المرأة الكردية رأس حربة في ثورة المرأة العالمية وتوقعات بشأن مؤثراتها
قراءة في مستقبل حرب غزة وآثارها على الشرق الأوسط
د. أحمد سينو
كم كان المنظر مهيباً، حينما شاهدت مواقع التواصل تنقل احتجاجات المرأة الهندية التي بلغت عشرات الآلاف وهي تردد شعار المرأة الحياة الحرية (جين، جيان، آزادي) تصدح في سماء الهند وباللغة الكردية على خلفية الاعتداء وقتل الطبيبة المتمرنة التي كانت في استراحة في أحد مستشفيات مدينة كالكوتا، وقبلها في إيران بعد مقتل الكردية “جينا أميني” على يد شرطة الأخلاق الإيرانية في كردستان الشرقية والتي استمرت شهور طويلة من الثورة والاحتجاجات هزت أركان النظام الإيراني، وتتوالى عمليات الاغتصاب والقتل في المدن الهندية والتي تبلغ 90عملية يوميا في جميع أرجاء الهند حسب الإحصائيات، و بلغ الأمر أحياناً إلى حد الاغتصاب الجماعي مما دفع إلى السخط الشعبي والاستنكار والمظاهرات وانتشارها في الكثير من المدن الهندية مثل “دلهي” العاصمة ومدينة “كالكوتا” وتعود هذه الاحتجاجات إلى النظرة الدونية للمرأة ومكانتها في المجتمع الهندي الذي يقارب تعداده المليار و400 مليون نسمة وإلى المساحات الشاسعة في الهند وتعدد الأديان والأعراق والإثنيات واختلاف نمط ومستوى العيش بين الطبقات الاجتماعية المصنفة دينياً قديماً، إذ يبقى الفرد في طبقته مهما بلغ من الثراء، ناهيك عن طبقة المنبوذين التي قُدِّر لها أن تكون في أسفل السلم الاجتماعي، كما لا يجوز التغيير في الطبقات الاجتماعية مهما كانت الحالة الاقتصادية أو السياسية أو التنقل فيما بينها، كما تنفرد المرأة الهندية بتحمل عب كبير يرهق كاهلها وكاهل عائلتها بدفع مهر للزوج أو لعائلته لقاء زواجها وهذا إمعان في التسلط الذكوري وتعزيز للنظام الأبوي البطريركي، وهناك تفاوت في حالة الوعي بين المدينة والريف، وتعاني الأرياف من مستوى متدني من العيش والفقر الشديد.
لسنا هنا بقصد الحديث عن الاحتجاجات الهندية وحدها، بل عن كيفية انتقال شرارة الثورة من شمال شرقي سوريا إلى باقي كردستان الجنوبية ومن ثم الشرقية التي تمثلت بثورة المرأة “جينا أميني” ثم امتدت إلى عموم إيران والشرق الأوسط والآن في الهند.
ومن الجدير بالذكر أن الأحداث الساخنة في الشرق الأوسط خاصة، السياسية والعسكرية والصراع الدائر بين إسرائيل وحماس وبين إسرائيل وحزب الله ومن ورائهم إيران غطت إعلامياً على انتفاضات المرأة في الهند وجاءت هذه عبر وسائل التواصل الاجتماعي كما غطت أحداث الشرق الأوسط على التغيير السياسي الذي حدث في بنغلاديش التي أطاحت بالرئيسة “الشيخة حسينة” التي وُصفت بالدكتاتورة على خلفية مشاركة المرأة البنغلادشية وانضمامها للمعارضة والمشاركة في التظاهرات.
ثورة المرأة في شمال شرقي سوريا:
وقبل الحديث عن ثورة المرأة في شمال شرقي سوريا لا بد من التنويه إلى أن التغيير في ثورة المرأة كانت نتيجة لفكر القائد أوجلان الذي ربط كل تغيير قادم بدور المرأة والثقة بها وأماط اللثام عن قدراتها وإمكاناتها وفجر طاقاتها الكامنة على أساس من المساواة والديمقراطية والأممية دون تمييز بينهن مثل المرأة العربية والكردية والآشورية والسريانية والإيزيدية والشيعية والعلوية والدرزية، على أساس من الكونفدرالية الديمقراطية التي تجمع كلهن لحماية الوطن، ولذلك، نظّمنَ أنفسهن في قوة نسوية عسكرية لحماية كافة النساء وتحريرهن من القيود البالية والمحافظة على كيانهن بعيداً عن السلطة الذكورية والأبوية وسُميت هذه التشكيلات العسكرية (وحدات حماية المرأة) لتمتد فروعها في كل المدن في شمال شرقي سوريا خاصة بعد انطلاق ثورة 19تموز ساهمن في تحرير المدن والبلدات وحررن أخواتهن من النساء وحاربن داعش وحاربن فكره الظلامي بتحرير المختطفات الإيزيديات اللواتي استعبدن وبويعن في أسواق النخاسة في الرقة والموصل وغيرها.
