المهيمنة المركزية في دمشق باعتبار الأخيرة بالأساس قائمة على الاستغلال والسلطة والاحتكار بما يخدم مصالحها ومنافعها وقد تكون الأحداث الدائرة في سوريا منذ قرابة التسع سنوات خير مثال على السياسات التي اتبعها النظام الاسدي والتي أدت إلى تدمير سوريا وقضت على تماسكه ونسيجه المجتمعي حيث كان المتضرر الأكبر من هذه المقتلة هم الطبقة الكادحة من فلاحين وعمال. فهدف النظام من خلف التلاعب بأسعار المخزون الاقتصادي من مادة القمح والشعير هو إحداث ثغرة للنفاذ مجدداً في بنية المجتمع وإحداث خلخلة في تماسكه والتفافه حول الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا فهذا المجتمع بات يدرك جيداً مَن يخدم مصالحه ويسهر على إدارتها بالشكل الأنسب والأقرب لقيمه وأخلاقه المجتمعية, ومن يعمد لتدميره وإعادته لقبضته وسلطته الأمنية؛ لذلك من الوجب الوطني والأخلاقي أن تكون هناك مراجعة من قبل الجميع إدارةً ومجتمعاً في روج آفا وشمال شرق سوريا لقضاياه الحيوية والجوهرية حفاظاً على هذا المنجز التاريخي الذي تحقق بدماء آلاف الشهداء ورُوِيَ بدموع الأمهات وعرق جبين الكادحين وأبنائهم المرابطين في ساحات الشرف والفداء وعدم السماح للسلطة والمحتكرين والتجار والمستغلين للتلاعب بمقدرات الشعب والنيل من إرادته الحرة عبر الألاعيب والسمسرة والاستثمار في قوته وموارد اقتصاده.
المهمة التي يجب القيام بها هي مواجهة سياسات الدولة والسلطة واحتكاراتها واستثماراتها المنفعية بمزيد من اليقظة والدراية والوعي وذلك عبر دراسات عميقة للمصلحة العامة وأخذ القضايا التي تخص الراي العام بجدية ومهنية ومرونة وشفافية وإيجاد الحلول لها بما يتناسب والتكوين الطبيعي للمجتمع فالسلاح الأولي للعصرانية الديمقراطية حسب فلسفة الأمة الديمقراطية هو جعل الاقتصاد والمجتمع ذا الجوهر الطبيعي أساساً لها؛ فمن المعلوم أن الدور المنوط للنظم القوموية السلطوية والدكتاتورية منذ نشأتها هو تفكيك وتفتيت والقضاء على المجتمع الزراعي التقليدي المعمر منذ عشرة آلاف سنة. فالمجتمع النيوليتي (الزراعة القرية) كان يشكل البنية الأم في الاقتصاد والمجتمع حتى بعد ظهور هذه النظم السلطوية لفترة قريبة لتوجه صوب راهننا المعاش نتيجة للمهيمنات الاستبدادية السلطوية معرضاً المجتمع للتفكك والانحلال سريعاً وتجره نحو الإفلاس والبطالة مغرقاً بالديون ومرغماً على التفكيك والتهجير والتصفية والعداء الممنهج تجاه هذا المجتمع ذلك أنه ومن دون بعثرة وتشتيت مجتمع الزراعة القرية واستغلاله واستثماره لمصالحه النفعية يستحيل الاستمرار في الهيمنة ذلك لأن السلطة بالأساس هو نتاج الاستغلال والاحتكار المفرط لمقدرات وموارد الاقتصاد المجتمعي.[1]