الحركة السياسية الكردية أمام محاسبة تاريخية
كورديار دريعي
لم تُسنح للكُرد فُرص تاريخية كثيرة لكي ينالوا كغيرهم من الشعوب حريتهم ويتمتعوا باستقلالهم أو إدارة شؤونهم بنفسهم، بعد سقوط الدولة العثمانية وتقاسم البلدان التي كانت تحتلها بين القوى المنتصرة في الحرب العالمية الأولى
1914 -1918، حيث تكالبت عليهم كل من الاتفاقات الاستعمارية الدولية والدول المتشكلة حديثاً في الشرق الاوسط على حساب الشعب الكردي وقضيته، وأجهضت كل محاولاته في نيل حريته بالحديد والنار ومن دون أن يسمع العالم بصرخات هذا الشعب عن سابق إصرار في إبقاء القضية الكردية “قضية أكثر من 40 مليون إنسان” قيد الاغفال والنسيان وتسخيرها وفقاً لمصالحهم بشكل آني في زعزعة أو تهديد الدول الاقليمية المتشكلة أو للحصول على تنازلات من هذه الدول ومن ثم مساندة هذه الدول نفسها في قمع وتدمير ثورات الشعب الكردي وقضيته.
فلولا الحرب العالمية الثانية 1939-1945لما رأت جمهورية كردستان (مهاباد)1946 النور والتي لم تتوافق ومصالح الدول الكبرى التي سمحت بتدميرها في العام نفسه.
ولولا صراع القوى الكبرى على الشرق الاوسط وتوجه القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية الى إعادة تمركزها في الشرق الاوسط وإسقاط الانظمة الخارجة عن سيادتها وتأديبها “كما فعلت في أفغانستان وإسقاط نظام صدام حسين في العراق بعد هجمات الحادي عشر من أيلول 2001” لما كان للكرد أن يجدوا مُتَنفساً لهم والحصول على منطقة حكم ذاتي في باشور كردستان على الرغم من أنه جاء في الوقت الذي تم فيه ضرب القضية الكردية في باكور كردستان واعتقال المناضل عبد الله أوجلان في أقذر مؤامرة شهدها التاريخ القديم والحديث.
ولولا أحداث ما سمِّي بالربيع العربي ودخول سوريا في صراع مقيت على السلطة ما بين النظام السوري وما سميت بالمعارضة ودخول حزب الاتحاد الديمقراطي في مسألة تجنيب القضية الكردية وغرب كوردستان من الانجرار الى هذا الصراع الذي لا ناقة ولا جمل للكرد فيه لما كان اليوم هناك شيء اسمه غرب كردستان أو حديث عن الشعب الكردي وقضيته في سوريا في ظل بروز الفصائل المسلحة التي دعمتها تركيا وبقيادة السلفيين والاخوان الذين اتخذوا من المذهب السني كرأس حربة لضرب كافة المكونات العرقية والدينية والمذهبية في سوريا وعلى رأسهم الشعب الكردي، وقد توضحت أهدافهم المقيتة المرسومة في تركيا منذ بداية الأحداث الدموية من خلال توجه هذه الفصائل الى المناطق الكردية في 2012، ولولا وجود قوات حماية الشعب التي ومن خلال التضحيات الجسيمة استطاعت ردهم على أعقابهم وإلا فأنهم كانوا يخططون لاحتلال كامل الجزيرة من روجافا بدءاً من سري كاني وصولاً الى ديرك، ومن ثم من خلال داعش
2014 والسعي لاحتلال كوباني ومن ثم احتلال
عفرينعفرين 2018 وسري كاني وكري سبي 2019.
استطاعت وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة ومن ثم قوات سوريا الديمقراطية التي جمعت هذه القوات بالإضافة الى فصائل من المكونات الأخرى العربية والسريانية ومنشقين عن مرتزقة تركيا من تشكيل الادارة الذاتية في روجافا (شمال شرق سوريا) على الرغم من كل المصاعب وتعدد الجبهات والاعداء والدخول التركي المباشر مع المرتزقة ضد هذه الادارة الفتية، وبعد تقديم أكثر من 12000 شهيد و20000 جريح.
وبالعودة الى العنوان نفسه، لماذا تقف الحركة السياسية الكردية اليوم أمام محاسبة تاريخية؟ لأنه عندما ذكرنا هذه النماذج أعلاه من الفرص التاريخية – وإذا ما استثنينا جمهورية مهاباد كونها لم تكن في تلك القوة التي تأهلها للصمود أكثر من عام – فأن تجربَتَيْ باشور وروجافا يجب التوقف عليها والتوقف على الكيفية التي تمت فيها استثمار هاتين التجربتين من القوى الكردية أو الأحزاب الكردية.
