قراءة في كتاب -في ظلال الجبل- من ذكريات الثورة والمقاومة
نعمت شريف
الحوار المتمدن-العدد: 6777
المحور: القضية الكردية
قراءة في كتاب في ظلال الجبل
من ذكريات الثورة والمقاومة
مراجعة: نعمت شريف
المؤلف رزكار كيسته يي
اصدار: مطبعة روزهه لات، دهوك لعام 2018
اللغة: الكردية، 276 صفحة من القطع المتوسط
لم تكن الثورة قتالا فحسب، ولكن وراء ذالك القتال كان يكمن نمط حياة خاصة
رزكار كيسته يي
في هذه الطبعة الانيقة يسرد الكاتب البيشمركة 33 عملية معظمها عسكرية ضد قوات الاحتلال البعثي باسلوب قصصي ممتع يشوق القارئ للمتابعة حتى النهاية. تبقى الاحداث وديناميكيتها لغزا لغير البيشمركة الى ان يقرأ قصة بعد قصة ليرى نفسه وكانه يشارك في العملية، ويعتلج بداخله مشاعر الحزن والتراجيديا مرة، لترتفع مشاعر الفخر والبطولة مع كل خطوة يصعد بها البيشمركة سفح جبل مرة اخرى. لا تخلو هذه القصص من لقطات فكاهية او مفارقات تزيد من متعة القراءة وتتبعه لطبيعة العلاقات النضالية بين البيشمركة ومسؤوليهم وبين البيشمركة انفسهم. وللذين جربوا حياة من نمط خاص، كما يصفها الكاتب، في صفوف البيشمركة فبحق تعيدك هذه القصص الى اجواء النضال ومقاومة الظلم والاضطهاد.
في الوقت الذي يقدم الكتاب وصفا دقيقا لمجموعات البيشمركة ونمط عيشها والعمل فيما بينها من خلال التنظيم الحزبي من جهة وتنظيمات البيشمركه والتعاون فيما بينهما لتحقيق النصر المنشود في العمليات العسكرية، يصف ايضا القوات البعثية، ومعظمها بالعدد والعدة. وهذا يسمح للمقارنة بين القوات المهاجمة (بكسر الجيم) والمهاجمة (بفتح الجيم) لتقييم كل عملية والصعوبات التي كان البيشمركة يواجهها في الدفاع عن الحقوق المشروعة لشعب كردستان ضد القوات الحكومية من جيش وجحوش وشرطة المشاركة في العمليات التى جرى وصفها.
ليس هذا فحسب، فالكتاب يقدم سجلا حافلا بأسماء البيشمركة الذين كان لهم دور القيادة والمسؤولية ومن بينهم عدد من المسؤولين الكبار في الوقت الحاضر من جهة، واؤلئك الذين قدموا ارواحهم فداءا للوطن من شهداء وجرحى. يتضمن سيرالحياة الاسم الكامل للبيشمركة وانتمائه للقرية او العشيرة للتعريف به، وموجزا عن خدماته وتدرجه في تحمل المسؤوليات الملقاة على عاتقه. ولا يفوتنا الى ان نشير الى ان حياة الكاتب ودوره يظهران لنا من بين السطور هنا وهناك، والوصف الدقيق ايضا يشير الى انه اشترك بالفعل بنفسه في هذه العمليات. ويسرد الكاتب قصصه في تتابع زمني ويؤرخها بتواريخ حقيقية للعمليات، وبذلك يؤرخ بحق لاحداث ثورة ايار المجيدة عن تجربة ويشكل هذا سجلا للمقاومة قل نظيره ان وجد.
من مجموع (33) قصة يوثقها الكتاب، هناك (3) منها فقط مروية على لسان بيشمركة آخر. واحدة من هذه القصص هي عملية تحرير قلعة رايات بقيادة مصطفى البارزاني نفسه عام 1962 بعد حصار دام 37 يوما. وهناك قصتان اخريان من مآسي عمليات الانفال السيئة الصيت التي راحت ضحيتها اكثر من 180 الف مواطن برئ معظمهم من الاطفال والنساء والشيوخ. وهاتان القصتان هما قصة العجوز والمنجل و الانفال وقصة ئاري الصغير.
