من نجموك إلى عامودا(بيدر من التبن)
رحلة إلى الوجع الكردي
في جلسة قروية سُئل أحدهم يوماً ماذا تتمنى أن يكون لديك؟ أجاب القروي على الفور ودون تردد وكأنه كان بانتظار هذا السؤال منذ مدة طويلة: “بيدرٌ من التبن من قرية نجموك حتى تخوب عامودا”.
كنا صغاراً وقتها نسترق أحياناً السمع إلى أحاديث الكبار الذين كانوا يُعنِّفُوننا ويبعدوننا عن مجالسهم, شعرتُ أنه بالغ في أحلامه كثيراً لولا قهقهات الحاضرين التي جعلتني أتساءل ما المضحك في إجابته؟ ألا يحق له أن يبالغ قليلاً في أحلامه!
تذكرت هذه الحادثة بعد كل الضجيج والصخب الذي أصاب وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي حول محصولي القمح والشعير وأسعار هذه المحاصيل وفقدان أكياس الخيش من الأسواق والتهام النيران لمساحات شاسعة من هذه المحاصيل هنا وهناك و التموضع الخجول لسيارات الإطفاء على الطرقات…
في خضم هذا الضجيج خطرت لي فكرة, ماذا لو أجرينا استبيان على عينة من المواطنين وسألناهم سؤالاً واحداً: ما هي طموحاتكم وآمالكم في هذه الحياة؟ ستختلف الإجابة من مواطن إلى آخر بالتأكيد؛ فكلٌ سيجيب حسب ما يعكس له طبيعته المعيشية وبمقدار ما يتوفر له مقومات الحياة، وبهذه الطريقة يمكننا الوصول إلى تقييم الوضع الذي يعيشه المواطنين ومدى الاستجابة لطموحاتهم.
سنلاحظ من خلال الإجابات بأن طموح الكثير من المواطنين يقتصر على بيت مستقل والتخلص من جشع أصحاب العقارات، وراتبٌ ثابتٌ يعيلُ به عائلته، وأن يبقى هو وعائلته في طمأنينة وأمان في هذه الحياة مع توفر الخدمات الضرورية كالكهرباء والماء والغاز والرغيف الجيد وربما بالغَ المواطن بطلب سيارةٍ رخيصةٍ من نوع الإدخال أيضاً.
لو قارنا هذه الطموحات الكبيرة لمواطنينا مع طموحات الآخرين في الدول الأوربية (المتقدمة) سنجد أنها لا تمثل أي اهتمام ضمن إجاباتهم لأنهم بالأساس لا يفكرون في هكذا أشياء (بحسب ما نسمع عن هؤلاء طبعاً) فهم يعتبرون كل ما أسلفناه من الحقوق الثابتة والمكتسبة لكل مواطن، وعليه ستكون إجاباتهم مختلفة تماماً لأن آمالهم أكبر من مثلِ هذه الأمور؛ فمثلاً سيفكرون بطائرة خاصة تنقلهم حول العالم لزيارة أماكن لم تسنح لهم الفرصة في المرة السابقة من زيارتها أو الانتقال للسكن في إحدى القرى بضعة أيام للراحة والاستجمام أو الوصول إلى علاجٍ لمرضٍ ما، أو إيجاد حلٍّ لمشكلةٍ مستعصيةٍ صادَفَتْهُم. وغيرها من الأمنيات والأحلام التي نعتبرها نحن مغالاة وخروج عن المألوف.
والسؤال: مَنْ الذي أوصلنا إلى هذه الدرجة من (السلبية) حتى في آمالنا ؟؟ إنه الظلم والقهر والإقصاء وانعدام الأمن وحالات الطوارئ التي عانينا منها عبر عقود من الزمن أُضيفت إليها مؤخراً الأزمة القاتلة التي جعلت مواطننا إنساناً قنوعاً مسالماً قليل الطموح والأمل، ولابد من الإشارة إلى دور بعض رجال السياسة (الأحزاب) في تدمير كل شيء جميل في نفس المواطن وقتل طموحاته وآماله بأفعالهم وتناحرهم.[1]