دحض ادعاء لجنة وضع الدستور السوري المؤقت
برادوست ميتاني
لكي يبرر المتحدث باسم لجنة صياغة الإعلان الدستوري د.عبد الحميد العواك ما يصبو إليه هو واللجنة المشكلة والبطانة التي جمعت أهدافهم القومية والدينية المتشددة، قال خلال مؤتمر صحفي أن اسم سوريا هو الجمهورية العربية السورية وأنهم لم يغيروا في اسم الدولة وهويتها شيئاً، إذ أنهما محددان منذ دستور عام
1920 وقد استمر ذلك منذ بناء الدولة وحتى اليوم.
بالطبع أن هذا الكلام يفتقر إلى الحقيقة، فمن يرجع إلى البحث عن حقيقة ذلك ويقلب جميع الدساتير السورية منذ تشكيل الدولة وخاصة في عام 1920م وحتى عام 1958م ويمعن باسم الدولة فسيجد الحقيقة المنافية لادعائه حيث أن الاسم لم يحتوي على صفة العربية – مع احترامنا للأخوة العرب الذين نتعايش معأ في وطن واحد.
لتعلم اللجنة أن اسم الدولة حمل منذ
1920 طابعاً وطنيأ يعبر عن جميع القوميات والشعوب مستمراً حتى عام 1958م، ولم يتم ادراج كلمة العربية فيه إلا عندما تم تشكيل الوحدة السورية المصرية على يد الرئيس المصري ذو الفكر القومي المتشدد الراحل جمال عبد الناصر باسم الجمهورية العربية المتحدة حيث أن اسم سوريا قبل ذلك وفي جميع دساتير تلك المرحلة السابقة يكتب بصيغ لا تمت بأية قومية فكان مثلاً يحمل اسم الدولة السورية وأيضاً في عام1922م كانت تحمل اسم الاتحاد السوري وكذلك منذ عام 1949م أخذت الدولة تحمل اسم الجمهورية السورية وقد استمر هذا الاسم حتى زمن الوحدة كما أسلفنا وسيطرة التيار القومي العربي المتعصب منذئذ وحتى سقوط نظام البعث في الآونة الأخيرة.
للعلم أنه في التاريخ البعيد وفي مراحل عديدة كان اسم سوريا يتمسك بهوبتها فمثلاً كان خلال علاقات الحوريين (الخوريين) في الألف الثالث قبل الميلاد والميتانيين والهيتيين في الألف الثاني قبل الميلاد الذين يشكلون اسلاف الآريين ومنهم الشعب الكردي بالفراعنة المصريين كان اسمها “بلاد خورو” أو “سورو” أي بلاد الشمس وكذلك خلال حكم الآشوريين في الثاني والألف الأول قبل الميلاد ومن ثم تحول اسم سورو إلى سريان واستمر الاسم خلال ذلك حتى صار سوريا مع الضمور أحياناً خلال الدول: الساسانية والرومانية والإسلامية والأيوبية والمملوكية والعثمانية.
في بداية تأسيس سوريا الحديثة أضيفت صفة العربية إلى اسم سوريا وذلك خلال اتيان الفرنسيين والإنكليز بفيصل بن الحسين من خارج سوريا بعد طردهما للألمان والعثمانيين في الحرب العالمية الأولى وجعله ملكاً على سوريا 1918-1920م باسم المملكة السورية العربية وذلك لما كان يحمله الملك فيصل من فكر عشائري عربي صرف ولكن بإخراجه من سوريا على يد البريطانيين رجع اسم سوريا إلى طبيعته الأصلية وصار اسم الدولة: الدولة السورية.
