أردوغان… حلم الصلاة في الأمويّ واستثمار عوائد المتغيّر السوريّ
أكثر من عقد من الزمن مر على وعد رئيس دولة الاحتلال التركيّ أردوغان بالصلاة في المسجد الأمويّ بدمشق، وخلال هذه السنوات أعاد تموضعه بضغط روسيّ وقدّم مبادراتٍ للتصالح مع النظام السوريّ سابقاً، وكان بصدد عقد صفقة على حساب المرتزقة الذين دعمهم طيلة سنوات، لكنه ركب موجة المتغيرات الطارئة في سوريا، ليُعيد الاعتبار لنفسه، ويسعى لاستثمار عوائد المتغيرات لصالح الحرب ضد كرد سوريا، ويحضر لزيارة دمشق بعدما أوفد إليها وزير خارجيته ورئيس استخباراته.
وعد بالصلاة في الأموي
كشفت مصادر صحفية تركية، الجمعة، أن رئيس دولة الاحتلال التركيّ رجب طيب أردوغان يستعد لزيارة سوريا خلال الأيام القليلة المقبلة، وقالت صحيفة لصحيفة “Türkiye” الرسميّة، نقلاً عن مصادر سوريّة، إن أردوغان قد يقوم بزيارة “تاريخيّة” إلى دمشق في غضون الأسبوعين المقبلين، إلا أنّ مصدراً في الرئاسة التركية قال: إنه لا معلومات عن أي زيارة مرتقبة لأردوغان إلى سوريا.
ووفقاً للمصادر سيتم إنشاء “درع جوي وبري” طوارئ للرئيس التركيّ على طول خط حماة – حمص – إدلب، كما سيتم تفعيل الرادارات التركية ومراقبة كافة التحركات الجوية.
في #05-09-2012# قال رئيس دولة الاحتلال التركي رجب طيب أردوغان، إنّ “صلاته بالجامع الأموي باتت قريبة جدًا، ونقلت وكالة أنباء (الأناضول) عنه قوله إنّ أحزاب المعارضة التركية التي نصرت النظام السوري ستخجل في القريب العاجل من زيارة دمشق، فيما سيذهب وأعضاء حزبه إليها ليلتقوا بإخوتهم، ويتلون سورة الفاتحة فوق قبر صلاح الدين الأيوبي”، ثم يصلّون في باحات جامع بني أمية الكبير، ويزورون تربة الصحابي بلال الحبشي والإمام ابن عربي، والتكية السليمانية ومحطة الحجاز.
وتجاوزت أنقرة مواقف الدعم وتأييد المعارضة، وتدخل الجيش التركيّ مباشرةً في سوريا بعملية عدوانية وسيطر على مدينة جرابلس في #24-08-2016# ، وحينها أعلنت أنقرة أنّ هدف التدخّل هو استهداف كلٍ من داعش والقوات المتحالفة مع الكرد في سوريا، إلا أنّ المدينة لم تشهد معارك حقيقية ولا مشاهد لأسرى من “داعش” كما جرى في الباغوز في آذار 2019، ليبقى السؤال حول اختفائهم المفاجئ مُعلقاً حتى اليوم.
في شباط 2021، ذكّر كمال كليشيدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوريّ المعارض لأردوغان بوعده بالصلاة الوشيكة في المسجد الأمويّ، وخلال اجتماع لكتلة حزبه النيابيّة وجّه انتقادًا لاذعًا لأردوغان، بسبب وجود أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سوريّ في تركيا وقال: “لقد قلتَ إننا سنصلي في المسجد الأموي خلال 24 ساعة، والآن ماذا حصل؟ ملايين السوريين يصلّون في مساجدنا”، وانتقد كليشيدار أوغلو سياسة الحكومة التركية إزاء وتساءل: “ما الذي كنا نريده من القتال في سوريا؟”.
انقلابٌ وابتلاعٌ للوعود
واعتباراً من كانون الثاني 2017 أصبحت أنقرة طرفاً في ترويكا “أستانة” التي عقدت 22 جولة محادثات، كانت البداية مما عُرف بصفقة “حلب مقابل الباب” وإعلان حلب خالية من المسلحين في #22-12-2016# ، ومن ثم إنشاء مناطق خفض التصعيد، وسيطرت تركيا على عفرين في آذار 2018، وكري سبي/ تل أبيض وسري كانيه في تشرين الأول 2019، وبذلك حُشر كلّ مرتزقة المجموعات الموالية لتركيا شمالاً في جيوب على الحدود، تحت العلم التركيّ، وصولاً للحديث عن مسار تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، الأمر الذي بدا على أنّه ملامح صفقة على حساب المعارضة السوريّة، وصار الحديث عن صلاة أردوغان في المسجد الأمويّ محلَّ التندر والسخرية، وتأكيد الخذلان.
