ضرورة المقاومة والدفاع عن الذات
عدالت عمر
إن مقاومة كل مجتمع من المجتمعات التي وُلدت عبر التاريخ توضح لنا أنه كان هناك ظلم واعتداء واللاعدالة وفرض للاحتكار والسلطة عليه، وكما أن ولادة السلطة والتسلط والاحتكار في كل مرحلة من مراحل التطور الاجتماعي مرتبطة ببعضها البعض فالمقاومة التي أُبديت تجاهها من قبل القبائل والعشائر ومقاومة المرأة ضد اللاحقوقية التي فرضت عليها هي أيضاً يمكن اعتبارها حلقات من المقاومة عبر التاريخ ويمكن ربط كلها مع بعضها.
فإن كنا نتحدث عن مقاومة اينانا – تيامات – سبارتاكوس ورسائل سيدنا محمد, عيسى, موسى, وإبراهيم وكذلك رسائل زرادشت, بوذا، وكونفوشيوس ومقاومات الحركات الاشتراكية وغيرها فهي غير منفصلة عن مقاومة الحركة التحررية، فجميع رسائلهم الساعية إلى استرجاع وتقوية قيم المجتمع الأخلاقي والسياسي، توحدت اليوم في الحركة التحررية.
إن بقاء المجتمع تحت سيادة النظام الدولتي الذي فرض بقوته كل أنواع التعسف والظلم باسم الإدارة أدى إلى تشكيل اعتقاد لدى المجتمع بأنه من دون الدولة لا يمكن للمجتمع أن يدير نفسه، أي أن آلية دفاع المجتمع عن نفسه بقيت بيد الدولة. استخدم النظام الدولتي قوة المجتمع في الاحتلال والاستغلال تحت شعارات عديدة. وإذا ما نظرنا إلى حقيقة هذه الشعارات التي قامت بخداع المجتمع لسنين طويلة سنجد بأنها لم تكن في حقيقتها سوى نوع من التضليل لصالح فئة سلطوية معينة،
كما حصل في شنكال من مجازر يندى لها جبين الانسانية، حيث كانت فيها قطعان من الجيش العراقي تصولُ وتجولُ وتنتشر فيها المقار الأمنية التابعة للدولة العراقية، إلّا أن مؤسسات الدولة وجيوشها لم تحمِ قضاء شنكال عندما تعرضت لغزو وحشي وهمجي من مرتزقة داعش وتركت الشعب يواجه مصيره، وحدث ما حدث من مجزرة مروعة بحق الأهالي وخاصة بحق المرأة الشنكالية.
وكما نجد أمثلة ساطعة على ذلك في الشرق الأوسط في هيكلية كل دولة.
إن التصدي للمخاطر يحتاج أولاً إلى وعي بكيفية دفاع المجتمع عن قيَّمهِ سواء أكانت مادية أم معنوية، لذا نجد بأن حماية الفرد والمجتمع لنفسه يقتضي أولاً التسلح بذهنية حرة، كون الحماية لا تقتصر على الوجود الفيزيائي لوحده بالنسبة للإنسان بل ينبغي أن تكون ذات بعد شمولي حتى يتمكن المجتمع من تحقيق حياة حرة وديمقراطية، وأثبتت التغييرات الحاصلة بأنه متى ما تخلّف أي فرد أو مجتمع عن آلية الدفاع الذاتي أو الجوهري سيكون عرضة لكافة أنواع الانتهاكات التي تودي به إلى المصير المحتوم، مثلما نعانيه في راهننا وخاصة بعد هذه المرحلة التي سمَّاها القائد «عبدالله أوجلان» بمرحلة الحرب العالمية الثالثة.
إن تجريد الفرد من كافة آليات الدفاع عن نفسه كإنسان حر، وإحداث خلل في التوازن في علاقته مع المجتمع يعتبر أقوى الأسلحة التي تستخدمها الحداثة الرأسمالية في الشرق الأوسط بعد ترسيخها في أوربا باسم الحقوق الفردية والتي أدت في نتيجتها إلى خلق فرد ومجتمع ضعيف وهش لا يقوى على الدفاع عن نفسه كما تدافع وردة عن نفسها بأشواكها.
من هنا يبرز دور الدفاع الجوهري في كل مكان وزمان، وليس شرطاً أن يكون الدفاع في زمن الحروب فحسب، لأن الإنسان بحاجة إلى حماية قيمه المادية والمعنوية وإحياء هويته بإرادة حرة في كل عصر؛ لذا فإن الدفاع الجوهري أحد أهم المبادئ الأساسية لتحقيق مجتمع حر وديمقراطي خاصة إذا كان معرضاً في كل لحظة إلى إبادة جسدية وثقافية، ومن دون تنمية هذه الذهنية لن تتمكن أية قوة عسكرية مهما كانت عظمتها من الدفاع عن الشعوب، وتم الإثبات من خلال الهجمات الوحشية التي تعرضت لها شعوب المنطقة وخاصة الشعب الكردي.
إن الحماية الجوهرية حق طبيعي، واكتساب هذا الوعي يحتاج إلى معرفة الهوية الحقيقية والتصدي لكافة أشكال الاغتراب عن الذات والحقيقة الاجتماعية والتاريخية، ولكن مع تطور مفهوم السلطة والدولة فقدت المجتمعات قابلية السير على هذا المبدأ، كما قال هتلر: بأن «الشعوب كالقطيع» أي أينما وجهتها القوى الحاكمة فسوف تسير خلفها، ولكن تبين من خلال ثورة روج آفا بأن هذا التعريف لا صحة له في حال وجود مبدأ الدفاع الجوهري.
إن حقيقة الثورة في روج آفا و شمال و شرق سوريا تمدنا بالكثير عن كيفية دفاع المجتمع عن قيمه الأخلاقية والسياسية وكيف يتحول إلى درع لحماية مكتسباته المادية والمعنوية كمقاومة شعب كوباني الباسلة ضد مرتزقة #داعش# وشعب عفرين ضد ثاني أقوى جيش في حلف الناتو ضد الاحتلال التركي حيث سطّروا ملاحم في النضال والمقاومة ومازال مقاومتهم مستمرة حتى خروج آخر محتل من أراضيهم.
إن مفهوم الحماية والدفاع الجوهري لم يأتِ من العدم بل جاء بعد التسلح بوعي ديمقراطي وذلك عبر معرفة القيم الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وتمكن من بعث التلاحم وإعادة صياغة التاريخ المدفون في قبور الحداثة.
إن الثورة في روج آفا وشمال وشرق سوريا والتي هي ثورة جميع الشرائح التي يتكون منها المجتمع السوري عموماً، ولهذه الثورة خلفية تعتمد على الوعي الديمقراطي وثقافة المقاومة، لذلك لم تتمكن قوى الإرهاب من تصفيتها بل على العكس استطاعت هذه الثورة أن تحرز نجاحات هامة حتى وصلت إلى مستوى أخذت فيه مكانتها في الأجندات العالمية وتحولت إلى أهم عامل من عوامل تغيير موازين القوى في المنطقة.
وقد أثبتت الشعوب بتنظيمها تحت سقف إدارة ذاتية ديمقراطية بأنه لا يمكن لأية قوة أن تحقق النجاح دون الاعتماد على ذاتها وقوتها الجوهرية.[1]