فلسفة ومبادئ دين يارسان
مقالات/ مهدي كاكەيي
يؤمن اليارسانيون بِوحدة الوجود. كل شيء على الأرض بِنظر اليارسانيين، مُنعكسٌ من نور (الإله)، ف(الإله) موجود في كل شيء وحتى في الحيوانات والحشرات التي يجب ألّا يؤذيها الإنسان. هذه العقيدة اليارسانية تتطابق مع التوازن البيئي وعدم الإخلال به، حيث أنّ النظام البيئي، بما فيه من كائنات حيّة وجماد، يكون في حالة توازن وأنّ الإخلال بهذا التوازن الطبيعي عن طريق التأثير على عنصر أو أكثر من العناصر المكوّنة للنظام البيئي، سيؤدي الى خلل في ذلك النظام البيئي ويتسبب في الإضرار بالبيئة وبالتالي الإضرار بالإنسان أيضاً الذي هو جزء من عناصر النظام البيئي. الأرض هي مكان عيش الإنسان وكل إنسان له الحق في العيش بِسلام وحُرّية على كوكبنا الأرضي ولذلك دين يارسان لا ينكر حقوق أصحاب الأديان الأخرى، بل يقرّ بها ويحترمها.
الدين اليارساني يدعو إلى عبادة الخالق الواحد وتخليص الروح من المادة، والى احترام العناصر الأربعة (النار، الهواء، الماء، التراب) وأنّ تعاليمه تقوم على مجاهدة النفس للإنتصار على أسباب الشر والوصول إلى فردوسٍ، حافلٍ بالأفراح والسعادة واللذة المادية والإشراف على إيقاد النار المقدسة.
الثقافة اليارسانية هي ثقافة كوردستانية أصيلة، ثقافة إشراقية، ثقافة سلام، إنها ليست ثقافة تكفيرٍ وجهادٍ وغزوٍ وسلبٍ وسبيٍ وذبحٍ. إنها ثقافة مبنية على مبدأ (اطلب السلام، تُوهَبْ لك الحياة) وليست ثقافة مبنية على مبدأ (اطلب الموت تُوهَبْ لك الحياة). حتّى أن القرابين والنذور في هذا الدين المُسالم هي في الغالب عبارة عن الفواكه والفطائر. كما أن الطقوس والمراسيم الدينية اليارسانية يتم إجراؤها على أنغام الموسيقى التي تُنعِش الروح وتسمو بالمشاعر. لا تزال الموسيقى حاضرةً في طقوس الديانة اليارسانية رغم تعرضها للتحريف والتشويه بشكلٍ كبير.
تتمثل الوحدانية في الديانة اليارسانية في خالق الكون (خاوَنكار). في الديانة اليارسانية، لا توجد تسمية خاصة للشر ولا يوجد إله خاص بالشرّ. في فلسفة العقيدة اليارسانية، خاوَنكار (الإله) هو نور وخير مطلق، ولا يمكن أن ينبثق الظلام من النور، ولا يمكن للإله الخيّر أن يُنتج كائناً شرّيراً، يسلّطه على مخلوقاته، فالخير والشر في العقيدة اليارسانية هما من عمل الإنسان، ولذلك فأنّ الإنسان هو صانع أفعاله وأقواله، ولا وجود لِكائن شرّير بإسم (أهريمن) أو (شيطان) لتحميله وزر أفعال وأقوال البشر. كما أنّ وجود الشر في الدين اليارساني يتناقض مع مفهوم (الخالق) الذي هو خير مطلق. وهبَ الإله (خاوَنكار) الإنسان العقل ولذلك فأنّ الإنسان مُخيّر بين القيام بأعمال خيّرة أو سيئة وهذا يعني بأن الإنسان مُخيّرٌ في التفكير والقيام بالأعمال، سواء كانت أعمالاً صائبة أو خاطئة، جيدة أو سيئة، وأنه يتحمل مسئولية قيامه بالأعمال التي يقوم بها، وهو بنفسه يتحمل مسئولية إرتكابه الأخطاء أو الجرائم. لو أنّ كل ما يقوم به الإنسان هو من إرادة الإله، هذا يعني بأن الإله يدفع الإنسان الى إرتكاب الجرائم والأعمال الشرّيرة الأخرى وأنه مصدر الشرّ. هذا يعني أيضاً أنه في هذه الحالة فأنّ الإنسان المُجرم برئ من جرائمه لأنه فاقد الإرادة وأنه مجرد آلة يستخدمها الإله في إرتكاب الجرائم وأنّ الإله هو المجرم الحقيقي والعقل المدبّر لكافة جرائم وشرور الإنسان.
