الدولة التركية والإخراج السيئ لسيناريو تفجير إسطمبول
علي سيريني
الحوار المتمدن-العدد: 7432
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
منذ الساعات الأولى من إذاعة خبر تفجير إسطمبول، الذي أودى حتى الآن بستة أشخاص وجرح حوالي ثمانين شخصا، نشرت صورة مغوشة لإمرأة تلبس الحجاب والبنطلون على أنها إمرأة كُردية تابعة لحزب العمال الكُردستاني. في الواقع ومن أول نظرة على الصورة، تبين لي أنها لا تشبه نساء الكُرد في طلتها وقوامها. ثم ازددت شكا بعد أن نسبت قناة الجزيرة المرأة إلى منطقة عفرين لتوهم أن الجريمة وقعت بدافع قومي كُردي. ومنذ أن أذيع الخبر، تقيم الجزيرة مأتما كبيرا على غرار نساء قريش في فيلم الرسالة بعد معركة بدر، حيث كومة من الأخبار المتعلقة بهذه الحادثة تغطي موقع الجزيرة بشكل رهيب. وتبدو أيادي الفلسطينيين والقومجيين العرب في قناة الجزير ة واضحة في تسويق هذا الخبر ضد الشعب الكُردي. ولا أدري إن كان هؤلاء يتصلون بنسب ما مع قريش الذين دحروا في معركة بدر، فعناصر الإشتراك في كيفية إقامة المأتم بين الفخذين قوية.
والغريب، أن الرئيس التركي و وزير الخارجية سليمان صويلو و وراءهما الدولة والإعلام التركي، منذ الدقائق الأولى، أعلنوا هوية الفاعل وهو حسب زعمهم حزب العمال الكُردستاني (بي كى كى). في الواقع إن حزب العمال منذ سنين طويلة ليس سوى منظمة مخترقة من قبل النظام الإيراني والسوري والتركي، وهي تنفذ أجندتها على الأرض وفق المنحى الذي يصطدم بمصالح الشعب الكُردي وحقوقهم. ولكن، لا يبدو أن هذه الجريمة هي من صنع حزب العمال، اللهم إلا إذا كان هناك تنسيق مسبق بين الحزب والمخابرات التركية لتنفيذ هذه الجريمة، وهو أمر مستبعد عقلا على الأقل في هذه الظروف. ولكن الإخراج التركي سيئ جدا، على عكس المسلسلات التركية التي جذبت مشاهدين كثر في العالم العربي والإسلامي.
قناة الجزيرة نفسها وقبل قليل، نشرت صورة المرأة المتهمة وقد قبض عليها وهي واضحة المعالم أنها ليست كُردية. فضلا عن أنها تبدو من ذوي العاهات العقلية لمن يدقق في الصورة (قد تكون من المصابين بالأوتيزم أو أي نوع آخر من الأمراض النفسية)، وهي تبدو في حالة إندهاش ولكنها ليست مرعوبة. قد يقال أنها مصدومة، لكنها في الواقع مصيرة في عملية تمثيل ركيكة الآداء. فالمرأة تبدو أفريقية من ملامحها، أو أنها من عرب البادية، و وجودها في تركيا قد يكون من أجل العبور إلى أوروبا من أحل اللجوء. والمرأة ليست كُردية بحال، اللهم إلا إذا كانت كُردية من السودان أو أثيوبيا من الكُرد الذين وصلوا إلى هناك مع السلطان صلاح الدين الأيوبي رحمه الله. ولكن يبدو أن المسؤولين الأتراك تداركوا الأمر قبل أن يُفضح أمرهم، فأعلنوا أنها إمرأة سورية وإسمها أحلام البشير (إسم غير كُردي) وأنها تلقت التدريب والسلاح من حزب العمال في سوريا. وهذه الرواية هي الأخرى ركيكة. فما دافع إمرأة عربية أو أفريقية أن تتلقى التدريب من حزب العمال ثم تتورط في جريمة قتل للمدنيين. إذا كانت الدوافع هي إنتقاما لعفرين وكوبانى، فالإنتقام لا يكون من المدنيين الأبرياء. ثم إن الإنتقام جاء متأخرا وكان لا بد أن يحدث قبل سنوات طبقا لمفهوم الإنتقام الذي يبدو بعيدا جدا.
الحقيقة تقول أن هذه الجريمة هي من صنع المخابرات (أي مخابرات؟ الله أعلم) وبإتقان، ولكن الإخراج والمونتاج والسيناريو فاشل جدا. وليت قناة الجزيرة طلبت من قطر أن تدفع بضعة ملايين من الدولارات (من أصل ثلاثمائة مليار دولار صرفت على كأس العالم لكرة القدم) للدولة التركية، من أجل المساهمة في إخراج هذه التمثيلية بشكل أفضل، وللحفاظ على ماء الوجه. ما أتوقعه هو أن يُفضح أمر هذه الجريمة في الأيام القادمة. وإذا حدث ذلك، فإن هذه الحادثة تقلب الطاولة رأسا على عقب في تركيا، ويؤدي الأمر إلى حدوث ما لا يُحمد عقباه. وحينئذ سيكون مأتم الجزيرة أعظم من مأتمها على هذه الحادثة، وهي أصغر بكثير مما يجري في إيران. لكن الجزيرة آثرت الصمت إزاء جرائم إيران، كما تثبت الوثيقة المسربة من الجزيرة ومديرها العام في الأمر الصادر لموظفي القناة بالصمت إزاء أحداث إيران الدامية.
اللهم إنا نبرأ إليك من السيناروهات الفاشلة والإخراج الفاشل والتمثيل الفاشل، واغفر قلّة إمكانياتنا، فأموال العرب والمسلمين في جلها أو معظمها تذهب إلى أمريكا وأوروبا بذرائع كثيرة، ومنها مسابقة كأس العالم الميمونة. اللهم واغفر لضحايا هذا التفجير والضحايا الآخرين في بلادنا كلها وألهم أهلهم وذويهم الصبر والسلوان. اللهم وخلصنا من المخرجين والمنتجين والممثلين الفاشلين، والسينارستين الأفشل. اللهم آمين يا رب العالمين.[1]