طهران وواشنطن.. فُرص الحرب والسلم
دوست ميرخان
بعد ساعات على إعلان طهران عن زيادة إنتاج اليورانيوم “منخفض التخصيب” أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تغريدة حذر فيها إيران من إطلاق التهديدات.
ترامب كتب مغرداً أن “إيران أطلقت للتو تحذيراً جديداً. ويقول روحاني إنهم سيخصبون اليورانيوم بأي كمية يريدونها في حال لم تكن هناك صفقة نووية جديدة”.
وتابع الرئيس الأمريكي: “عليك أن تكوني حذرة في التهديدات يا إيران. وهي قد تعود لعضك كما لم يُعض أحد من قبل!”.
التهديد والتصعيد المتبادل بين طهران وواشنطن ليست بجديدة وليست وليدة الساعة التي أعلن فيها ترامب بأنه سيسحق ايران، لكن التوازنات الجديدة وإعادة توزيع الأدوار ورسم خرائط جديدة في الشرق الأوسط والعالم تتطلب من الطرفان إعلاء سقف التهديدات لتحقيق جملة من المطالب والمصالح ضمن الخرائط الجديدة على الصعيد الاقتصادي والسياسي والعسكري. والأخير آخر الاحتمالات.
لهجة التصعيد تتعالى مع تسارع الأحداث
في أقل من شهر أخذت التصريحات السياسية تتجه نحو احتمال نشوب حرب عسكرية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، وأخذ كل طرف يصرح عن قدراته العسكرية وبدأت الحشود العسكرية تتجمع في الخليج، (بوارج x صواريخ بالستية) (الحرس الثوريx المارينز) تساؤلات كثيرة باتت تطرح حول إمكانية توجيه ضربة عسكرية ضد إيران، أم أن الأمر لا يعدو زعبرة قديمة مستحدثة.
الأطراف الدولية والإقليمية أيضاً تعلق كل سياساتها على احتمالية قيام حربٍ جديدة في المنطقة، حيث يتجه البعض نحو التهدئة والبحث عن مخارج ترضي الطرفين المتخاصِميّن، وآخرون يشددون على ضرورة وضع حدٍ للسياسات الايرانية وتمددها في المنطقة.
الحقيقة الوحيدة التي ستنكشف ما أن تستعر الحرب هي أن لا صديق لإيران في هذه الحرب فجميع الأطراف التي تساند إيران سياسياً ستُنئ بنفسها، أما الأطراف التي تقف في صف الولايات المتحدة والتي تكيل لإيران ستضع كل امكاناتها في سبيل التخلص من التهديدات الايرانية المتكررة ولغة التهجم والتكبر التي عرف بها ساسة الحكم في إيران خاصة قيادات الحرس الثوري.
هل الحرب قادمة؟
بعد هدوء نسبي دام لفترة جد قصيرة أعاد ترامب مجدِداً انتقاداته لإيران وتحذيرها من “اللعب بالنار”، وذلك عقب إعلان الأخيرة تجاوز سقف مخزونها من اليورانيوم المخصّب المنصوص عليه في الاتّفاق النووي لعام 2015.
تحذير ترامب الجديد جاء بعيد إعلان البيت الأبيض أنّ “الولايات المتحدة وحلفاءها لن يسمحوا لإيران أبداً بتطوير سلاح نووي”، مؤكّداً استعداد واشنطن للاستمرار في ممارسة “أقصى الضغوط” على إيران لإرغامها على التخلّي عن طموحاتها النووية.
الجملة الأخيرة تشي بأن الولايات المتحدة الامريكية لازالت في طور كسب الحلفاء الأوربيين الذين لهم مصالح واتفاقات استراتيجية مع ايران وهذا الأمر يدفع بإيران إلى المزيد من التصعيد مستندة في ذلك على هذه الورقة التي تمتلكها بالرغم من قيام بعض الدول الأوروبية إيقاف بعض نشاطاتها الاقتصادية في إيران لكن وكما يبدو من موقفها المرن بأنها لازلت مرتبطة ببعض الاتفاقيات الاقتصادية والتي من شأنها أن تؤثر على اقتصاد تلك الدول وفي مقدمتها المانيا وفرنسا وبريطانيا وهم حلفاء الولايات المتحدة بنفس الوقت.
القوى الأوروبية – والتي لا تزال جزءاً من الاتفاق وتحاول الحفاظ عليه- فقد حثت إيران على عدم اتخاذ خطوات إضافية من شأنها انتهاك الاتفاق، لكنها أحجمت عن الإعلان عن بطلانه أو فرض عقوبات من جانبها.
وبالمجمل وفي ظل التوتر المتصاعد تتواصل الجهود الأوروبية لاحتواء الأزمة، لكن إعلان طهران بتجاوز السقف المحدد لتخصيب اليورانيوم، يعد أول تحرك كبير لانتهاك شروط الاتفاق منذ أن انسحبت منه الولايات المتحدة قبل أكثر من عام فهل سيكون للقوى الأوروبية موقف آخر أم أنها ستبقى على موقفها وذلك بالضغط على إيران بالتراجع عن سياساتها في الشرق الأوسط والعالم عموماً للحفاظ على مصالحها التجارية مع ايران من جهة، ولكي لا تدفع تكاليف حرب هي بغنى عنها.
