ناكهان أكارسال
هيفي حسن
نحتاج إلى صوت يدعونا إلى شلال عواطف العصر وأفكاره.. صوت يتحدث إلى الحاضر بقدر ما هو قديم وأقدم.. كلمة تجعلنا نشعر أننا لسنا وحدنا ويكمل طاقتنا في الكون. نحتاج إلى مقطع لا يفصل العاطفة عن الفكر، والروح عن العقل، والحدس عن المعرفة، والمادة عن الطاقة، والحياة عن الموت، والنور عن الظلام، والفلسفة عن علم الاجتماع. تحمل النموذج للبراديغما الروحية والفكرية للزمان والمكان.
هذا ما دونته ناكهان في مقالتها الأخيرة لمجلة جنولوجيا.. كانت تقول أتمنى أن يكون هناك صوت يجعلنا نشعر بأننا لسنا وحدنا في الكون، إنها بوجودها أصبحت صاحبة هذا الصوت.
ولعل القدرة على تعريفها تتطلب فهم القصائد المكتوبة للطيور والأشجار والكون في زوايا العالم، كما تقول رفيقاتها الأشعار التي تحمل الحقيقة. ربما القدرة على تعريفها تعني القدرة على فهم قصص النساء، والصرخات الصامتة المحاصرة داخل جدران منازل المقاومة.. ربما من وجهة نظر كل امرأة تشعر، كل امرأة مقيدة اليدين في كردستان، لكي ترى ما يُرى، وتفهم ما يُهمس في أذنها.
ربما تمر في لحظات الحياة التي يتصالح فيها القلب والعقل، في الأوقات التي تأتي وتطفو دون أن تفقد التوازن أو الانسجام.. ربما تأتي من سحر القصائد والقصص والأشعار التي تبقى سرية، في الزيارات التي كانت النساء يؤدين الصلاة أمامها ليل نهار، اللواتي يحتفظن بالسر لأنفسهن، اللواتي هن أنفسهن السر. ومن يدري ربما، كما قال الشاعر، أعمالهن: تأتي من اللواتي يركضن خلف أغنية الحق، بين زهرة اللوتس والعصر.
ولعلها تأتي ممن عرفوا سر الحقيقة المختبئ في أصداف البحر على مر العصور.
في عام 1977، رحبت ناكهان بالحياة التي أحبتها كثيراً في قرية خليكان (كول يازي) في منطقة جيهانبيلي في منطقة قونيا. كردستان بعيدة، لكن لم يتمكنوا من فصلها عن جوهرها خلال قرون من المنفى في أي جغرافية، درست حتى المرحلة الثانوية هنا. بعد ذلك، التحقت بجامعة غازي في أنقرة قسم الصحافة، لتخطو الخطوات الأولى في مسيرتها الصحفية، والتي ستمارسها بكل حب وشغف مستقبلاً في حياتها. التقت ناكهان، التي لم تتخلّ أبداً عن بحثها عن الحقيقة، بحركة الحرية هنا.
وفي عام 1998، وفي قرار وصفته بأنه نقطة تحوّل في حياتها، ذهبت مع مجموعة من أصدقائها إلى دمشق لرؤية القائد عبد الله أوجلان. هذه الزيارة التي عبّرت عنها بهذه الكلمات: لقد أكسبتني هذه الأيام الأربعة قوة للكفاح تكفيني مدى الحياة، لم تكتمل هذه الزيارة، بسبب مؤامرة 9 تشرين الأول. ناكهان اكتسبت قوة العمر في أربعة أيام، كان أكبر ندم لها في الحياة هو أنها لم تتمكن من البقاء فترة أطول.
وبعد عودتها عام 2001، عندما كان طالبة، اعتُقلت بسبب أنشطتها السياسية، حتى عام 2007، ظلت معتقلة في سجني أولوكانلار وأمسيا في أنقرة. وحتى أثناء وجودها في السجن لم تتوقف عن الدراسة والفهم والبحث عن الحقيقة.
ناكهان، بعد مرحلة الأسر، تخرجت من قسم الصحافة، بعد ذلك درست في قسم دراسات المرأة بجامعة هاجي تبه. بشغف، اتخذت خطوتها الأولى في مجال الصحافة بوكالة أنباء دجلة، وتولت مسؤوليات مثل المراسلة والمحررة. خلال هذه الفترة عملت أيضاً كاتبة في زاوية جريدة كوندم.
لم تتخلّ عن قلمها الذي كانت تستخدمه من أجل إيصال الشعب والمرأة إلى الحقيقة. وفي عام
2014 بدأت أعمالها في علم المرأة (جنولوجيا)، وعملت عضوة في هيئة تحرير أكاديمية جنولوجيا ومجلة جنولوجيا. وخلال هذه الفترة كدحت ليل نهار لإلقاء الضوء على حقيقة المرأة. جمعت القصص وكتبت المقالات.
لم تتوقف أبداً عن البحث عن تاريخ المرأة ومعناها التاريخي في شنكال وروج آفا وروجهلات وباشور كردستان. في كل مكان ذهبت إليه، استمعت إلى النساء، وحاولت التعلم منهن، ووضعت ما تعلمته في مصفاتها ثم كتبته في مقالاتها وأعطته هدية لنساء العالم. كتبت لصحف ومجلات مثل مجلة جنولوجيا، Özgür Gündem، Özgür Politics، مجلة Demokrat Modernite، Newaya Jin، ونظمت الوقت في اللحظة، واللحظة في الحياة، والحياة في العاطفة والفكر. وبينما كانت تواصل عملها في مركز أبحاث وأرشيف ومكتبة المرأة الكردية في مدينة السليمانية بجنوب كردستان، تعرضت للاغتيال في
04-11-202204-11-2022 .
وفي الوقت الذي ترددت فيه أصداء ثورة المرأة، الحياة، الحرية في جميع أنحاء العالم، لم يكن مقتل إحدى رائدات هذه الثورة، ناكهان، مثل مجازر النساء الثائرات قبلها محض صدفة. مثل باحثة عن الحقيقة، وكرسول المعنى، كان تأثير ناكهان موجوداً في كل مكان، حيث كانت تنظم وتبني ثورة العصر في اللحظة.
في هذه اللحظات التي تحاول فيها فقدان معنى الحياة، قالت: المعنى، كما هو الحال مع النظرات الساطعة في العيون المتلألئة لطفل حديث الولادة، يلهم آخر. لقد كانت ذات مغزى وألهمت آلاف النساء.
لقد سُجّل استهدافها وقتلها في التاريخ، ليُظهر مدى خوف النظام الذكوري المهيمن من نضالها.
لقد سُجّل استهدافها وقتلها في صفحات التاريخ، كدليل على مدى خوف النظام الذكوري من نضالها. وكتبت ناكهان بمقاومة مئات النساء، عشرات المقالات والدواوين والقصص عن المقاومة، وتنظم اللحظات بروحها النضالية، وتسهم في ثورة المرأة وتوسع النضال من أجل الحرية.
[1]