سيكون هذا الكتاب موضع دراسة واعتماد، ورغم متانة النص وقيمته الادبية واللغوية والتاريخية، لا بد ان نذكر بعض النقاط التي لو اضافها الكاتب لزاد في متعة القراءة والفائدة، ومنها:
اضافة بعض الصور، مثلا صورة والد الكاتب وهو شيخ كبير حيث هنأه ملك السويد بعيد ميلاده المائة، وبعض الصور الاخرى الطبيعية للاماكن و الجبال التي ورد ذكرها. وكذلك بعض الخرائط التوضيحية للعمليات والمواقع ومسارات البيشمركة. ليس القراء جميعا يعرفون المواقع التاريخية المذكورة، حتى وان كانت الخرائط بسيطة او مرسومة باليد، وما اسهلها في عصر التكنلوجيا. وملاحظة اخيرة عن استعمال كلمة العدو فقد كان في محله في المتن ولم يكن ضروريا توضيحها في الهامش لان العلاقة الشخصية آنذاك المذكورة في السرد تستوفي استعمال كلمة العدو، وما فعل الاثنان يستحق التقدير لان شعورهما العالي بالتضامن في النضال ضد العدو المشترك فرض عليهما ذلك السلوك الراقي، ولم يتراجعا عنه بسبب التقاليد البالية.
في المقدمة يظهر الكاتب احساسه بالمسؤولية التاريخية وتوثيقه للنضال الثوري، ودوره في تربية الاجيال القادمة، ولكن الذي استوقفني هو انه تفادى ذكر بعض المواقف السلبية حرصا على مشاعر الاخرين. ولكن من وجهة النظرالتاريخية يلبس البيشمركة مظهرا مثاليا. في الوقت الذي سطر البيشمركة ملاحم بطولية سواءا ايام ثورة ايلول او أيار، كانت ظروف النضال صعبة للغاية وكان لا بد ان يتخلله بعض المواقف السلبية. لا نقصد هنا اشخاصا، ولكن المواقف السلبية وخاصة الخيانية كما كان الحال مع الجحوش مثلا وخاصة انه هناك كتب وقوائم تحتوي على اسماء رؤسائهم ومساعديهم وغيرهم من مسؤولين كرد في حزب البعث او اعضاء برلمان الحكم الذاتي الكارتوني وآخرين غيرهم.
وفي خاتمته للكتاب بعنوان نحن لسنا جميعا بيشمركة يطرح الكاتب رأيا قيما عن وضع البيشمركة في سنوات ما قبل الحرب على داعش وبعدها ووضعهم في الوقت الحاضر. على مدى ما يقرب من العقدين من الزمن لم تكن الاوضاع على مايرام للبيشمركة، حيث بدأ التراجع في الاهتمام بهم وسمعتهم حتى وصل الامركما يذكر الكاتب ان البعض منهم كان يتفادى التصريح بانه بيشمركة. ونتيجة لهذا الوضع نعتقد ان الرئيس مسعود البازاني باحساسه المرهف كان يشعر بذلك وكان يؤكد في كل مناسبة مرارا وتكرارا على دور البيشمركة وتضحياتهم لرفع معنوياتهم، وكان قد قال اكثر من مرة بانه يفتخر بانه بيشمركة قبل اي شئ آخر، وكنا كثيرا ما نردد اقواله باعتزاز ونطلق عليه اسم الرئيس البيشمركة في احاديثنا ومناقشاتنا. نعتقد ان الهدف من العفو عن الجحوش كان لرأب الشرخ الذي احدثته سنوات القتال في صفوف الشعب، ولم يكن الهدف تفضيلهم على الاخرين وخاصة البيشمركة باعطاء الجحوش مناصب وامتيازات مهمة. كان العفو قد اخذ منحى آخر غير المقصود منه. ولذلك في تلك الفترة كانت ثقافة المصلحة الشخصية الضيقة التي تحفز الجحوش على العمل مع هذا الطرف او ذاك، هي الطاغية على حساب الفكر الثوري والتاريخ النضالي للبيشمركة.
لكن المؤسف حقا ان نرى آثار تلك الفترة لا تزال واضحة ويعاني منها البيشمركة، وهذا ما لاحظه الكاتب مشكورا. ان غالبية البيشمركة لا زالوا يعيشون في دور اشبه بالصرائف عندما زارهم الكاتب بعد العودة من جبهات الحرب على داعش جميعم كانوا يسكنون في محلات (التجاوز-غيرالقانونية) في بيوت من الطين والصفائح (التنك) اشبه ما يكون بالصرائف (ص276) ثم يستمر الكاتب ليقول شتان بين هؤلاء الذين يضحون بارواحهم من اجل هذا الوطن، واؤلئك الذين سيكنون في القصور والفيلات والمزارع الممتدة الاطراف، والجميع يرفعون شعار نحن جميعنا بيشمركة كذبا وزورا.[1]