وتساهم المرأة في شمال شرقي سوريا في الحماية الذاتية، وتشارك في قوى الامن الداخلي وفي المجالس العسكرية وتتخذ شعار (من خلال المرأة الحرة بإمكاننا أن نؤسس مجتمع حر) مستلهمين فكر أوجلان بمعنى إظهار قدرتهن على حماية المجتمع ولعب دور فيه، وساهمن بدور فعال في كافة مؤسسات الادارة الذاتية الديمقراطية في والرئاسات المشتركة في مجال التربية والتعليم ومن كافة المستويات وبات حضورها يبلغ أكثر من 70% في المدارس و50% في المجالس التشريعية، وَسْطَ دهشة الكثير من الدول والمؤسسات والمجتمعات في الشرق الأوسط والعالم، بل أكثر من ذلك دفع الكثيرات من الشابات في أوروبا إلى الالتحاق بثورة 19 تموز وثورة المرأة في شمال شرقي سوريا، يعني أن المرأة في وحدات حماية المرأة صارت مصدراً للإلهام في الكثير من مناطق العالم.
دور وحدات حماية المرأة في شمال شرقي سوريا في الثورة العالمية للمرأة:
ومن جانب آخر لم يغب عن القيادة العامة في وحدات حماية المرأة أن تصدر بياناً بمناسبة الاحتجاجات النسائية في الهند، إثر مقتل الطبيبة الهندية والاعتداء عليها في 9 آب الحالي مُظهِرة الدعم والمساندة “نحن في وحدات الحماية، ندين هذه الجريمة الفظيعة، وندعو التنظيمات والحركات النسائية كافة، إلى رفع صوتها ضد جميع أنواع الضغط والعنف والإساءة والقمع الجسدي والعقلي ضد المرأة، ويجب محاسبة القتلة والمعتدين”، كما لم يغفل البيان مقاومة المرأة البطولية ضد الهجمات التركية التي تستهدف كل المكونات، وكيف يتم تشريع زواج القاصرات في العراق، وفي إيران يتم إعدام المناضلات وفي أفغانستان تحرم المرأة من جميع الإنسانية خاصة التعليم “يجب أن نقوم المرأة في تنظيم نفسها لحماية ذاتها وحماية المجتمع وتسهم في الثورة العالمية للمرأة القادمة بلا ريب”.
وعلى صعيد آخر قامت المرأة بتأسيس قوات الأمن الداخلي “الأسايش” بشكل منهجي وأكاديمي وزوِّدت بالتدريبات العسكرية على أعلى المستويات وافتتحت مراكز وفروع في جميع مناطق شمال شرقي سورية، في الرقة ودير الزور والحسكة والقامشلي ومنبج وغيرها لتصون المرأة وتحميها وتزودها بالمعرفة لتفهم حقيقتها كما زودت من تشكيلات حماية أخرى مثل قوات النجدة وقوات “هات” إمعاناً في الحماية وصون الحقوق وباتت تشكل تجربة فريدة يستفيد منها الشرق الأوسط والعالم.
وضع المرأة في الشرق الأوسط والأدنى:
لا يقارن وضع المرأة الأوروبية بوضع المرأة في الشرق الأوسط والأدنى بسبب تسلط النظام الأبوي البطريركي الذكوري في الشرق الاوسط والأدنى، بما فيها البلاد العربية التي شهدت ما يسمى بثورات الربيع العربي من سوريا ومصر واليمن والعراق والسعودية وإيران وأفغانستان والهند، فتعرضت المرأة للقتل والسجن والاعتقال والأسر والاغتصاب والبيع إضافة إلى زواج القاصرات دون إرادة ورغبة منهن ومنعهن من الحريات والحقوق التي تقر بها الامم المتحدة والمنظمات الدولية الانسانية، فمُنعن من حق اختيار الزوج ومن الخروج دون محرم حتى في زيارة الاسواق وحتى من قيادة السيارة في بعض البلدان كما حُرمت من التعليم كما في افغانستان، ومن كافة الحقوق الانسانية الاخرى وفُرضت عليها الحجاب.
في إيران قامت المرأة بالثورة والرفض وكانت الضحية الفتاة الكردية “جينا أميني” ومثيلاتها وشقيقاتها اللواتي تعرضن للإعدام أمام مرأى كل العالم، وتضج المواقع الإلكترونية بالأعداد الهائلة من الاحصائيات التي تتناول ضحايا الأزمات في جميع البلدان العربية والشرق الاوسط وإيران وافغانستان والهند التي تشهد يوميا 90 حالة من الاغتصاب والقتل والاعتداء الجنسي، ويعود ذلك إلى الذهنية المتسلطة الذكورية وإلى العقائد والاديان القديمة التي عفا عليها الزمن التي خلقت النظرة الدونية إلى المرأة التي يقربها إلى درجة كبيرة من نظام العبودية والرق، وإلى التخلف الاقتصادي والاجتماعي في هذه البلدان المذكورة والتي بقيت تابعة تدور في فلك الرأسمالية وحداثتها المهيمنة على البلدان التي سبق ذكرها، ناهيك عن وضع المرأة في أرياف هذه البلدان التي تعاني من الفقر الشديد ومن الخدمات الأساسية في الحياة مما يجعل وضعها غير قابل للاحتمال.