الدلائل كثيرة إذ ثمة وثائق عديدة تعود إلى الفترة السورية من عام
1920 حتى عام 1958م سنرفق موضوعنا هذا ببعض منها تحمل اسم سوريا دون صفة أية قومية فيها، منها ما كانت طوابع وعملة نقدية ورقية أو معدنية وورقيات منتشرة على كافة الأرض السورية، منها في الجزيرة السورية وثائق صادرة عن الدولة السورية عام 1949م خاصة بملكية السادة آل عبد الغني في مدينة ديرك وقد أمدني بها في إغناء هذا الموضوع مشكوراً أ.تمر أحمد عبد الغني، وهي وثائق مختومة بختم رسمي حيث أن العائلة من مؤسسي مدينة ديرك وهي تحوي الاسم الكردي ديرك قبل أن يعرب الاسم إلى اسم “المالكية” وخاصة فيها اسم الدولة الذي هو الجمهورية السورية فقط ويعود إلى العام 1949م كما أسلفنا.
لم يكن داعياً لتلك اللجنة لكي تبرر عقيدتها القومية الاقصائية وفكرها الأحادي أن تضع نفسها بهذا الخطأ وقد أدركنا لماذا وقعت بذلك المطب لأن المصادر والدلائل جمة كان عليها العودة إليها.
مما سبق صار واضحاً أن اسم سوريا منذ عام
1920 حتى 1958م لم يحوي صفة العربية، ولكن أمام تلك الحقائق أين تكمن المصداقية مع لجنة صياغة الدستور المؤقت، وتقول أنهم استمدوا اسم سوريا كجمهورية عربية سورية من الدساتير السابقة، وإن تم اعتماد دستورهم ستعود البلاد إلى عهود الأقصاء والظلم والشمولية وكيف لها أن تبرر هكذا؟ .
ألا تدرك هذه اللجنة بأن الفكر السياسي، المجتمعي والوطني قد تطور وقد وعى السلبيات الناجمة عن تلك الدساتير، ألا يدرك أصحاب مسودة هذا الدستور الجديد النتائج الهدامة الناجمة عن تلك الدساتير الشمولية والانفراد من قبل طرف واحد بالسلطة ؟ ألا يعي أصحاب هذا الدستور لماذا ثار الشعب منذ 2011م وقدموا الشهداء وتحطمت البلاد، لكي يعودوا بنا إلى النمط ذاته في الحكم والسلطة. ألا يدرك من جمع بنود هذا الدستور الجديد من بنود الدساتير السابقة بأنها كتبت من قبل فئات محددة استحوذت على السلطة وكذلك في ظروف مختلفة عن ظروف اليوم لكي يقلدونهم؟. أين الفهم للوقائع التي تحوي افرازات حقوقية جديدة في المجتمع السوري الذي تبلور فيه الفكر القومي العام من قبل الكرد والسريان وغيرهم كالأرمن والتركمان والجركس وسواهم وكذلك بالنسبة للفكر الديني والمذهبي، لكي يثيرونها هكذا بعقلية دينية وقومية كلاسيكية باتت منبوذة في الوعي الشخصي.
ألا يستوعب أصحاب هذا الدستور الكلاسيكي بأن الشعب السوري تواق إلى الديمقراطية وقدم تضحيات جسام في المال والأرواح لكي يتخلص من الذهنية الانفرادية الاستبدادية الساعية إلى السيطرة على السلطة والانتقال نحو وطن ديمقراطي لتكون له مكانة آمنة؟. ألا يعلمون بأن نسخهم لبنود الدساتير السابقة يعني البعد عن الحداثة وما أتى به الفكر الحديث من الوعي القومي والوطني الديمقراطي؟ ألا يحسون بسلوكهم لطريق من سبقهم من نمط الحكم البالي في سوريا للوصول إلى السلطة، والذي دفعت سوريا ضريبتها غاليا.
بالختام نقول: إن الله عز وجل قال “وجعلناكم شعوب وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله أتقاكم” (ص). فكلنا أخوة تحت سقف هذا الوطن، ولا يجب حكره على قومية واحدة بل أنه لكل القوميات والمكونات، وأن يكون اسمه وهويته يعبران عنهم جميعاً. فالوطن عنوان لنا جميعاً، علينا أن نحافظ عليه كما هو، ولكن إن استمرت هذه الثقافة الاقصائية والطائفية والشوفينية، فإن مصيرهم سكون مصير سلفهم البائد والذهاب بالبلاد على مصائر اكثر دمارا.
[1]