الكرد بين نيران الاحتلال التركي ونداءات الوحدة
إبراهيم اليوسف
الحوار المتمدن-العدد: 8233
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
التاريخ الكردي في سوريا مليء بالتحديات الكبرى التي واجهها هذا الشعب في ظل سياسات التهميش والإقصاء. فقد عاشت المناطق الكردية، منذ تقسيم كردستان، تحت وطأة الاتفاقيات الدولية والأنظمة الاستبدادية التي حرمت الكرد من حقهم في تقرير المصير. لتنفتح مع الثورة السورية، آفاق جديدة أمام الكرد، لاستعادة دورهم الوطني، لكن الاحتلال التركي للمناطق الكردية كان جرحًا جديدًا، خاصة مع تصاعد الخلافات الكردية الداخلية.
الاحتلال التركي بين القتل والتهجير
إذ إن احتلال تركيا لعفرين وسري كانيي وكري سبي لم يكن مجرد تغيير جغرافي، بل عملية منظمة تهدف إلى تغيير هوية المنطقة الكردية. في عفرين وسري كانيي و كري سبي، فقد استبدلت تركيا السكان الأصليين بمستوطنين من مناطق أخرى، ما يشكل محاولة واضحة للتغيير الديموغرافي. هذه السياسات شملت نهب ممتلكات السكان، والاستيلاء على منازلهم، وتدمير المعالم التاريخية و الثقافية الكردية.
لقد واجهت سري كانيي واجهت مصيرًا مشابهًا، حيث طُرد الآلاف من سكانها، لتصبح مدينة مشوهة الهوية وممتلئة بالمرتزقة الذين يدّعون تمثيل الثورة السورية. في كلتا المنطقتين، كانت تركيا تستهدف كل ما يرمز إلى الوجود الكردي، من شجر الزيتون في عفرين إلى المنازل والقرى في سري كانيي....
سياسات ممنهجة لاستهداف الكرد
لم تكتفِ تركيا بالاحتلال، بل واصلت سياساتها العدائية من خلال قصف المناطق الحدودية الكردية ومحاولة منع أي تواصل بين أجزاء كردستان الكبرى. في الوقت ذاته، استغلت الفصائل المدعومة من قبلها الدين كأداة لتسويغ أعمالها الوحشية، مدعية أنها تخوض حربًا ضد إرهاب الكرد، بينما كانت في الواقع تسعى لإبادة ثقافية وجغرافية منظمة.
على الصعيد الدولي، ظل المجتمع الدولي صامتًا تجاه هذه الجرائم، ما شجع تركيا على المضي قدمًا في تنفيذ مخططاتها. ولا تزال الأصوات الدولية التي تدعو لحقوق الكرد خافتة مقارنة بحجم المعاناة التي يعانيها هذا الشعب، ما يترك الكرد في مواجهة مصيرهم وحدهم.
خلافات داخلية مؤسفة في المقابل لابد من تجاوزها؟
بينما تواجه المناطق الكردية خطر الإبادة، تستمر الخلافات بين الأحزاب الكردية في تعميق الأزمة. الانقسام بين المجلس الوطني الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي ينعكس سلبًا على الموقف الكردي الموحد. هذه الخلافات أتاحت لتركيا والفصائل المرتبطة بها التسلل إلى الداخل الكردي، حيث وجدت في الانقسامات وسيلة لضرب أي جهد يوحد الكرد.
رغم محاولات التوحيد، التي تقودها قيادة إقليم كردستان وعلى رأسها الرئيس مسعود بارزاني، لا تزال العقبات كبيرة، خاصة مع وجود تيارات متشددة تعمل على محاولة إفشال وحدة الصف الكردي. هذه التيارات تُفضل استمرار الخلافات بدلاً من الوصول إلى رؤية موحدة تخدم مستقبل الشعب الكردي.
جهود الرئيس بارزاني
الرئيس مسعود بارزاني، الذي قاد مسيرة الكرد في العراق نحو الاستقرار والاعتراف الدولي، استثمر خبرته السياسية في محاولة لم شمل الكرد في سوريا. مبادرات بارزاني للتقريب بين الأطراف الكردية، بدءًا من اتفاقيات دهوك وهولير وصولًا إلى الجهود الأخيرة، جاءت كجزء من رؤية شاملة توحد الصف الكردي وتضمن حقوق الشعب.
زيارات قيادات من حكومة إقليم كردستان إلى تركيا حملت دلالات مهمة. رغم حساسية العلاقة بين الكرد وتركيا، نجحت القيادة الكردستانية في إيصال رسالة واضحة بأن القضية الكردية قضية حقوقية، وليست أداة سياسية.
وليس سراً البتة القول: إن الأحداث الأخيرة أظهرت أن الكرد بحاجة ماسة إلى الوحدة أكثر من أي وقت مضى. بينما تتغير التوازنات الإقليمية والدولية، فإن الكرد بحاجة إلى تجاوز خلافاتهم والعمل على بناء مؤسسات تمثل تطلعاتهم. إن الأجيال الكردية القادمة لن تغفر للأطراف التي ساهمت في تعميق الانقسام وتضييع الفرص. إذا أراد الكرد حماية مكتسباتهم وضمان مستقبل مشرق لأبنائهم، فعليهم أن يعوا أن الصراعات الداخلية لن تؤدي إلا إلى مزيد من الضعف.
ولابد لنا من أن نؤكد- مرة أخرى- أن تاريخ الكرد مليء بالآلام، لكن صمودهم أمام التحديات هو ما يبقي الأمل حيًا. ومن هنا فإنه في ظل الجهود الكبيرة التي تبذلها قيادة إقليم كردستان، وبالأخص الرئيس مسعود بارزاني، يمكن للشعب الكردي أن يستعيد مكانته وحقوقه المشروعة. المرحلة المقبلة تتطلب من الجميع إدراك أن الكرد أمام فرصة حقيقية لبناء مستقبل أفضل، وأن الوحدة هي المفتاح لتحقيق ذلك.[1]