وأطلق أردوغان سيلاً من التصريحات والدعوات للتصالح مع دمشق، وفي #28-06-2024# قال أردوغان إنه لا يوجد أي سبب لعدم إقامة علاقات دبلوماسية بين تركيا وسوريا، وأعرب عن استعداد تركيا لتحسين العلاقات مع سوريا.
وفي اليوم التالي، أعلن رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض أوزغور أوزال، أنّه يقوم بمحاولات لزيارة سوريا وقال: “نقوم من جانبنا بما يسمى بالدبلوماسية غير الرسمية مع سوريا. أفكر في الذهاب والاجتماع مع الأسد في الأيام القليلة المقبلة إذا تمكنا من ترتيب ذلك. الحديث لا يدور عن لقاء بعد فترة طويلة، بل عن إمكانية عقد مثل هذا الاجتماع خلال هذا الصيف”، وبذلك بدا أن الرغبة بفتح أقنية الحوار مع دمشق لم تقتصر على حكومة العدالة والتنمية. وهذا يوضح أسلوب قراءة المشهد السوريّ من قبل المسؤولين الأتراك حتى قبل أشهر قليلة.رمزية المسجد الأمويّ
في #03-05-2023# زار الرئيس الإيرانيّ إبراهيم رئيسي دمشق، وخلال زيارته أدّى الصلاة في المسجد الأمويّ، وإن كان مألوفاً أنّ يزور الرئيس الإيراني مقام السيدة زينب بدمشق ويصلي فيه، فإنّ زيارته للمسجد الأمويّ حملت مضموناً رمزيّاً، موجّهاً إلى أردوغان، الذي أراد أن يجعل صلاته في الأمويّ طقساً احتفالياً بسقوط النظام السوريّ.
بعبارة أخرى تم التعاطي مع مسألة الصلاة في المسجد الأمويّ على أنها إعلانٌ للنصر، وبذلك يُفهم بعدٌ آخر لزيارة قائد إدارة العمليات أحمد الشرع إلى المسجد الأمويّ في #08-12-2024# ، أي يوم دخوله إلى دمشق، وإلقاء خطاب النصر فيه، ووصفه لسقوط النظام بأنه نصرٌ للأمةِ الإسلاميّةِ.
وقال الشرع في خطبته: “الأسد ترك سوريا مزرعة للأطماع الإيرانيّة، كما أنه نشر الطائفية وفي عهده أصبحت سوريا مصنعاً للكبتاغون”، مشيداً بما اعتبره إنجازاً حققته “هيئة العمليات العسكرية”.
ورغم أنّ خطبة الشرع تضمنت عبارات طمأنة لكلّ السوريين، إلا أنّ دلالات المسجد الأمويّ ورمزيته القوميّة وخصوصيته المذهبيّة، كانت واضحة، لتكون رسالة من غير كلام، وبذلك بعث الشرع برسالة واحدة إلى أطراف متعددة في الداخل والخارج، فقد أراد طمأنة أنصاره وتأكيد وصولهم للسلطة، وتأكيد انتهاء نفوذ إيران وحزب الله في سوريا.
وكان بوسع الشرع باعتباره قائداً نجح في انقلابٍ عسكريّ إعلان الانتصار في بيانٍ رسميّ متلفز، كما هي عادة الإعلانِ عن الانقلابات وتغيير الأنظمة بالسيطرةِ على مبنى الإذاعة والتلفزيون وتوجيه خطابِ النصر ببيانٍ رسميّ للشعبِ والعالم.
بعد سقوط النظام السوريّ زار رئيس الاستخبارات التركية إبراهيم كالن دمشق في #13-12-2024# ، رفقة وزير الخارجية هاكان فيدان ولم يغفل عن رمزيّة المسجد الأمويّ فبادر لزيارته وسط إجراءات أمنيّة مشددة، وكانت زيارة كالن وفيدان الأولى لوفد تركيّ رسميّ بعد 13 عاماً، عندما زار وزير الخارجية حينها، أحمد داوود أوغلو سوريا، والتقى رأس النظام في #09-08-2011# ، كما زار مدنية حماه.
