الادارة الذاتية باتت رقماً صعباً في المعادلة الدولية
محمد بشير
الهجمات الأخيرة للدولة التركية على مناطق شمال وشرق سوريا تدخل في إطار استمرار عملياتها العسكرية ضد هذه المناطق بهدف القضاء على المشروع الديمقراطي الذي يطبق في ظل إدارة ذاتية تتعايش فيها مكونات المنطقة بجميع أطيافها ومذاهبها وأعراقها والتي باتت نموذجاً يحتذى به ويكون لكل سوريا ويضع الأزمة السورية على الطريق الصحيح والمختصر للخلاص من هذا النزيف البشري والاقتصادي والاجتماعي، ولكن الجارة تركيا الطورانية لا تريد لهذه التجربة أن تنجح؛ لأنها تخاف أن تنعكس على الداخل التركي والذي بالأصل يعاني من مشكلات سياسية واقتصادية وحتى اجتماعية، وخاصة أن هذه التجربة الديمقراطية مأخوذة من فكر الفيلسوف والمفكر عبد الله أوجلان في إطار مفهوم الأمة الديمقراطية، والتي عندها فوبيا من أي شيء فيه رائحة للكورد، لذلك تعمل تركيا وتخطط بكل قوتها وامكاناتها وبالتحالف مع الدول الاقليمية وخاصة المحتلة لكوردستان واستغلال الوضع الدولي وانشغال العالم بحرب اسرائيل وغزة وأيضاً حرب أوكرانيا للقضاء هذا المشروع.
والهجمات الأخيرة هي ترجمة لهذه المخططات واستهداف تركيا للمؤسسات المدنية والثقافية وضرب المنشآت الحيوية من بنية تحتية وخاصة مصادر الطاقة من غاز وكهرباء ونفط وأيضاً المتعلقة بِقُوت الشعب تهدف إلى كسر إرادة شعوب المنطقة وإجبارها على النزوح، وبالتالي إفراغها ومحاولة تغيير ديموغرافي وايجاد الفرصة المناسبة وأخذ الضوء الأخضر للهجوم على المنطقة بهدف احتلالها وتطبيق أحلامها بالتوسع وتطبيق “الاتفاق الملي” واسترجاع اراضي تحلم بها لاستعادة امبراطوريتها العثمانية، وكل ذلك يأتي في ظل الصمت المريب من قبل العالم المتحضر وخاصة الدول المؤثرة في الشأن السوري وعلى رأسها أمريكا وروسيا الضامنتين لاتفاقيات جرت بينهم وبين تركيا لعدم التصعيد.
يبدو أن لعبة المصالح الدولية تؤثر بطريقة ما على مواقف الهيئات والمنظمات والمؤسسات الدولية ذات الشأن والمتعلقة بحقوق الإنسان والسلام والاتفاقيات التي تحمي المدنيين ومؤسساتها أثناء الحروب وباتت تؤثر على قراراتها، فنرى ازدواجية المعايير أثناء التعاطي مع المسائل الدولية حسب مصالح تلك الدول والتي يستشف منها المرء بأنها بالأصل تأسست من قبلها وتحمي مصالحها، ولولا ذلك؛ لماذا نشاهد هذا الصمت المريب من قبلها ولماذا لا تضغط وتتدخل وتضغط على دولة تضرب بعرض الحائط كل قرارات تلك المنظمات الإنسانية والحقوقية ويحدث كل هذا الاجرام على مرأى أعينهم ومسمعهم.
إن استهداف البنية التحتية من قبل المحتل التركي تعتبر جريمة حرب لأنه يحرم ملايين السكان من متطلبات الحياة اليومية وقُوتهم، فحسب القانون الدولي؛ يجب تجنيب المدنيين والمؤسسات المدنية من الحرب، لكن يبدو أن القوانين تطبق حسب المصالح الدولية وحسب أهوائها.
إن مناطق شمال وشرق سوريا قَدّمت آلاف الشهداء في سبيل الحفاظ على أمن شعوب المنطقة بكل مكوناتها وأصبحت المكتسبات التي حصلنا عليها هي صمَّام الأمان، والادارة الذاتية باتت رقماً صعباً في المعادلة الدولية وأصبحت أمل الشعوب بالنسبة لسوريا المستقبل، وقوَّات سوريا الديمقراطية دافعت عن القيم الإنسانية وأنهت داعش على الجغرافيا السورية والذي كان يشكل أخطر تنظيم إرهابي، لذلك على المجتمع الدولي أن يرد بعض الدَّين لهذه القوات وهذه الادارة، وهو واجب أخلاقي وانساني تجاه تلك القوات، وتضغط وبقوة على الدولة التركية لإيقاف هجماتها على المنطقة وتعريتها؛ لأنها دولة مارقة بُنيت وتأسست على احتلال وقتل ونهب شعوب المنطقة الاصيلة، والأنكى من ذلك أنها تحلم بإعادة الإمبراطورية العثمانية وإحياء الاتفاق الملي والاسباب التي تتذرع بها إنما هي حجج واهية تضلل به الرأي العام.
إن الدول الموجودة على الأراضي السورية مُطَالَبةٌ حسب الأعراف والقوانين الدولية وحسب الاتفاقيات المبرمة مع دولة الاحتلال التركي وخاصة أمريكا ضمن التحالف الدولي لمحاربة داعش والتي تشكل قوات سوريا الديمقراطية رأس الحربة فهي مطالبة أكثر لأخذ موقف جدي من هذه الهجمات التي تشكل تهديد للمنطقة من خلال محاولة تركيا إنعاش داعش عبر استهدافها بالمسيرات المراكز التي تحوي أولئك الإرهابيين.
لكن الصمت المريب لهذه الدول يعني قبولها بهذه الهجمات وأيضا العالم مُطالَب اليوم بإعادة بناء ما دمرته الدولة التركية في مناطقنا ومساعدة أبنائها للنهوض مجدداً ومنع تكرار مثل هذه الهجمات بمنع الطيران الحربي والمسيرات من خلال فرض حظر جوي، فالعالم يجب أن يدرك أكثر بأن التجربة الديمقراطية في شمال وشرق سوريا من خلال إدارتها الذاتية تشكل مفتاح الحل والطريق الأقصر لحل الأزمة السورية وإنهاء الصراع من خلال مشروع وطني وبدون تدخلات خارجية والجلوس معاً حول طاول جامعة تضم ممثلي كل أطياف النسيج السوري الذي يشكل فسيفساء جميلة وغنية وتعطي قوة للمجتمع والارادة القوية والشعوب التي تنفست رائحة الحرية تستطيع الحفاظ على المكتسبات والوصول لبر الأمان والنصر سيكون بالنهاية لأصحاب الحق.[1]