باشور كردستان تحول بعد 1991ونيلها للحماية الدولية الى ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الكردية نفسها في صراع على السلطة راح ضحيتها الآلاف من البيشمركة والمدنيين، وبعد سقوط صدام حسين 2003، لم يكن هناك سوى مصالحة شكلية بين هذه القوى مع الاحتفاظ بنياتهم الاستحواذية على السلطة والنفوذ والتي كانت نتيجتها نكبة الاستفتاء
2017 لينهي مرحلة من نشوة القوة والتأثير على المركز والتصرف كشبه دولة مستقلة والدخول في نفق التنازلات وعودة الصراع البيني المباشر على ما تبقى من وطن لم يحافظوا عليه كثوريين وإنما أضاعوه كورثة وكعوائل حاكمة باتت تهتم بمصالحها أكثر من حلم كردستان حرة. يتحمل كل من الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني المسؤولية عن ذلك وخاصة الديمقراطي الكردستاني كونه أكثر من نفخ في اللبن خشية من الحليب الساخن، أي خشية من فقدان السلطة ساوم في كل شيء مع أكثر أعداء الكرد (تركيا ومحورها الاخواني).
وفي غرب كردستان وبعد أن كانت الاحزاب الكردية المعتزة بتاريخها الممتد لأكثر من نصف قرن لا تجيد سوى مناشدة الاعتراف بالثقافة واللغة الكرديين ودخل لأجل ذلك العشرات من الشباب الكرد الى السجون ورغم تجارب التاريخ ومعرفة ذهنية الاخوان وحقيقة أن لا أحد يتصدق بالحقوق، غير أنهم ولعجزهم عن تحمل المسؤولية التاريخية في استثمار التطورات بعد 2011عدُّوا انفسهم جزءاً من ما سميت بالمعارضة السورية التي كانت تنادي بإسقاط الأسد، علماً أن مسؤولية إسقاط النظام لم يكن يوما من مطالب الكرد، ظناً أن النظام سيسقط خلال شهور مع أنهم وخلال 8 شهور من اندلاع ما سميت بالثورة السورية كانوا مترددين ما بين ما سميت بالمعارضة والنظام، أي لم يكن لديهم اية قراءة مستقبلية أو استراتيجية للأحداث، ولكن وبما أن حزب الاتحاد الديمقراطي تمكن من التحول الى قوة واتخذ الخط الثالث بعيدا عن النظام أو المعارضة وأصبح ذو شأن كبير في روجافا، تحولت الاحزاب الكردية الاخرى بشكل آلي لا إلى معارضة وإنما إلى أعداء ورفضوا كل منجز أو مشروع أو سياسة ما دامت من حزب الاتحاد الديمقراطي وتحت يافطة إنه جزء من حزب العمال الكردستاني لا بل العمال الكردستاني نفسه وأن ساحته شمال كردستان لا غرب كردستان – في الوقت الذي يعدون الارهابيين المتعددي الجنسيات في المناطق المحتلة معارضة وشركاء في الوطن – ومن دون أن يقدروا على تمكين انفسهم كبدلاء أو القيام بدلا من الاتحاد الديمقراطي في رد غزوات مرتزقة تركيا او تشكيل قوات حماية لغرب كردستان لافتقار أغلب اعضائهم وقياداتهم لروح تحمل مسؤولية الكفاح المسلح وتقديم التضحيات في وجه القوى السلفية والاخوانية، وحتى الان يقولون بأنهم يمارسون العمل السياسي وتحقيق مطالبهم بالسياسة في الوقت الذي توجهت فيه قوى لا تميز بين الناقة والبعير لإبادة مكونات المنطقة وخاصة الكرد!! ومن خلال ممارستهم السياسة احتلت عفرين وباركوا المحتلين واحتلت سري كاني وكري سبي وباركوا المغتصبين، ودفعهم عجزهم ويأسهم وشعورهم بالفشل الى أن يكونوا لكل تطور ولكل مكسب ولكل الشهداء والتضحيات مشوهين وعملوا على لصق صفة الارهاب بوحدات حماية الشعب والمرأة وسوريا الديمقراطية وباتوا اليوم يهددون الادارة الذاتية “إن لم يناصفوهم في ما لم يستطيعوا تحقيقه بالمحتل التركي نفسه”، ويشترطون الشروط التركية مع الادارة الذاتية، فهل هذا تفكير قوى وطنية تغنت خلال نصف قرن بالكردايتي وحلمت بالاعتراف باللغة والثقافة الكردية؟ ولكنهم يشهدون اليوم وطنا كاملا “لغة وثقافة وعزة وقومية ومكانة” وشرف القضاء على الارهاب وتحول القضية الكردية الى قضية دولية وتتصارع السياسات الدولية والاقليمية عليها، وبدلاً من أن يعززوا كل ذلك يسعون الى تشويهها وتدميرها ما داموا ليسوا حكاماً.
[1]