حقاً إن الفلاسفة يحلمون !!!
رحلة إلى الوجع الكردي
الفيلسوف اليوناني أفلاطون أراد من خلال فلسفته إقامة جمهورية مثالية (المدينة الفاضلة) لتُحقق العدل والمساواة والسعادة لجميع المواطنين. لم يكن افلاطون هو الوحيد الذي كان يرغب بأن يكون هناك مدينة فاضلة بل كان هناك غيره كُثُر أمثال اغسطين والقديس وكمانيلا وتوماس مور والفيلسوف أبو نصر صاحب كتاب (مدينة الله) وغيرهم.
الفارابي من جانبه أراد التوافق بين أناس يتمتعون بالمعرفة الدقيقة للبحث عن السعادة الحقيقية وسبيل تحصيلها والعمل وفق هذه المعرفة ليؤكد أن المدينة الفاضلة هي خير المدن الممكنة على الأرض بالنسبة إلى البشر, وهي المدينة التي يطلب جميع أهلها السعادة.
أشار الفارابي بأنه يجب أن يكون رئيس المدينة مشاركاً في علوم عصره ملماً بالفلسفة، واقترح نقل رئاسة المدينة (الفاضلة) إلى رئاسة جماعية من العارفين بالسنن والشرائع المتقدمة.
أما ردة فعل المجتمعات وقتها فأنها رأت أن كل ذلك ليست سوى مشاريع أو أحلام للفلاسفة وهي غير قابلة للتنفيذ على أرض الواقع؛ فلا جمهورية افلاطون المثالية استطاعت أن تقف على قدميها، ولا مدينة الفارابي الفاضلة رأت النور في يوم من الأيام.
فكيف يمكن إقامة مدينة فاضلة ومثالية وطبائع البشر متباينة وأفكارهم متضاربة وسط صراع قاتل بين الخير والشر؟
ليس للجشع حدود وكذلك للشر، إنها النزعة الإنسانية يا سادة تلك التي لا تخلو من الحقد والبغضاء، ودوماً تجد من يسعى للخير وبالمقابل هناك من يسعى للشر.
هناك أناس لو أعطيتهم كل الأرض وكل ما فيها تجدهم يتمردون، وأناس مهما أحسنت إليهم لن تجد مقابل إحسانك هذا سوى الشر وسوء النية, إنها سُنَّة الحياة.
يجد البعض أن إقامةَ مدينة فاضلة أو جمهورية مثالية ضَرْبٌ من الخيال وحلمٌ لا يمكن تحقيقه بأي حال من الأحوال.
إن ظلم واستبداد وطغيان الحكام طيلة العهود السابقة ووقوف بعض الفئات من العامة إلى جانب الحكام ليسوغوا لهم ظلمهم واستبدادهم خلقت نزعات عدائية بين العامة.
ورغم اختلاف المجتمعات بعضها عن بعض ورغم تباين الأفكار بين شعوبها، وبالرغم من الاستقرار في بعض المناطق، والفوضى في مناطق أخرى، وبالرغم من العدالة والمظالم، فإن رياح التغيير لن تقف عند حد، وهذا التغيير سيكون بالتأكيد نحو الأفضل، ويظل الصراع قائماً بين الخير والشر..
بصراحة: معركة الحياة لا يمكن أن تنتهي مهما حاول بعض البشر إيقافها، ومع ذلك يبقى الأمل وحده لتخفيف وطأة الشرور التي تحيط بنا، وتبقى أحلام الفلاسفة أحلاماً مشروعة.
ماذا تبَقّى لنا ونحن نلوذ بالصمت أمام انتهاكات بعض الجماعات الصفيقة ونحن نتأمل الحرائق والحروب والتفجيرات والعبوات الناسفة ونفقد في كل مرة الشرفاء من شبابنا وشاباتنا …. لن ألوم أحداً فنحن جميعاً موتى نسير على الأرض.[1]