القائد عبد الله أوجلان.. أيقونة لا تسقط وفكرة لا تموت
د. محمد العرب
في #15-02-1999# ، التاريخ الذي اهتزت له عاصمة الضباب الإفريقية نيروبي، عندما حُبست أنفاس رجلٍ صنع للكرد أملاً يتجاوز الجغرافيا والسياسة، لم يكن اعتقالا فقط بل كان إعلاناً أن هناك من يرفض وجود أي زعيمٍ يحمل مشروعاً حقيقياً للتحرر لأبناء جلدته، ويؤمن بشعبه أكثر ما يؤمن بحسابات القوى الكبرى، كان المشهد أكبر من مجرد مطاردة بل كان امتداداً لحرب غير معلنة على كل حركة كردية ترفض الانحناء سواء في إيران أو تركيا أو العراق أو سوريا. لكن؛ هل انتهى القائد عبد الله أوجلان في تلك الليلة؟ بالعكس تماماً…!
لقد وُلِد مرةً أخرى بطريقة لا يفهمها الذين قيدوا يديه، لم يدركوا أن الزنازين ليست سجناً للعقول، وأن القادة الحقيقيين لا يُطوَّعون بالقوة، بل يتحولون إلى أفكار عصية على الانكسار. في جزيرة إمرالي، تلك البقعة المعزولة عن العالم، ظنوا أنهم دفنوا مشروعه، لكنهم في الحقيقة منحوه فرصة ليكون أكثر تأثيراً، وأوسع انتشاراً منذ ذلك اليوم، لم يعد القائد عبد الله أوجلان مجرد زعيم سياسي، بل تحوّل إلى ظاهرة عابرة للحدود، مؤثرة في المشهد العالمي الموازي، حيث لم تعد أفكاره مُلكاً للكرد فقط ، بل أصبحت إلهاماً لكل من يبحث عن الحرية، في عصر العولمة لم يعد بإمكان أحدٍ احتكار السلطة المطلقة، ولم تعد الشعوب تقبل بتفسيرٍ واحدٍ للتاريخ، وهنا يظهر التأثير الحقيقي للمفكر عبدالله أوجلان: إعادة تعريف المقاومة في زمنٍ تغيرت فيه أدوات الصراع.
في سجنه، كتب وألّف وأعاد تشكيل الرؤية الكردية للحل ولم يكن سجيناً بالمعنى التقليدي، بل كان كمفكر يخطط لعالمٍ جديد، خلال السنوات التي قضاها بين الجدران، كان يتجاوز حدود سجانيه، يتحول إلى مرجعية فكرية ليست فقط للكرد، بل لكل شعب مقهور يبحث عن هوية وسط عالمٍ يرفض الاعتراف به. في الوقت الذي كانت فيه الأنظمة تُعيد تدوير خطاباتها القديمة عن السيطرة، كان القائد أوجلان يبتكر خطابات أكثر تقدماً، تتحدث عن التعايش، الديمقراطية، وحق تقرير المصير دون الوقوع في فخ الحروب الدائمة.
لم يكن تأثيره محصوراً في الشرق الأوسط فقط، بل وصل إلى أماكن لم يكن الكرد يتخيلون أنهم سيكونون جزءاً من معادلاتها، لقد أصبح اسمه رمزاً دولياً في الأدبيات الثورية الحديثة، تماماً كما دخل مانديلا وغاندي قبله. الفارق أنه لا يزال محتجزاً، مما يجعل السؤال أكثر إلحاحاً: إلى متى سيبقى هذا الرمز الكردي خلف القضبان؟
اليوم، وبعد 26 عاماً من اعتقاله، يتساءل العالم: هل يعيد التاريخ نفسه ولكن بطريقة أخرى؟ هل يمكن أن يكون 15 شباط 2025 هو اليوم الذي تُكسر فيه القيود أخيراً، لتعود الأسطورة إلى مسرح الأحداث؟ هل يتم الإفراج عنه في التاريخ نفسه الذي اختُطِف فيه؟ أم أن النظام التركي لا يزال متمسكاً بمنع ميلاد حرية جديدة؟
التاريخ أثبت أن الزعماء الذين يُعتقلون لأسباب سياسية لا يموتون في السجون، بل يعودون أقوى، وأكثر تأثيراً، فهل يكون المفكر عبد الله أوجلان القادم من عزلته هو الصاعقة التي تُعيد تشكيل القضية الكردية من جديد؟
أو هل يغدو مانديلا الكرد؛ يخرج من السجن ويقود الأناضول الجديدة، التي في حال لم تقتنع بحلٍّ مُستدام للقضية الكردية فإن تركيا تنحصر في الأناضول وتذهب برجلها إلى التقسيم؛ كما قال القائد عبد الله أوجلان في آخر إطلالته.
رغم كل شيء حدث ويحدث؛ فإن 15 شباط الحالي لن يشبه سابقه، سيشبه نفسه ويؤسس لواقعٍ جديد.[1]