الفلسفة التي تتميّز بها الديانة اليارسانية عن الديانات االمُسمّاة بالسماوية، هي أنه في الديانة اليارسانية، الإنسان هو منبع الخير والشر وليس الإله. هكذا فأن الفلسفة اليارسانية تقول أنّ أعمال البشر لا يُحددها الإله، بل أنّ الإنسان بنفسه يُحدّد الأعمال التي يقوم بها وبذلك يمنح الدين اليارساني للإنسان حرية الفكر والإبداع والإبتكار والإختراع والإعتماد على النفس والثقة بالنفس والعمل على خدمة الإنسانية وبناء الحضارة البشرية، بِعكس الأديان التي تجعل معتنقيها يخضعون للأقدار ويعتمدون على الإله وبذلك يتم تغييب عقل الإنسان وإلغاء إرادته.
كما أنّ العلاقة بين الإله والإنسان في الديانة اليارسانية، هي علاقة روحية هارمونية، علاقة عشق وحُبّ ومحبة، حيث أنّ الإنسان هو جزء من الذات الإلهية. لذلك فأنّ الإله يُحبّ مخلوقاته وأنه إلهٌ مسالمٌ، ليس “جلّاداً”، يُهدد ويُخيف ويُرعِب البشر ويُنذره بالحرق والتعذيب، كما هو الحال في أديانٍ أخرى. هذا يعني بأنّ الإنسان يعبد الإله عن قناعة وإيمان وأنّ عبادته غير ناجمة عن الخوف من غضب وعقاب الإله.
الدين اليارساني هو دين توحيدي. لا وجود للموت في هذا الدين، حيث يؤمن معتنقيه بتناسخ الأرواح. عند موت الإنسان تنتقل روحه الى جسد إنسان أو حيوان آخر، حسب أعماله في هذه الدنيا. كما أن هذا الدين ليس له نبي أو رسول مُرسَل من الخالق لأن الرب يُظهِر نفسه كإنسان ويعيش بين البشر ويقوم بإدارة شؤونهم. يمر الانسان ب(1001) دورة حياتية وفي نهاية هذه السلسلة من الحياة يصل الإنسان الى درجة الكمال ويصبح جزءاً من الذات الإلهية وخالداً. الانسان الخيّر في احدى حياته يصبح انساناً سعيداً وموفقاً في حياته القادمة والانسان السيء في احدى حياته سوف يصبح انساناً تعيساً في حياته القادمة أو يصبح حيواناً. اذن في الدين اليارساني الجنة والجهنم موجودتان ضمن سلسلة حياة الانسان الى أن يتصفى الإنسان ويصل الى درجة الكمال وعندئذٍ يصبح جزءاً من الذات الإلهية.
يرتكز الدين اليارساني على خمس مرتكزات أساسية وهي:
النظافة: تعني نظافة الجسم والفكر وصدق الوعد وحُسن السلوك.
الصدق: يعني إختيار الطريق الصحيح والإبتعاد عن الأعمال السيئة.
الإبتعاد عن الأنانية وحب الذات والإنتصار على الرغبات الدنيوية.
مساعدة الآخرين والتضحية في سبيلهم والعمل على توفير الرفاهية للناس.
عدم إيذاء أو الإضرار بالنار والهواء والماء والتربة والطبيعة والإنسان والحيوانات والنباتات والأشجار والطُرق.[1]