ارتداد الأزمة السورية على أنقرة وطهران
سوريا المعروفة بأنها مركز لكثير من الحضارات والمدنيات عبر التاريخ؛ تتحول اليوم إلى ميدان مقصلة تجز فيه رؤوس السوريين بكل أطيافهم وتوجهاتهم بعد كل يوم يشرق فيه الشمس على الأزمة السورية الممتدة منذ ثماني سنوات والتي انشغل فيها العالم، الكل حسب أجندته ومصالحه في الجغرافيا السورية، ولكل جهة متدخلة فيها الأهداف المختلفة إن لم نقل المتناقضة إنْ كانت المحلية أو الإقليمية أو الدولية.
“الثورة” التي بدأت من أجل الكرامة والحرية وبناء الوطن والمواطن على أساس تحقيق المواطنة الحرة الواعية لذاتها، تحولت الثورة إلى مكتب تصريف وتسيير وتنفيذ أجندات القوى الإقليمية والدولية متناسين أنهم أصحاب الثورة التي تهدف إلى المصالحة المجتمعية قبل إعلان النصر العسكري. لان هدف أية ثورة هو تحقيق التحول الديمقراطي والتغيير المجتمعي الذي يهدف لبناء الإنسان والمجتمع الحر.
لكن حينما تتحول الثورة إلى عملية جمع للثروة وجني المال، حينها يتحول (اجتماع الثورجية) إلى قطاع طرق ومرتزقة وانتقاميون، كما في المقتلة/ الحالة السورية.
طهران التي تدخلت في الأزمة السورية بحجة حماية النظام السوري من السقوط، إلا أنه كان لها أجندتها الخاصة في نشر التشيع خدمة لفرض هيمنتها على المنطقة ووصولاً للبحر المتوسط من خلال مشروعها “الهلال الشيعي”.
كذلك تركيا من طرف آخر أخذت بدعم ما سمي بالمعارضة لإسقاط النظام، حتى حول إردوغان جغرافية تركيا لمعبر لمعظم المرتزقة والارهابيين العابرين للحدود والقوميات، كذلك تنفيذاً لأجندات إردوغان الخاصة في بعث العثمانية من جديد وفرض هيمنته على المنطقة.
بين المدّ الشيعي الفارسي وبين المدّ السني العثماني ضاعت أهداف الثورة السورية وراح الطرفان يدمر ويقتل ويحرق ويهجر الإنسان، حتى أنه تم تهجير نصف الشعب السوري وتدمير سوريا من كافة النواحي وسرقة المعامل وأدوات ووسائل الإنتاج وتحويل سوريا إلى ما يشبه الصحراء القاحلة التي لا فائدة منها إلا بعملية استصلاح الأراضي من جديد.
في القوانين الفيزيائية والطبيعية أنه ثمة رد فعل لكل فعل يساويه في القوة أو ربما يتجاوزه. وهذه القوانين ليست مجردة ومحاصرة في المختبرات فقط، لأنه في الكثير من الأوقات تتعدى المختبر لتصل المختبر الأكبر والحي وهو المجتمع. فأي فعل غير طبيعي يتم تسييره على المجتمع، ينبغي علينا أن نعلم أننا سنرى عملية رد الفعل إن آجلا أو عاجلاً. والزمن هو الكفيل الذي يحدد موعد رد الفعل هذا وكذلك الأسلوب.
ما كانت تتمناه كلا من طهران وأنقرة وتفعلاه على الجغرافيا السورية وبعد ثماني سنوات عجاف، بدأت تلوح في الأفق الهزات الارتدادية أو رد الفعل على نفس الجغرافيا اللتان أرادتا تصدير أزماتها للخارج، فها هو الوقت قد حان لعملية رد الفعل لنفس مكان أو جغرافية الفعل السلبي للأزمة السورية.
ما تعيشه الآن طهران من عملية تحجيم هيمنتها وقص مخالبها هو الأمر ذاته يتم تنفيذه على اردوغان تركيا الذي أراد يوماً نشر الفوضى والدمار والخراب. الآن يرتد عليهما وربما ستكون نتائجها أسوأ بكثير مما حدث على أو في الجغرافيا السورية. حالة الاختناق الاقتصادي التي تعاني منها طهران وأنقرة ربما ستكون أولى الخطوات نحو الانهيار التام الذي سيصيبهما وكذلك تداعيات الأزمة السورية التي أصبحت كالوباء المعدي والذي سيصيب كل مَن اقترب منها وأراد الاستثمار بها لأجنداته ومصالحه الخاصة.
الاتفاق النووي وما يحدث له من عمليات شد وجذب بين طهران والغرب من جهة، وكذلك أزمة الصواريخ الروسية إس 400 وطائرات اف 35، ربما تكون سماعات لنشر الفوضى في إيران وتركيا بعض النظر عن الحقيقة. والتي كانت نفس المسرحية التي تم استخدامها في العراق وليبيا. وتبقى الحقيقة ضائعة تحت طاولة القوى الرأسمالية الناهبة التي لها أهدافها الخاصة في تحقيق أجندتها في الشرق الأوسط الجديد.
ويبقى الكرد إلى جانب قوى الديمقراطية من شركائهم التاريخيين في هذه الدول الذين اختاروا النهج الثالث كمبدأ لهم بعيداً عن صراع الثنائيات القاتلة لهويات سامة ملغومة تم دسها في عسل بناء الوطن والدولة القومية.
الأمة الديمقراطية هي الفلسفة الجديدة في المنطقة ربما تكون البديل الأقوى لحل كافة المشاكل العالقة في المنطقة، بعيداً عما هو مألوف وفق رؤى قديمة محصورة في القوموية الضيقة التي لم تفرز سوى العصبية وكذلك تقليد الغرب الأعمى الذي بدوره لم يفرز سوى الإنسان المستهلك المسخ، وكلاهما حول الإنسان لمجرد قطيع لا يهمه في الحياة سوى البحث عن لقمة العيش حتى ولو كانت من يد الجاني.[1]