نقد قانوني للإعلان الدستوري المقر لسوريا في المرحلة الانتقالية -2-
إبراهيم اليوسف
الحوار المتمدن-العدد:
8282
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
نقد قانوني للإعلان الدستوري المقر لسوريا في المرحلة الانتقالية
-2-
إبراهيم اليوسف
إن الإصرار على تسمية الدولة الجمهورية العربية السورية يتجاهل الواقع التعددي لسوريا، حيث تضم البلاد قوميات مختلفة مثل الكرد والسريان والآشوريين والأرمن وغيرهم، إضافة إلى: العرب. إن هذه التسمية تكرس سياسة القومية الواحدة التي مارستها الأنظمة السابقة، متجاهلةً حقوق المكونات غير العربية. وفقًا لمبادئ القانون الدولي، يجب أن تعكس هوية الدولة جميع مكوناتها، وليس مكونًا واحدًا على حساب الآخرين، وذلك انسجامًا مع العهود والمواثيق الدولية التي تؤكد حق الشعوب في الاعتراف بلغاتها وهوياتها الأصلية.
إذ لم يتناول الإعلان الدستوري المقترح وضع الشعب الكردي كأحد المكونات الأصيلة في البلاد، ولم ينص على ضمان حقوقه القومية والسياسية والثقافية. إن تجاهل الإقرار الدستوري بحقوق الكرد يعيد إنتاج السياسات التمييزية التي مورست ضدهم منذ عقود، والتي شملت سياسات التعريب، والإقصاء من المناصب، والحرمان من الجنسية في بعض المراحل التاريخية. إن الإعلان العالمي لحقوق الشعوب الأصلية الصادر عن الأمم المتحدة يشدد على ضرورة حماية حقوق هذه الشعوب، بما يشمل الاعتراف بلغتها وثقافتها وحقها في الحكم الذاتي ضمن إطار الدولة.
ورغم أن الإعلان الدستوري يشير إلى حرية الدين والمعتقد، إلا أنه يصرّ على أن الإسلام هو المصدر الأساسي للتشريع. هذا البند قد يخلق تمييزًا ضد الأديان والطوائف الأخرى، خاصة ممن يعدونهم: أقليات مثل المسيحيين و الإيزيديين والدروز. إن الدولة يجب أن تكون محايدة تجاه جميع المعتقدات، ويجب أن ينعكس ذلك في الدستور عبر ضمان مبدأ العلمانية التي تفصل بين الدين والتشريع، بحيث لا تُفرض أحكام دينية على غير المسلمين أو على من لا يلتزمون بها. إن الحياد الديني للدولة هو أساس المواطنة المتساوية ويمنع التمييز.
وفيما يخص إبقاء قوانين الأحوال الشخصية خاضعة للطوائف الدينية يعني تكريس انقسامات قانونية بين المواطنين، ويؤدي إلى استمرار انتهاك حقوق الأفراد غير المنتمين إلى الأديان المعترف بها رسميًا. الحل العادل هو اعتماد قانون مدني موحد للأحوال الشخصية يضمن المساواة بين جميع المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو القومية. هذا القانون يجب أن يرتكز على مبادئ حقوق الإنسان العالمية، وليس على قواعد فقهية تختلف بين طائفة وأخرى، ما يجعل المواطنين غير متساوين أمام القانون.
كذلك، لم يوضح الإعلان الدستوري كيفية ضمان تمثيل عادل لجميع المكونات السورية في مجلس الشعب، ما قد يؤدي إلى استمرار الهيمنة الأحادية على السلطة التشريعية. يجب أن يتضمن الدستور نظامًا انتخابيًا يضمن التمثيل العادل لكل القوميات والأديان، من خلال نظام الكوتا أو التمثيل النسبي، بحيث لا تستأثر أي جهة بالسلطة التشريعية. كذلك، فإن اقتراح النظام البرلماني يحتاج إلى آليات تحول دون تكرار الاستبداد عبر سيطرة طرف واحد على البرلمان، ويجب أن تكون هناك ضمانات لحماية التعددية السياسية.
الإعلان الدستوري المقترح يعاني من ثغرات قانونية خطيرة تهدد مبادئ العدالة والمساواة، إذ يفتقر إلى أي ضمانات واضحة تحول دون تكرار السياسات القمعية السابقة بحق القوميات والمكونات الأخرى أو الأقليات، كما أنه يتجاهل حق تقرير المصير للشعوب الأصلية، رغم كونه حقًا تكفله المواثيق الدولية. إضافة إلى ذلك، لا يتضمن آليات فعالة تمنع التمييز القومي والديني داخل مؤسسات الدولة، بل يعزز توجهًا إقصائيًا من خلال الإبقاء على مرجعية الوحدة العربية كمبدأ دستوري، مما يتناقض مع الهوية التعددية لسوريا. كما يغفل النص عن الإشارة إلى حقوق اللاجئين والمهجرين قسرًا، ويفشل في تقديم ضمانات واضحة تكفل عودتهم الآمنة إلى مناطقهم الأصلية، وهو ما يعمّق من مظاهر الظلم والانتهاك بحق فئات واسعة من المجتمع السوري.
إن الإعلان الدستوري المقترح لا يعكس تطلعات جميع مكونات الشعب السوري، بل يستمر في تكريس سياسات الإقصاء والتهميش. لا يمكن لسوريا المستقبل أن تُبنى على نهج أحادي يكرس الامتيازات لمكون دون آخر، بل يجب أن تقوم على مبادئ الديمقراطية الحقيقية، والاعتراف بالتعدد القومي والديني، وضمان المساواة التامة بين جميع المواطنين. إن أي دستور مستقبلي لسوريا يجب أن يكون نتاج توافق وطني حقيقي، يضمن حقوق جميع السوريين على مختلف انتماءاتهم، ويحمي الهوية التعددية للبلاد دون تمييز أو إقصاء.
[1]