تسعى إدارة ترامب من زيادة الضغوط الاقتصادية والعسكرية على إيران إلى تحقيق عدة أهداف الظاهر من بينها وضع حد لبرنامج إيران النووي وعقد اتفاق جديد بشروط أمريكية خاصة وإن إدارة ترامب تنظر إلى اتفاق 2015 (خلال فترة أوباما) بأنه كان تنازلاً لإيران، كذلك تحجيم الدور الايراني في الشرق الأوسط وفي العالم عموماً خاصة في سوريا والعراق ولبنان واليمن، كذلك وضع العلاقات الأوروبية – الإيرانية تحت أنظار الولايات المتحدة الأمريكية، وتحقيق أهداف على الصعيد الداخلي كتحقيق انجازات تمنح من خلالها ترامب فرصة كسب ولاية رئاسية جديدة (2020)، أخيراً يهدف ترامب إلى تطمين حلفائه في الخليج وشبه الجزيرة العربية بأنهم في مأمن طالما هناك أسطول وأسلحة أمريكية في الخليج عموماً.
وعلى الرغم من أن واشنطن كثّفت من عقوباتها خاصة في مجال النفط على إيران، وصنَّفت الحرس الثوري منظمة إرهابية، وألغت الإعفاءات التي كانت قد منحتها لعدد من الدول، وفرضت عقوبات على عدد من الصناعات إلا أنها في النهاية لا ترغب في الحرب خاصة وإن حلفاءها الغربيين لا يبدون استعداهم للحرب، أما حالة التصعيد والتحذير التي نشهدها بين الفينة والأخرى تأتي في إطار سياسة الضغوط الأمريكية على إيران وذلك لرسم استراتيجية للتعامل معها دون أن تخسر جندياً واحداً، وهذه السياسة شبيهة بسياستها في التعامل مع روسيا وكوريا الشمالية.
على الجبهة الايرانية
تعاني إيران أزمة اقتصادية سياسية حادة وذلك بسبب سياسات السلطة الحاكمة التي وضعت اقتصاد البلاد في خدمة نظرية التمدد والتوسع الخارجي، وشهدت العديد من المدن الإيرانية ومن ضمنها العاصمة طهران موجة من الاحتجاجات والاضطرابات الشعبية الرافضة للسياسات الاقتصادية للسلطة، وطالب المحتجون بتحسين أحوالهم المعيشة ومحاربة الفساد ووصلت هذه الاحتجاجات لحد المطالبة بسقوط النظام، ولقيت هذه الاضطرابات ترحيباً بين أوساط المعارضة الإيرانية الخارجية خاصة، ولدى الولايات المتحدة الأمريكية.
هذه الاضطرابات التي وصفت بالانتفاضة ترافقت مع تصاعد وتيرة العقوبات والضغط الأمريكي والتي رأت بدورها أنها برفع وتيرة الضغط الاقتصادي وفرض مزيدٍ من العقوبات وأخيراً التهديد باستخدام القوى العسكرية سيجبر النظام في إيران على الجلوس على طاولة المفاوضات وفق شروطٍ أمريكية.
ومن هنا تبرز حقيقة الموقف الأمريكي من إيران فهل ينحصر في مجرد إجبار إيران على القبول بحزمة المطالب الأمريكية؟ أم يمكن أن يتطور الأمر إلى تبني واشنطن لهدف استراتيجي وهو التخلص من النظام الايراني؟، وهنا يتبادر إلى الذهن إلى أي مدى يمكن للنظام الايراني الصمود وعدم التفكك من الداخل أمام الوسائل التي تتبعها الإدارة الأمريكية ضد إيران والتي بدأت بالحصار الاقتصادي وانتهت اليوم بشن هجوم عسكري محتمل لا شريك لإيران كما ذكرنا سابقاً، وعلى أساسه ستتحدد معالم مسار الأزمة بين واشنطن وطهران كما يبدو.
إيران أمام اختبار صعب والجبهة الإيرانية الداخلية هي مفصل السقوط أو النهوض وهي مرتكز التحدي الحقيقي المتفاقم يوماً بعد يوم، وأن هذا هو أوان المراجعة والمحاسبة لسياسات الداخل وعلاقات الخارج.
خياران لا ثالث لهما؛ إما إن يبدأ النظام في إيران بمعالجة سياساته على الصعيد الداخلي أولاً ثم على الصعيد الخارجي ثانياً، وذلك بإيجاد الوسائل الكفيلة لمعالجة الأزمات الاقتصادية والسياسية التي طالت البلاد، وذلك بالتوحد الوطني الداخلي والتحول الديمقراطي كأولوية عليا لحماية إيران والنهوض وعدم تدخلها بشؤون دول الجوار (وهذا ما دعا إليه حزب الحياة الحرة المعارض)، وإذا لم تستطع فلن يكون بمقدورها الجلوس على طاولة مفاوضات مع واشنطن وستتحمل مسؤولية تعنت السلطة الحاكمة، وبالتالي ستخضع لشروط واشنطن القاسية والذي سيدفع ثمنها في النهاية الشعب الإيراني.[1]