التوقعات بشأن التأثير والتحول إلى ثورة أممية عالمية:
إذا كان يقيناً أن استطاعت المرأة أن تجري تحولاً كبيراً في مسيرتها المجتمعية وتنتقل من التبعية إلى القيادة في شمال شرقي سوريا عبر تنظيم نفسها ومعرفة ذاتها وتحدد هويتها عبر وحدات حماية المرأة وتشارك في قوات الأمن الداخلي الأسايش وتشكل لها فروعاً في طول البلاد وعرضها في شمال شرقي سوريا وتشارك بجميع الإدارات عبر الرئاسة المشتركة، فهي الثورة وهي المساواة والديمقراطية وهي شعلة الأمل لنساء العالم في كل مكان وهي فعلاً أثارت إعجاب ودهشة جميع النساء في العالم عبر شجاعتها ومشاركتها في تحرير رقعة بلادها من تنظيم داعش في الرقة ودير الزور وفي الباغوز.
وبداية انتقل تأثيرها على محيطها في كل المدن والبلدات في شمال شرقي سوريا من القامشلي إلى حلب ومنبج ودير الزور والرقة، بل أكثر من ذلك، انتقل تأثيرها إلى الأرياف والسريانية والآشورية والإيزيدية. لقد تفوقن على ذاتهن وساهمن في حماية أنفسهن، بل ساهمن في حماية المجتمع وما زلن يتقدمن إلى الأمام وبخطى قوية انتقل فكرهن وممارساتهن إلى العراق وإلى شنكال وجنوب كردستان وواجهن الآلة العسكرية التركية من الطائرات والمُسيَّرات ونار المدفعية وتفوقن وقاومن العدو التركي وسط تخبطه وعجزه إلى درجة يسعى لجلب المرتزقة من كل مكان.
يقينا ًإنها ثورة أممية عندما التحقن بهن الكثير من المناضلات الأوروبيات واستشهدن في ساحات المواجهة دفاعاً عن المرأة وحقوقها وحريتها ومجتمعها. يقيناً إنها ثورة المرأة العالمية عندما وصل نضالها إلى إيران وبلغت احتجاجاتها كل المدن الإيرانية حتى طهران العاصمة إلى الجامعات والمدارس والأسواق وتحدَّيْنَ بجدائلهن كل السلطات الايرانية وشرطة الاخلاق التي قتلت رفيقتهن “جينا أميني” وخلقت شعاراً على الشفاه “جين جيانا آزادي” وصار يصدح هذا الشعار في كل الفضاءات الواسعة في إيران وشاركت في هذه الثورة النسوة العربيات والبلوشيات والأذريات والكرديات والفارسيات وغيرهن، لقد استطعن هز أركان النظام الإيراني وارتعدت فرائصه.
لا يعني الصمت والهدوء الحالي أن الثورة خمدت أو توقفت، فهي كامنة ومتيقظة فقط تنتظر فرصتها، كما الجمر تحت الرماد، ما دامت المرأة محرومة من حقوقها في المساواة والديمقراطية وما دامت بعيدة عن العدالة التي تنشدها ومادامت لا تشارك في القرار ومادامت دونية النظرة لدى المجتمع الأبوي البطريركي.
لقد وصلت ثورة المرأة مع شعارها (المرأة، الحياة، الحرية) إلى النسوة في الهند التي توسعت إلى العاصمة دلهي ومدينة ككوتا على خلفية اغتصاب ومقتل الطبيبة الهندية في أحد المستشفيات الحكومية، لقد رددوا الشعار باللغة الكردية بكل القوة الصادرة من حناجرهن، لن تتوقف ثورة المرأة العالمية، مادامت المرأة الهندية منبوذة ومحرومة من حقوقها الطبيعية في العمل، في الزواج، في الانجاب، في حق اختيار الزوج، في حق التعليم، حتى يُنظر إليها بمساواة وعدالة وانسانية وديمقراطية.
الثورة العالمية للمرأة قادمة لا محالة مادام حرمان الحقوق والقتل والاغتصاب مستمراً في الهند، والغالب كتنبؤ سوف تجتاح الثورة العالمية للمرأة وتمتد إلى افغانستان وحكم ما يسمى بطالبان، لأن المرأة الأفغانية محرومة من كافة حقوقها الانسانية، فلا عدالة ولا ديمقراطية ولا حرية لها خاصة في الأرياف وتعاني بكل مرارة من حرمان الحقوق بشكل منقطع النظير مما يبين للعيان أن الوضع لا يُحتمل وبحاجة ماسة إلى التغيير أي بحاجة إلى مساندة المرأة في ثورتها العالمية القادمة، وسوف ننتظر حتى هي بدورها تردد شعار المرأة الحياة الحرية، يعني أن تنخرط المرأة الأفغانية بدورها في الثورة الأممية والعالمية القادمة.
[1]