سنتان على رحيل الشاعر الكردي فرهاد عجمو ماذا تغير ..!
اكرم حسين
الحوار المتمدن-العدد: 6254
المحور: الادب والفن
بعد سنتين على تغييب الموت لأهم الشعراء الغنائيين الكرد المعاصرين،، تناسى او نسي الناس فرهاد ، وتم تجاهله وتجاهل نتاجه الشعري والغنائي وخاصة من قبل النقاد والمهتمين بالشأن الثقافي الكردي ، رغم انه ارسى فيها لمدرسة جديدة على صعيد اللغة والموسيقا والصورة الشعرية ، من خلال تناول موضوعات لها علاقة بالحب والحياة والسياسة ونقد للأبويات الحزبية والنسق المعرفي السائد ، وخاصة الاحزاب الكردية التي فرقت المجتمع وشتته الى ملل متناحرة ،واكد على ان استمرارية الوجود واللغة الكردية مرتبطة بوحدة الكرد في الاجزاء الاربعة ، وتم تركه للإهمال والنسيان المتعمد وعدم الاهتمام به او بقصائده ، وخاصة في مجال القصيدة الغنائية ، بما فيها اتحادات الكتاب المتعددة في روجافاي كردستان ، ورغم اني لست فارسا من فرسان الكتابة وميادينها لان الاخرين – وخاصة اصحاب الاختصاص - قد يكونون اكثر اقتدارا وتعبيرا مني على ايفاء فرهاد حقه من الدراسة والتحليل ، الا ان الواجب – بسبب هذا التناسي - يدفعني في مثل هذه الحالة الى استذكار هذا الشاعر الانسان ولو ببضع كلمات ، وهو الذي ترك فراغا كبيرا في الميدان الثقافي الكردي !
أصدر الشاعر فرهاد عجمو سبعة دواوين شعرية، كما ترجمت مختارات من قصائده إلى اللغة العربية في العام 2008، وغنيت عشرات القصائد التي نظمها الشاعر خلال حياته بصوت الكثير من الفنانين الكرد امثال عندليب الاغنية الكردية الراحل محمد شيخو والفنان بهاء شيخو وخليل غمكين ، والاخوين شيدا وصفقان ، شادي خالدي ، وعادل حزني الذي غنى اغنيته المشهورة – جياكو - في الوقت الذي لم يجرؤ احد على تأديتها !
لقد كان فرهاد يعشق مدينته الجميلة قامشلو التي سكنها وسكنته ، فغنى لها القصائد ، وابى الخروج منها رغم ضنك العيش وصعوبة الحياة ، واصر على ان يكون في شوارعها وان يدفن في مقابرها ، وها هو ذا يرقد في مقبرة الهلالية على تلة تشرف على اهلها وناسها ، يتنفس هوائها ويتلمس ترابها .
لقد كان امير القصيدة الكردية فرهاد عجمو نموذجا للوفاء والصداقة سواء اختلفنا معه او اتفقنا ، لا بل كان شاعرا كردستانيا في الفكر والعمل بامتياز، مشبعا بالكردايتي ومدافعا عنها حتى في لحظات الشدة والمنع ابان الثمانيات وما قبلها ، حيث كان يودع اصحابها السجون والمعتقلات ، يقف في وجه الخطأ حتى وان كان فيه ! ..رجلا متواضعا نظيفا وامينا ، صادقا وصريحا ، لا يفرق بين الناس بسبب وضعهم الاجتماعي او السياسي ، ولا يحب التظاهر واللباس الفاخر، رغم انه كان يمتلك من المال ما يزيد عن حاجته ، له نمط خاص من المعيشة والحياة ، يتجول في انحاء المدينة وفي احيائها الفقيرة ، يتجادل ويحاور الناس في التفاصيل ، في السياسة والادب والاقتصاد والمجتمع ، واسع الاطلاع والثقافة في مختلف مجالات الحياة وعلومها ، في محله الكائن في شارع الوحدة كان يستقبل الكتاب والشعراء الذين كانوا يطلبون ملاحظاته على مشاريع كتبهم ، له رؤية خاصة في الشعر والحياة والمجتمع ، سلس في تعامله ذكي ونشيط وذو معرفة واسعة بالتاريخ واللغة الكردية وبالقاموس الكردي ايضا ، وبذلك اكتسب احترام الناس ومحبتهم .
لم يكن فرهاد منتميا الى أي حزب سياسي ، بل كان رجلا محبا لكرديته ومدافعا شرسا عنها ، متواضعا بسيطا كالماء واضحا كطلقة مسدس رياض صالح الحسين ، تميز بنكران ذات وبكره شديد للتحزب والاحزاب ، ولذلك طلب مني مرات عديدة الابتعاد عن الاحزاب الكردية التي لم يكن يؤمن بها ، لأنها انتهازية ومصلحية وليست في خدمة الشعب ، الّف قصائد هجاء في السياسة والسياسيين الذين لم يعد لهم من هم سوى جمع النقود والدراهم ، وانتقد تبعيتهم للمراكز الكردستانية من خلال تكثيف قصيدته الشهيرة (سروكينمن) والتي لحنها وغناها الفنان صفقان ، واثارت في حينه ضجة واسعة !
سنتان على غياب فرهاد والوضع لم يتغير كثيرا ، الاحزاب هي هي والشعراء هم هم ، ولا زال الوضع السوري على حاله ، اما الكرد فلا زالوا يحلمون بوطن هم اقرب اليه اكثر من أي زمن مضى ، لكن المصالح والتجاذبات الاقليمية والدولية تدفع بهم الى التناحر والاختلاف ، والى ضياع هذه الفرصة التاريخية التي قد لن تتكرر!
في رحيل فرهاد تشبعت الدموع المتساقطة على وجنات ذويه ومحبيه بالحزن والالم ، وفي ذكرى رحيله يتكرر المشهد ذاته !
المجد لفرهاد والخلود الابدي لروحه المتمردة والهائمة الى حيث الازل ، وعبق التاريخ واللغة المنسية وقصص مم وزين وفرهاد وشيرين ودرويشي عبدي ، وابطال القوات الكردية ، ودماء شهداء كردستان الذين لولاهم لما كنا الان على ترابها الطاهر !
في ذكرى رحيل فرهاد له المجد والخلود الابدي ، وسيبقى نجمة مضيئة في سماء الشعر والثقافة الكردية.[1]