وإذ يحظى المسجد الأمويّ والصلاة فيه بالدلالة السياسيّة، فإنّه لا يمكن فصل ذلك عن الأبعاد التاريخيّة، والتي تعود لأكثر من 14 قرناً، يوم انتقل مركز الحكم من الكوفة إلى دمشق لتكون عاصمة الدولة الأمويّة، والتي توصف بأنها مثلت عهد السيادة العربيّة، وتوسع جغرافيا الخلافة الإسلاميّة، وأطلق اسم الأمويين على أكبر ساحات دمشق، وساحة أخرى باسم العباسيين، كما تحضر الرمزية الأموية والعباسية في النشيد السوريّ “فمن الوليد ومنا الرشيد”. وخلال الأسابيع الماضية تم تداول اسم الأمويين بكثافة من قبل عناصر المعارضة وقالوا: “نحن أبناء الأمويين”.
ماذا في جُعبة أردوغان؟
وقال أردوغان في تصريحات للصحافيين على متن رحلة العودة من اجتماع مجموعة الدول الثماني النامية في مصر، إن أنقرة على اتصال بدمشق وقائد العمليات العسكرية في سوريا أحمد الشرع، (الجولاني)، مُعرباً عن سعادته بأن الدول الغربية والإسلامية تتواصل مع الجولاني، وأكد أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، سيزور سوريا قريباً لمناقشة “الهيكل الجديد”.
وأعرب أردوغان عن أمله في نقل العلاقات التركيّة السوريّة إلى “مستوى جديد”، مع تشكيل حكومة جديدة في دمشق، معتبراً أن رفع العقوبات المفروضة خلال فترة النظام السابق “سيساعد في إعادة إعمار سوريا”. وقال إن مسألة الإسكان في سوريا يجب أن تحل من أجل العودة الطوعية للاجئين.
والمفارقة أنّ أردوغان شدد على ضرورة القضاء على “داعش، وحزب العمال من أجل إقامة سوريا جديدة آمنة ومستقرة”. وذلك بعد أيام قليلة من تصريح الدفاع التركي يشار غولر بأنه لا توجد مؤشرات على عودة ظهور “داعش”. كما تواصل الحكومة التركية واشنطن بإعطائها دوراً في محاربة مرتزقة داعش بدلاً من قوات سوريا الديمقراطية.
والحقيقة أن التهديدات التركية الحالية بشن عدوان على مدينة كوباني لا يمكن تفسيرها إلا أنها حربٌ بدوافع انتقامية من كوباني الباسلة التي شهدت أول هزيمة لمرتزقة “داعش”، ففي المعارك الأخيرة التي شهدت مقاطعة منبج كان الإعلام التركيّ، مواكباً للهجوم، وفيما كانت قناة “خبر تورك” التركية تقوم بتغطية إعلاميّة تنقل مباشرة مشاهد في محيط مدينة منبج، وتظهر في أسفل الشاشة عبارة “فريق قناة خبر تورك من حدود منبج، الجيش الوطني السوري يستكمل عملياته”، بثت ظهرت لقطة لحاجز أقامه مرتزقة ما يسمى “الجيش الوطنيّ” في أحد الطرق وتظهر بوضوح إشارة “داعش” الإرهابي على أكتاف عناصر الحاجز، وكذلك راياته. فيما كان الإعلام التركيّ يزعم تحرير المدينة التي حررتها قوات سوريا الديمقراطية من مرتزقة “داعش” في #12-08-2016# ، فكان الرد باحتلال مدينة منبج أحد أهم مراكز “داعش” على الحدود في #24-08-2024# .
