سقوط النظام وأزمة الشرق الأوسط
د. طه علي أحمد
رُغم الحقائق الكارثية التي كَشَف عنها سقوط نظام الحكم في دمشق أخيراً، إلا أن هذه الحقائق لا تمثل سوى “قِمة جبل الجليد” الظاهرة، بينما ما لم تكشفه الأحداث يبدو عَميقاً ومُتجذراً في بنية البيئة الشرق أوسطية وليس سوريا فحسب، فما كان سقوط الأنظمة على التوالي بعد الانفجارات الجماهيرية التي بدأت من تونس أواخر عام
2011 سوى إعلان لنتائج فشل مشروع الدولة القومية المتطرفة في المركزية، التي مثَّلت حجر الزاوية في الفضاء السياسي والاقتصادي والاجتماعي في منطقة يُعدَّ التنوع والتعددية أبرز معالمها، وما كانت شعوب المنطقة في حاجةٍ لشيء أشد من حاجتهم لإدارة – وليس سلطة – تُعْنَى بإدارة شؤونهم بدايةً من تكريس التعايش كخيارٍ استراتيجي وحتمي وصولاً لتلبية احتياجاتهم التنموية وهو ما لم يتحقق على مدار العقود الفائتة، ولعل ما يُبرر ذلك الفشل حقيقة أن خريطة الشرق الأوسط الراهنة ما تشكلت إلا تعبيراً عن إرادة ومصالح القوى المنتصرة في سلسلة حروب القرنين الأخيرين.
واليوم، وفي غمرة أفراح السوريين بسقوط النظام، وانتعاش آمالهم بمستقبل جديد، تبقى الفريضةُ الواجبة كامنةً في الخروج من الأزمة المركزية التي يعيشها الشرق الأوسط، وما سوريا سوى جزءاً أصيلاً منها. إنها “أزمة المدنية” التي يرصدها المفكر عبد الله أوجلان، والتي تتشكَّل من ثماني أضلاع تتمثل في قضايا المرأة، والعشيرة والأثنية، والمذهب والدين، والطبقة والأسرة والأيديولوجيا، والديمقراطية، وصولاً إلى قضية الثورة.
إن الخروج من براثن هذه الأزمة العنكبوتية يفرض على شركاء الحكم في سوريا الجديدة التحول إلى منطقة “الإدارة” وليس “السلطة” بما يضمن إعلاء قيم المواطنة والتشاركية في ميادين السياسة والاقتصاد والاجتماع والابتعاد عن منطق العشيرة والتطرف القومي الذي ساد طويلاً، لاسيما وأن الضعف الذي أضحت عليه حكومة دمشق والتحديات المتنامية داخلياً وخارجياً، بات يفرض على السوريين ضرورة تبني نماذج الحكم اللامركزية القائمة على الإدارة بما يضمن هذه التشاركية ويعززها، لمواجهة المستقبل وبناء سوريا الجديدة.
[1]