وفق معطيات الواقع، يمكن النظر إلى زيارة الرئيس التركيّ إلى دمشق والتي يسابق فيها الزمن على أنّها محاولة لردِّ الاعتبار، والظهور بمظهر الوفاء بالوعد الذي قطعه على نفسه قبل أكثر من عقد، وتأكيد دور تركيا بإسقاط النظام السوريّ. ومن المؤكد أنّ في جعبة أردوغان العديد من الملفات والمطالبات في مقدمها قضية كرد سوريا واستهداف الإدارة الذاتيّة وقوات سوريا الديمقراطيّة، وهو مستعد في سبيل هذا الهدف للتنازل لجهات الدنيا الأربعة، إضافة لملف عودة اللاجئين السوريين في تركيا، والحصول على امتيازات اقتصاديّة وفتح المعابر بزعم دعم السوريين وإعادة الإعمار. ولا يُتوقع أن يُحدد أردوغان جدولاً زمنيّاً لإنهاء الاحتلال والانسحاب من الأراضي السوريّة، كما لا يرغب بحلِّ مجموعات مرتزقة “الجيش الوطنيّ” في هذه المرحلة.
فرصة التغيير والسلام
بسقوط النظام السوريّ تنتهي كلّ مبررات الصراع المسلح في سوريا، ومن الطبيعيّ أن يعدَّ ذلك فرصة حقيقيّة لحلِّ شاملٍ للأزمةِ السوريّة بعوامل سوريّة، وأكد القائد العام لقوات سوريا الديمقراطيّة مظلوم عبدي في تصريح لوسائل إعلاميّة بأن التغيير فرصة لبناء سوريا جديدة قائمة على الديمقراطية والعدالة تضمن حقوق جميع السوريين، مشدداً على ضرورة تكريس حقوق الشعوب السوريّة في الدستور الجديد، كأساس بناء سوريا شاملة وديمقراطية.
وأطلقت الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا في #16-12-2024# ، مبادرة من 10 نقاط لحلّ الأزمة السوريّة ودعت لبدء حوار وطنيّ سوريّ شامل، وعقد اجتماع في دمشق بمشاركة القوى السياسيّة لتوحيد الرؤى بشأن المرحلة الانتقاليّة.
كما دعت مبادرة الإدارة الذاتيّة إلى الحفاظ على وحدة وسيادة الأراضي السورية وحمايتها من الهجمات التي تشنها تركيا والمجموعات الموالية لها، ووقف العمليات العسكريّة في البلاد للبدء في حوار وطني شامل، وأشارت إلى التوزيع العادل للثروات والموارد الاقتصادية بين كل المناطق السورية باعتبارها ملكاً لجميع أبناء الشعب السوري، وضمان عودة السكان الأصليين والمهجرين قسراً إلى مناطقهم، والحفاظ على إرثهم الثقافي وإنهاء سياسات التغيير الديمغرافيّ.
وشددت المبادرة على الاستمرار في “محاربة الإرهاب” لضمان عدم عودة “داعش” بالتعاون المشترك بين قوات سوريا الديمقراطية وقوات التحالف الدولي.
دعت الإدارة الذاتية إلى اتخاذ موقف التسامح والابتعاد عن خطاب الكراهية والتخوين بين السوريين، وعقد اجتماع طارئ يشارك فيه القوى السياسية السورية في دمشق لتوحيد الرؤى بشأن المرحلة الانتقالية، وطالبت بالمشاركة الفعالة للمرأة في العملية السياسية.
ورغم أنّ كلّ أسباب الصراع المسلح سقطت بعد الثامن من كانون الأول، ويفترض العمل على إنشاء جيش سوريّ جديد وإنهاء كلّ الحالات الفصائليّة والميليشياويّة إلا أنّ حكومة الاحتلال التركيّ تسعى لاستثمار المرتزقة حتى الرمق الأخير في شن العدوان على مناطق الإدارة الذاتيّة، وكان مسار العملية المسماة “فجر الحرية” مختلفاً عن المسار إلى دمشق، واستهدفت منطقة الشهباء وأسفرت تهجير ثانٍ لأهالي عفرين، وارتكاب مئات الانتهاكات منها إعدامات ميدانيّة، ومجازر في مدينة منبج وعمليات نهب واسعة، وتواصل أنقرة العدوان وتهدد بتوسيعه وتثير الفتنة بين السوريين، وقد قال الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب المساعي التركيّ بأنها “استيلاء غير ودّي” على سوريا.
بالمجمل كان الرئيس التركيّ حتى قبل أشهر قليلة يأمل بزيارة دمشق والصلاة في المسجد الأمويّ برفقة رئيس النظام السوريّ، إلا أنّه تراجع وانقلب كعادته مع المتغيرات الدراماتيكيّة في سوريا… وبقي هدف الصلاة في الأموي قائماً ولكن مع اختلاف الرفقة والإمام![1]